التحدّيات الـ 10 في انتظار جو بايدن !
واشنطن ــ الرأي الجديد (تقارير)
أسدل الستار على مراسم تنصيب الرئيس السادس و الأربعين للأمريكيين ، إلا أنه في ظل عالم من عدم اليقين، وتعدد الأزمات والتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في ظل الإرث الثقيل الذي تركه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته “دونالد ترامب”؛ فإن فترة ولاية “جو بايدن” ستكون أصعب بكثير من فترات عمل الرؤساء السابقين.
استعرض الكاتب “جراهام أليسون”، وهو خبير سياسي وكاتب أمريكي مخضرم، في مقاله المنشور بمجلة “فورين بوليسي”، في 15 جانفي الجاري، أهم عشرة تحديات دولية تعد الأكثر تعقيدًا، والتي من المرجح أن تواجه صانعي السياسة الأمريكيين. ويمكن تقديم أهم تلك التحديات على النحو التالي:
1 ـ انقسام الداخل الأمريكي:
يعتبر انقسام الداخل الأمريكي، التحدي الأكبر الذي سيواجه صناع السياسة الأمريكيين خلال عام 2021، وما بعده. غير أن هذا الانقسام لن يكون له ارتدادات على الأمريكيين فقط، بل إن تفاعل الإدارة الجديدة مع تلك الحالة غير المسبوقة من الانقسام، من المتوقع أن تنعكس آثاره على العالم برمته.
فإذا لم تجد الإدارة الأمريكية الجديدة، حلا وسطا يخول لها إحداث قدر ممكن من التوافق المبدئي بين الحزبين الكبيرين، واستعادة الثقة في مؤسساتها الديمقراطية،فإن واشنطن ستفتقر إلى الأساس الذي من خلاله تستطيع استعادة قيادة العالم في ظل منافسة شرسة من الجانب الصيني.
2 ـ التحدي الاقتصادي:
لا يختلف اثنان في حجم القوة الاقتصادية الأمريكية،فإن أي تقلص أو اهتزاز في حجم تلك القوة، قد يحمل العديد من التبعات على الاقتصاد العالمي، فالقوة الاقتصادية تمول القوة العسكرية، والبنية التحتية للقوة في العلاقات الدولية.
وبناءً عليه، بتراجع القوة الاقتصادية للأمريكيين، تتقلص قائمة الخيارات السياسية المتاحة أمام صناع السياسة. فعلى الصعيد العالمي،ستواجه واشنطن تراجعا كبيرا في دورها في النظام العالمي الجديد، وسيصبح عليها التكيف مع عالم لم تعد فيه واشنطن قادرة على توفير الدعم العسكري الأمني المجاني للدول الأخرى، أو ملاحقة الصين في تقديم القروض للدول الفقيرة لتمويل مشروعات النقل والبنية التحتية الرقمية.
3ـ تراجع أهمية الترسانة المفاهيمية التي اعتمد عليها صانعو السياسة:
فوفقًا للافتراضات القائمة على الخلفية الديمقراطية الليبرالية لصانعي السياسة الأمريكيين في إدارتي “جورج دبليو بوش” و”باراك أوباما”، كان هناك توقع بأن الإطاحة بالحكام “المستبدين” في العراق وليبيا سيولّد أنظمة ديمقراطية في تلك الدول بشكل تلقائي. أما الفرضية الثانية، فتتعلق بأن العالم الذي تتبنى فيه جميع الدول نظام الأسواق الحرة ستجعل مواطني تلك الدول أغنياء. إلاّ أن تلك الفرضيات قد تكون غير قائمة في عالم اليوم، وهو ما يستدعي إحداث قدر من التكيف والمراجعة للفرضيات التي يمكن الاعتماد عليها في صنع السياسة الأمريكية.
4ـ تحدي التنافس الصيني:
فعلى عكس الاتحاد السوفياتي السابق والذي كان معزولًا اقتصاديًا ومقيّدًا من الناحية التكنولوجية، تعد الصين التحدي الدولي الأكثر إرباكًا للولايات المتحدة. الوضع التنافسي الحالي مع بكين، وما تمتلكه من الموارد اللازمة لتنمو بشكل أكبر وأسرع وأقوى من واشنطن، قد يفرض على الرئيس القادم وضع استراتيجية متكاملة في مواجهة ذلك.
وبالعودة الى إستخدام أفضل المعايير والمؤشرات الدولية لمقارنة الاقتصادات الوطنية، نجد أن الصين أضحت بالفعل أكبر اقتصاد في العالم.، كما أنه من بين جميع الاقتصادات الرئيسية، تعد الصين هي الوحيدة التي حققت أكبر معدل للنمو الاقتصادي في نهاية عام 2020، وذلك مقارنة بما كان عليه الوضع مع بداية العام.
وهنا يشير الكاتب، إلى أنه عندما تُهدد قوة صاعدة بإزاحة قوة حاكمة، غالبًا ما تكون النتيجة حربًا كارثية، واستدل على ذلك بما كان عليه الحال في أوروبا عام 1914، كما أكد أن الدفع بما يسمى باستراتيجية فك الارتباط مع الصين، هو أمر غير ممكن.
5ـ صعود أهمية العوامل الجيو اقتصادية:
مع بزوغ نجم العولمة أضحى للعامل الاقتصادي أهميته بدرجة تماثل القوة العسكرية. ومن ثمّ، كانت محاولة إدارة “ترامب” إقناع الحلفاء بالاختيار بين العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة أو العلاقة الاقتصادية مع الصين بمثابة خطأ استراتيجي كبير.
فبكين حاليًا هي ورشة التصنيع الأولى في العالم، والشريك التجاري الأول لمعظم الدول، بما في ذلك اليابان وأستراليا وحتى ألمانيا.
6ـ القوة العسكرية الصينية:
رغم أنها (الولايات المتحدة) لا تزال القوة العسكرية الرائدة في العالم، فإن الصين تعد ثاني قوة عسكرية صاعدة، فقد دشنت اتلأخيرة (الصين) خلال العقد الماضي أقوى قوة عسكرية في آسيا. بل إن ميزانية الدفاع لبكين الآن أضحت تقترب من ستة أضعاف ميزانية طوكيو، وحوالي أربعة أضعاف ميزانية نيودلهي. إن جهود الصين الدفاعية تتركز بشكل أساسي على حدودها ومياهها الإقليمية، عكس الولايات المتحدة، الأمر الذي حوّل ميزان القوة العسكرية لصالحها.
7ـ المنافسة التكنولوجية الشرسة:
لا يختلف اثنان في إعتبار أن الصين أضحت منافسًا تقنيًا حقيقيًا للولايات المتحدة الأمريكية في المجال التكنولوجي، فأغلب التوقعات تقول أن النزاع التجاري سيأخذ منعرجا أخر، بحيث ينتقل النزاع من التجارة إلى التكنولوجيا.
ويعد الذكاء الاصطناعي من المجالات الأكثر احتمالًا لأن تشهد منافسة حادة بين الجانبين، كما أنه من المحتمل كذلك أن يكون للتكنولوجيا التأثير الأكبر على الاقتصاد والأمن القومي خلال العقد المقبل، ومن ثم فإنه في حين فرضت إدارة “ترامب” قيودًا صارمة على وصول الصينيين إلى أشباه الموصلات المتقدمة؛ إلا أن حجم السكان الكبير ودولة المراقبة في الصين ستمنحها دائمًا المزيد من البيانات لتغذية التقدم في مجال التعلم الآلي.
8ـ التأثيرات التدميرية المتبادلة:
تعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين، أكبر دولتين مصدرتين لانبعاثات الغاز المتسببة في الاحتباس الحراري في العالم، الأمر الذي يجعل كلًّا منهما من أكبر الدول المتحكمة في تأثيرات التغير المناخي.
ومن ثم، فإنه قد يكون من الأفضل لكل من واشنطن وبكين العمل على إيجاد طريقة مشتركة لمواجهة تحديات التغيرات المناخية، للحفاظ على كوكب صالح للعيش للجميع، لأن البديل الآخر قد يكون التدمير المشترك لكليهما.
9ـ حشد الحلفاء:
إن الوضع الاقتصادي الحالي للصين يمنحها ميزة تنافسية في مواجهة الولايات المتحدة بما يجعلها قادرة على تمويل ميزانيات الدفاع والاستخبارات بشكل قد يكون أكبر، ممّا تخصصه الولايات المتحدة الأمريكية في المقابل.
وبناء عليه، يقترح الكاتب، أنه في حال الرغبة الأمريكية في تقييد سلوك بكين، فإنه سيتعين على واشنطن اجتذاب دول أخرى ذات ثقل إلى جانبها لإحداث التوازن في ميزان القوة العالمي لصالحها. لكن هذا سيكون أكثر تحديًا مما كان عليه الأمر خلال الحرب الباردة، حيث إنه أصبح لكل حليف محتمل وفقًا للوضع الحالي اهتماماته وأولوياته، والتي قد لا تكون الولايات المتحدة الأمريكية في موضع الصدارة منها.
وقد تضاعفت أهمية الصين الاقتصادية خلال الآونة الأخيرة بالنسبة للأعداء والحلفاء.
ومن ثم، فقد يصطف الحلفاء إلى جانب الولايات المتحدة ضد الصين، فيما يتعلق ببعض القضايا الأمنية، بينما يصبحون أكثر تشابكًا مع الصين في القضايا الاقتصادية، وليس أدل على ذلك من توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (R.C.E.P)، التي تعد واحدة من أكبر الصفقات التجارية في التاريخ، حيث يعمل هذا الاتفاق على إنشاء منطقة تجارة حرة بين (الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، ودول رابطة الآسيان العشرة، وأستراليا، ونيوزيلندا)، وذلك سعيًا لتقليص الحواجز التجارية بين هذه الدول، وهو ما يخلق إطارًا مشتركًا للتعاون الاقتصادي بينها.
وينطبق الأمر ذاته -بدرجة أو بأخرى- على توقيع اتفاق التجارة والاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي، وهو ما يسمح بالنفاذ التجاري والاستثماري بينهما.
10ـ تحدي العولمة:
على الرغم من العديد من منتقديها، ستظل العولمة قوة هائلة في إعادة تشكيل العلاقات الدولية. فقد ساهمت قوى العولمة، في الدفع نحو استمرارية نمو الاقتصاد العالمي لأكثر من مائة ضعف خلال الفترة من عام 1950 وحتى اليوم، إلا أن الإشكالية تتمثل في أنه في الوقت الذي أنتجت فيه العولمة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، مكاسب ضخمة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والطبية وتبادل الأفكار والخبرات البشرية وغيرها، فإن المنافسة العالمية التي لا هوادة فيها تسببت في تداعيات غير متكافئة، خاصة بالنسبة لدول العالم الثالث.
وختامًا، يمكن القول إن الوضع العالمي الحالي بما يتضمنه من تحديات جسيمة، أصبح يستدعي ضرورة تقييد الطموحات الأمريكية الكبرى من أجل ضمان البقاء والاستمرارية كقوة عظمى. وبناءً عليه، فإنه قد يتعين على “بايدن” وخلفائه استدعاء الخيال الاستراتيجي لترتيب الأولويات واتخاذ الإجراءات التي تصب في صالح حماية المصالح الأمريكية.