في محاولة للنيل من استقلاليته وحرفيته… استهداف موقع “الرأي الجديد”: انتهى زمن التخويف
تونس ــ الرأي الجديد
فوجئت أسرة تحرير موقع “الرأي الجديد” اليوم، بدعوى قضائية رفعها رئيس الحكومة الأسبق، يوسف الشاهد، ضدّ الموقع، من خلال مديره، وضدّ إحدى الصحفيين العاملين بالمؤسسة (الزميلة، سندس عطية)، على خلفية نشر خبر يتعلق بشبهة فساد بشأن أموال عمومية، تخص ترميم جامع عقبة ابن نافع بالقيروان بهبة من المملكة العربية السعودية، بقيمة 5 مليون دولار، ذكر أنه سيجري فيها التحقيق.
الخبر كما نشرناه في الموقع، كان كالتالي:
“علمت (الرأي الجديد)، من مصادر جديرة بالثقة، أن مكتب التحقيق التاسع، قام باستدعاء رئيس الحكومة الأسبق، يوسف الشاهد.
ويأتي هذا الاستدعاء، على خلفية شبهة سرقة أموال هبة سعودية بقيمة 5 مليون دينار، كانت متّجهة لتهيئة وترميم جامع عقبة ابن نافع، حسب نفس المصادر”.
الخبر، كما أوردناه، ليس من قبيل الرأي، ولا هو من فئة التحاليل التي تحاول توريط زيد أو عمرو، بل هو خبر عادي، يتعلق بملف فساد معروض على التحقيق.
بل إنّ موقعنا، “الرأي الجديد”، لم يشير بالتلميح أو بالتصريح إلى أي اتهام لرئيس الحكومة الأسبق، بأي شكل من الأشكال، واكتفينا بالقول: “استدعاء على خلفية شبهة سرقة أموال هبة سعودية”، وبالتالي، لم نذكر كلمة اتهام بأي معنى من المعاني.
فهل استدعاء رئيس الحكومة الأسبق، أو أي شخصية أخرى، معناه اتهام صريح بتورطه في ذلك؟؟ لسنا ندري كيف اهتدى السيد يوسف الشاهد، أو من دفعه بهذا الاتجاه، إلى هذا الاستنتاج الغريب..
ثم، هل أنّ السيد الشاهد، فوق أي إمكانية لدعوته من قبل القضاء؟؟ وبالتالي، فإنّ الحديث عن دعوته في قضية فساد، تشير إلى تورطه بالضرورة، والحال أن الاستدعاء من قبل القضاء، يمكن أن يكون للشهادة، أو للاستدلال أو للاسترشاد، أو للاتهام، بل يمكن أن يكون الاتهام، سابق للدعوة، ليخرج المواطن، بريئا من التهمة ذاتها، طالما أنّ قرينة البراءة تبقى هي العنصر الحقوقي والقضائي القوي في أي قضية مهما كانت خطورتها..
الغريب في هذه الدعوى القضائية، أنّ السيد يوسف الشاهد، حوّلها إلى قضية سياسية بكل معنى الكلمة، وحرص على تضخيمها لكي يظهر في مظهر الرجل المستهدف سياسيا، وذلك من خلال المعطيات الواردة في نص الدعوى، والتي اتهمنا فيها بما يلي:
ــــ “شنّ حملة شرسة ضدّ شخصه، تستهدفه بالثلب والشتم وهتك عرضه وشرفه، وترويج أخبار زائفة عنه، قام بنشرها موقع (الرأي الجديد)”..
ونحن هنا، نتحداه أمام الرأي العام، أن يأتينا بمقال واحد فقط، استهدفه بما ذكر، وسنعتبر ما قاله اتهام من قبله للموقع ومصداقيته، ونحفظ حقنا في مقاضاته.. لأنّ شرف المهنة من شرف العاملين فيها، والصحف والمنابر الإعلامية تكسب مصداقيتها بالعامل الزمني، وليس من السهل بجرة قلم الشاهد، “اللي ما شافش حاجة”، يريد أن يطعن في مصداقيتنا، التي يشهد بها القاصي والداني..
لقد تعاطينا مهنيا مع الموضوع، ونصرّ على ذلك، لأننا ندرك معنى التعاطي المهني، أكثر من السيد يوسف الشاهد، ولسنا في حاجة مرة أخرى إلى أن نتعلم مهنيتنا التي شربنا حليبها من مؤسسات عريقة، في مقدمتها جريدة “الصباح” الغراء..
ــــ اعتبر أننا “صرفنا أموالا طائلة لتمويل هذه الحملة ضدّه”..
وهذه تهمة مجانية أخرى، نحفظ حقنا بشأنها أيضا..
ــــ اتهمنا بــ “النيل من شرفه واعتباره، بصفته، رئيس حكومة سابق، بل للحزب السياسي الذي يقوده، وهو حزب (تحيا تونس)، بجميع قياداته وأعضائه”..
وهذا محض خيال، لا أساس له من الصحة مطلقا، ومحاولة من “رئيس الحكومة السابق”، توظيف الخبر لإعادة الاعتبار السياسي لشخصه..
ونحيط هنا الرأي العام، بأننا نشرنا خبرا دون أي تعليق، من ناحية، ثم عندما أصدر حزبه (تحيا تونس) بيانا حول الموضوع، من الغد، نشرنا فحواه، بلا أدنى تردد، لأنّ ذلك جزء من مهمتنا المهنية (نقل الخبر)، التي لا نتلقى بشأنها دروسا من السيد الشاهد، أو ممن أشار عليه بهذه القضية، بل إننا أرفقنا الخبر، بصورة معبرة عن حسن نوايانا بكل وضوح، لمن يقرأ منطق الصور في الإعلام.
ــــ وأضاف في عريضته، اتهامنا بــ “التحريض على ارتكاب جرائم أخرى، أو الاعتداء على الحرمة الجسدية للمنوّب”.. بل إننا استخدمنا الفيسبوك، “كأداة غشّ، قصد الاعتداء على المنوب، ورميه باطلا بالتهم”..
ولا شك أن الرجل ذهب في الخيال بعيدا، وربما لم ينقصه إلا اتهامنا بالإرهاب، والتخطيط لجريمة إرهابية، والحال أننا نشرنا خبرا لم يشير مطلقا إلى لفظة اتهام له، كل ما في الأمر أننا قلنا “استدعاء”..
ـــــ اتهامنا أيضا، بــ “نيتنا الإضرار بالمنوب، والإساءة له، والتضليل، وتحريض مستعملي شبكة الفيسبوك على الشاهد”..
وهنا دخل الرجل، أو من دبّر له هذه القضية، في محاكمة النوايا، والسرائر، وبات أقرب منا إلى قلوبنا وأفئدتنا..
يكفي هنا الإشارة إلى أنّ المقالات التي تنشر في الموقع، تحال مباشرة وبطريقة آلية إلى الفيسبوك، وهو أمر معمول به في كل المواقع في الشرق والغرب والشمال والجنوب.. وكان على السيد الشاهد أن يسأل العارفين بالموضوع، قبل أن يدخل في هذا التضخيم المجاني، الذي لا طائل من ورائه..
ــــ علما أن السيد الشاهد، قدر التعويض الرمزي لقاء الضرر المعنوي الذي يزعم انه حصل له، بقيمة 500 ألف دينار تونسي…
ولكم سداد التعليق في رمزية المبلغ المطلوب !!!!!!!!!
لسنا ندري كيف جاء السيد يوسف الشاهد، باستنتاج مفاده، أننا نستهدفه، والحال أننا ننقل أخبارا، إلا إذا كان يعتبر الإعلام مجرد بروباغندا، مثلما كان يحصل له عندما كان على رأس الحكومة.. وهذا شأنه وما يرى..
كان يمكن للسيد الشاهد، أن يرسل إلينا ردّا ينفي فيه الاستدعاء، أو أي صلة له بالقضية، إذا كان لديه ما يثبت ذلك، وكنا سننشر ذلك بكامل المهنية والحرفية وبكل سلاسة، لأنّ الغاية من عملنا دائما، هي الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة..
لكن السيد يوسف الشاهد اختار طريقا آخر، وهو حرّ في ذلك..
إنّ هذه القضية المريبة والغريبة والعجيبة، مبنى ومعنى، تؤكد استهداف موقعنا الإلكتروني بكامل الوضوح الذي لا ريب فيه، ومحاولة للنيل من مصداقيته، وموضوعيته واستقلاليته السياسية والحزبية والمهنية، وهو ما دافعنا عنه طويلا طوال مسيرتنا الصحفية التي تمتدّ لما يزيد عن 30 عاما، إذا كان السيد يوسف الشاهد يعرف ذلك أو لا..
بل إنّ هذه الدعوى القضائية، تعدّ مسّا من دور الصحافة الحرة، ومن دور الصحفي في نقل الخبر، بنزاهة وحرفية، ومحاولة للضغط على الإعلام حتى لا يطرح قضايا وملفات الفساد بشكل واضح وصريح للعموم، وإبلاغ الرأي العام بذلك..
نقول للسيد الشاهد، بأنّ زمن الضغط على الإعلام، ولّى وانتهى، وزمن التحكم في أقلام الصحفيين، ذهب من دون رجعة، مهما كانت الأسماء الضاغطة، أو اللوبيات، أو الأحزاب أو حتى من كانوا مسؤولين في الدولة التونسية.. هذا مسار إعلامي خارج سياق “الضبط” الذي تعود عليه البعض طيلة العقود الحالكة..
سنظل متمسكين بالإعلام الحر، وحق المواطن علينا في الإعلام والإخبار، ومثل هذه الدعاوى القضائية، لن تمس من عزيمتنا، ولن تنال من عزمنا على المضيّ قدما في اتجاه حقنا في التعبير والإعلام، خصوصا في قضايا الفساد، التي تنخر بلادنا واقتصادنا، وجعلت من تونس بلدا في هذه الوضعية الكارثية..
نحيي شهداء ثورتنا المجيدة، الذين عبّدوا لنا طريق حرية الإعلام، ونحيي جرحى هذه الثورة العظيمة، التي سمحت لنا بأن نكتب بحرية، ولكن بمسؤولية ووطنية عالية، ديدننا في ذلك، مصلحة بلادنا وشعبنا، وليس مصالح لوبيات وشخصيات وأسماء مهما علا شأنها..