العالم سنة 2021: اتجاهات أبرز القضايا الدولية والإقليمية.. القوى التقليدية.. والتطلعات الصاعدة
تونس ــ الرأي الجديد (مواقع)
عرض: د. إسراء إسماعيل – خبير في الشؤون السياسية والأمنية
أصدر معهد “ستراتفور” مع نهاية عام 2020 وبدايات إطلالة عام جديد تقريره السنوي حول الاتجاهات العامة المحتملة على الصعيدين العالمي والإقليمي، وذلك في ضوء أبرز القضايا والمستجدات التي شهدها العالم، وعلى رأسها أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية المحتملة، والخطوات المرتقبة للسياسة الخارجية الأمريكية، واحتمالات عودة الاهتمام بقضية التغيرات المناخية، والتوترات في بحر الصين الجنوبي، ومستقبل الأوضاع الاقتصادية في تركيا والهند والأرجنتين.
الاتجاهات الإقليمية:
أولًا- بدء انتعاش الاقتصاد العالمي
رجَّح التقرير استمرار تأثير أزمة كورونا على الاقتصاد العالمي حتى عام 2021، حتى لو تسبب توزيع اللقاح في التخفيف من القيود على النشاط الاقتصادي، وستتمثَّل المهمة الرئيسية لصانعي السياسات في عام 2021 في كيفية العمل على تجديد النشاط الاقتصادي وتحقيق التعافي المنشود والاستدامة، نظرًا لارتفاع نسبة الديون، وقد يعود الناتج العالمي الإجمالي بالكاد إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول نهاية عام 2021؛ وذلك بسبب الانتعاش الاقتصادي في الصين وأجزاء أخرى من آسيا أكثر من أي مكان آخر.
ومن المتوقَّع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي 4-5٪، مع إسهام الصين بنحو ثلث هذه النسبة، ومن المحتمل أن يحدث التعافي في أماكن أخرى في العالم ولكن بشكل غير متساوٍ، ويرجِّح التقرير عدم تمكُّن جزء كبير من العالم من العودة إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي التي كانت متحققة في مرحلة ما قبل الوباء حتى عام 2022، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، إذ إن تداعيات فقدان الوظائف وحالات الإفلاس ستسهم في تكاليف طويلة الأمد.
وبالنسبة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، أدى الوباء إلى تفاقم مواطن الضعف القائمة، لا سيما فيما يتعلق بالديون السيادية وديون الشركات، وهو ما قاد بدوره إلى عودة عدد كبير من الأفراد إلى براثن الفقر، وتم القضاء على عقد أو أكثر من المكاسب الإجمالية في العديد من دول العالم الفقيرة، وسوف يستغرق التعافي سنوات في ظل تباطؤ معدلات النمو في جميع أنحاء العالم.
ثانيا – استعادة التعددية في السياسة الخارجية الأمريكية
أشار التقرير إلى أن إدارة الرئيس المنتخب “جو بايدن” ستركز بشكل كبير على إعادة بناء علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء الرئيسيين في أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ، في سبيل العودة إلى تبنِّي نهج أكثر تعددية في السياسة الخارجية، وستحاول تعزيز النظام العالمي القائم على القواعد الغربية، ومحاولة التحالف مع الدول المتفقة معها في رؤيتها الخاصة بإصلاح النظام الدولي؛ لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، والتي تتضمن: صعود الصين، والتغيرات المناخية، والتطورات المتسارعة في قطاع التكنولوجيا المتقدمة.
وفي هذا السياق، من المرجَّح أن يتطرَّق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى الخلافات حول قضايا مثل الإنفاق الدفاعي والنزاعات التجارية، وأن تحاول الولايات المتحدة التستر على التوتر الأخير بين اليابان وكوريا الجنوبية، كما ستسعى أيضًا للعودة إلى عدد من الاتفاقيات وعضوية المؤسسات التي تخلَّت عنها إدارة “ترامب”، لا سيما تلك المتعلقة بتغير المناخ وحقوق الإنسان.
ثالثا- استمرار السياسات الأمريكية تجاه الصين
رجَّح التقرير احتفاظ إدارة “بايدن” بموقف عدائي من الصين، وسعيها لبناء تحالف دولي أكثر تماسكًا ضد بكين، وسيكون التركيز الرئيسي لإدارة “بايدن” على قطاع التكنولوجيا الصيني، ولكن من المتوقَّع أن يقل تركيز “بايدن” على استهداف شركات معينة، مفضلًا استهداف قطاعات واسعة.
وفي هذا الإطار، من المحتمل أن تتوسع حرب التكنولوجيا بما يتجاوز مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والجيل الخامس، لتشمل المزيد من القيود على الحوسبة السحابية والخدمات الرقمية والتكنولوجيا المالية.
وعلى الرغم من أن الصين ستضطر بشكل متزايد إلى الرد بالمثل من خلال فرض قيود على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، إلا أنها ستحاول التخفيف من حدة التوترات، من منطلق تبنِّي ما يسمى دبلوماسية “المحارب الذئب” “wolf warrior diplomacy، في الوقت الذي تحاول فيه إحباط محاولات الولايات المتحدة لبناء تحالف دولي ضدها، وتستعد كذلك للاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني في عام 2021، إلى جانب إقامة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين عام 2022.
رابعا- انفتاح الولايات المتحدة على المحادثات مع إيران
أشار التقرير إلى أن الإدارة الأمريكية تحت قيادة الرئيس “جو بايدن” ستركز على الدخول في مفاوضات مع إيران، وذلك على الرغم من وجود قيود خطيرة على قدرة الولايات المتحدة للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن من المرجَّح أن يكون هناك اتفاق يتضمن تعليق بعض العقوبات المالية الأمريكية على قطاع النفط الإيراني، مقابل خفض إيران لأنشطتها النووية، ومن المتوقَّع أن تؤدي الممارسات الإيرانية في المنطقة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات بدون طيار على المملكة العربية السعودية، إلى إجراء مفاوضات أوسع نطاقًا تتجاوز برنامج إيران النووي، لكن هذه المحادثات ستستمر إلى ما بعد عام 2021.
خامسا- التركيز على المناخ في خطط التعافي من كورونا
ستقوم الحكومات والشركات الوطنية، بما في ذلك الشركات المنتجة للطاقة وكبار مستهلكي الطاقة، بخطوات كبيرة في عام 2021 لوضع أهداف قابلة للتنفيذ على المدى المتوسط؛ لمواجهة الانبعاثات المسؤولة عن زيادة الاحتباس الحراري، وستقوم بتعديل استراتيجيات عملها لتحقيق هذه الأهداف، وسيؤدي ارتفاع منحنى المخاطر الناتجة عن التغيرات المناخية إلى جانب الضغوط المحتملة من قِبل مجالس إدارة الشركات إلى تسريع هذه المبادرات حتى عام 2021، وستجعل معظم الحكومات أيضًا المشروعات الخضراء ركيزة لبرامج التحفيز الاقتصادي لمرحلة ما بعد كورونا.
الاتجاهات الإقليمية:
أولا- انتعاش سريع في أوروبا
رجَّح التقرير حدوث انتعاش اقتصادي مضاعف “ثنائي السرعة” في أوروبا، ولكن على الرغم من احتمالات تعافي دول شمال أوروبا من معظم الخسائر الاقتصادية التي عانت منها في عام 2020 من حيث تراجع معدلات الناتج المحلي الإجمالي والإنتاج والاستهلاك والاستثمار، إلا أن معظم مؤشرات النشاط الاقتصادي ستظل دون مستويات ما قبل الجائحة في جنوب أوروبا.
وفي هذا الإطار، سترفع الحكومات الشمالية تدابيرها التحفيزية تدريجيًا من أجل تقليل عجزها المالي، بينما ستحتفظ الحكومات في الجنوب بسياساتها على حساب ارتفاع العجز المالي والديون المتفاقمة. ونتيجة لذلك، ستظل المخاطر المالية (بما في ذلك أزمات الديون السيادية والأزمات المصرفية) مرتفعة في الجنوب، بينما ستتناقص في الشمال، وستبقى الاضطرابات الاجتماعية ضمن هوامش مقبولة في كلا المنطقتين، على الرغم من أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية في الجنوب تُبقي الباب مفتوحًا لمشاعر الغضب والاستياء الشعبي، وهذا الاختلاف بين الشمال والجنوب في الأداء الاقتصادي يجعل من الصعب على أعضاء منطقة اليورو التوصل إلى توافق في الآراء بشأن تدابير زيادة تقاسم المخاطر الاقتصادية والمالية.
ثانيا- ديناميكيات بحر الصين الجنوبي
ستواصل الصين بهدوء تعزيز موقعها العسكري المسيطر في بحر الصين الجنوبي كجزء من استراتيجيتها البحرية الإقليمية. ومن ناحيتها ستواصل الولايات المتحدة موازنة تنامي النفوذ الصيني الإقليمي من خلال تعزيز مواقف دول الجوار الأخرى المطلة على بحر الصين الجنوبي من خلال التعاون الاقتصادي، وتقديم الدعم لها في المؤسسات الدولية، ونقل أو بيع المعدات الدفاعية لهذه الدول، وفرض عقوبات ضد الكيانات الصينية. وستسعى كل من الفلبين وفيتنام لتوطيد التعاون مع واشنطن، ولكن مع استمرار التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، ستحتاج الدولتان إلى تجنُّب تعريض علاقاتهما الاقتصادية مع الصين للخطر.
ثالثا- مناورات تركيا الاقتصادية
ستحاول تركيا تبنِّي سياسة نقدية تقليدية؛ سعيًا لاستقرار وضعها المالي في العام المقبل، مما سيساعد في حمايتها من الانتكاسات الاقتصادية الناتجة عن سياساتها الخارجية، وسيظل الوجود التركي نشطًا للغاية في منطقة شرق المتوسط والمشرق العربي، مدفوعًا بمقتضيات الأمن القومي التي ترتبط بحزب العدالة والتنمية الحاكم، وستؤدي الممارسات العدائية التركية إلى تفاقم تنافسها مع الدول العربية المؤثرة في المنطقة. وإذا لم يتم فرض عقوبات اقتصادية كبيرة على تركيا من قِبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فلن تتردد أنقرة في مزيدٍ من التدخل في نزاعات الشرق الأوسط لتعزيز موقفها الإقليمي.
رابعا- بدء تعافي الاقتصاد الهندي
سيبدأ اقتصاد الهند في التعافي في عام 2020، ويمكن أن يشهد أحد أعلى معدلات النمو الاقتصادي على مستوى العالم، ولكن قد لا يعود إلى نفس المستوى الاقتصادي الذي كان يتمتع به قبل الوباء، حيث كان الاقتصاد الهندي من أكثر الاقتصادات تضررًا من جائحة كورونا في عام 2020، وتوقع صندوق النقد الدولي انكماشًا بأكثر من 10% هذا العام، ومن المستبعد أن يتم تعويض ذلك بالكامل في عام 2021، ولكي يصبح نمو الهند أكثر استدامة، فسيحتاج رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” إلى المزيد من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، وستتسم هذه العملية بالبطء في عام 2021، إذ من المرجَّح أن تفشل في الالتزام بالإطار الزمني الذي وضعه “مودي”، ومن المتوقَّع أن تشهد عملية توزيع اللقاح في الهند تعقيدات كبيرة نظرًا لعدد سكانها الهائل، والاختلافات الكبيرة بين سياسة الولايات وبين الحكومة الوطنية، فضلًا عن حجم سكانها الكبير من الريفيين والفقراء، مما قد يدفع البلاد إلى التعافي الاقتصادي الكامل ولكن في عام 2022.
خامسا- استمرار الأزمة الاقتصادية في الأرجنتين
ستستمر معاناة الاقتصاد الأرجنتيني في عام 2021؛ حيث ستستمر البلاد في مواجهة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، فضلًا عن الأزمات الهيكلية، مثل: ارتفاع التضخم، وانخفاض الإنتاجية، وانعدام الثقة في العملة الأرجنتينية (البيزو)، وشكوك المستثمرين الأجانب حول قدرة الحكومة على خفض العجز المالي في البلاد. وفي هذا الإطار، يجب أن تتوقع الشركات المحلية والأجنبية العاملة في الأرجنتين اتساع نطاق السياسات التدخلية من قِبل الدولة، ووضع مزيد من الضوابط المطولة على العملة، وذلك بالتزامن مع تراجع سيادة القانون، مما يضر بالثقة في الاقتصاد الأرجنتيني، ويعمل على تقويض النمو.
المصدر: 2021 Annual Forecast: A Global Overview: Forecast Overview, Stratfor, December 14, 2020.