المعهد العربي للديمقراطية يرسم الآفاق: “وثيقة سيدي بوزيد” حول استكمال مسار اللامركزية
سيدي بوزيد ــ الرأي الجديد (خاص)
نظّم المعهد العربي للديمقراطية، بالشراكة مع جمعية سيدي بوزيد الثقافية، وبالتعاون مع “المركز الدولي للتنمية والحكم الرشيد”، و”منظمة وسط رؤية”، و”الجامعة الخضراء”، وعدد من المنظمات والجمعيات الوطنية والجهوية، الندوة الوطنية حول “استكمال مسار اللامركزية: التحدّيات والآفاق”..
والتأمت هذه الندوة، يومي الجمعة والسبت 18 و19 ديسمبر 2020، وذلك بالتزامن مع احتفال تونس بالذكرى العاشرة لاندلاع ثورة الحرية والكرامة، وبمشاركة نخبة من الخبراء المتميزين في مجالات الشؤون المحلّية والتنمية والقانون، وعدد من رؤساء البلديات والمستشارين والفاعلين السياسيين والمدنيين.
ورقات مهمة.. ووثيقة سيدي بوزيد
قدمت خلال هذه الندوة عدّة ورقات، قدمها مختصون وخبراء ومسؤولون في البلديات، ومثقفون وثلة من الشباب، انتهت بإصدار ما سمي بــ “وثيقة سيدي بوزيد”.
وضمت قائمة المتحدثين الشخصيات التالية :
1- د.خالد شوكات: رئيس المعهد ووزير سابق
2- د. نايلة عكريمي: مديرة المركز الدولي للتنمية والحكم الرشيد (CILG)
3- السيد منذر بوسنينة: مستشار وزير الشؤون المحلّية والبيئة
4- السيد محمد صدقي بوعون: والي سيدي بوزيد
5- الدكتورة حياة عمري: عضو مجلس نوّاب الشعب
6- الأستاذ محمد التليلي منصري: الرئيس السابق والعضو الحالي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات
7- الدكتور رضوان النصيبي: مدير المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بسيدي بوزيد
8- د.محمد الطاهر خليفي: الخبير الاقتصادي والمالي والمستثمر.
9- الأستاذ فيصل الطاهري: عضو مجلس نوّاب الشعب
10- السيد عبد القادر ناجي: رئيس بلدية سيدي بوزيد المدينة
11- الأستاذة بثينة الورغي: الخبيرة الوطنية في الحكم المحلي
12- الأستاذ فرح العبدولي: الخبير الوطني في التنمية الثقافية والشبابية..
مدير المعهد العربي مع بعض ضيوفه
وخلال الجلسات والمداخلات والنقاشات التي تضمنتها أشغال الندوة على امتداد اليومين، خلص المشاركون في غالبيتهم إلى النتائج والتوصيات التالية:
أوّلاً: في مستوى التحدّيات:
1- رغم النقلة النوعية التي جرت على الصعيد التشريعي، سواء ما تعلق بدستور الجمهورية الثانية الذي خصص بابا كاملا للسلطة المحلّية والذي أكد من خلاله على أنها تقوم هذه السلطة على أساس اللامركزية، أو ما تعلّق بالقانون حيث جرى سنّ مجلّة جديدة للجماعات المحليّة، فإن تلكؤ الحكومة في إصدار غالبية الأوامر الترتيبية عطّل استكمال مسار اللامركزية وساهم في خلق الكثير من العقبات القانونية والتطبيقية الإضافية أمام مساهمة الجماعات المحلّية في تطوير المرافق الخدمية للمواطنين وفي تحقيق التنمية.
2- إن تباين السياسات المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة منذ قرار تعميم النطاق البلدي سنة 2016 على كامل التراب الوطني، بين حكومة متحمّسة لاستكمال مسار اللامركزية أحياناً، وأخرى تبدي رغبة في الارتداد عن المسار برمّته تحت مبرّرات وذرائع واهية أحياناً أخرى، تجعل الأطراف المنخرطة في مسار اللامركزية في وضعيات حرجة ومعقّدة وغير متوقعة بما يعمّق غالبا الأزمات التي تعيشها الجماعات المحلّية، وتمنح الجهات المانحة، خصوصا الدولية منها، إشارات سلبية تدفعها إلى التراجع عن مخططاتها والتخفيض من الموارد والمساعدات المخصصة لدعمها.
3- إن العلاقة المتوتّرة بين السلطتين اللامركزية واللامحورية / المركزية، جرّاء عدم كفاية التشريعات أو غموضها، لا يخدم كلا السلطتين ويتسبب في تعطيل المرافق الخدمية ويضرّ بصورة الدولة في عيون المواطنين، وهو ما يقتضي العمل على إيجاد تسوية مناسبة لهذه المسألة والمسائل المشتقة منها، وفقاً لمقتضيات الدستور وبما يحافظ على المكتسبات، ويعزز مبادئ التشاركية والديمقراطية المحلّية والحوكمة الرشيدة.
4- إن قرار تعميم التراب البلدي، وإحداث سبعين بلدية جديدة، ولئن كان خطوة تقدّمية رائدة من جهة تحقيق المساواة المطلوبة بين المواطنين، لكن هذا القرار لم يتم إسناده بالرعاية والعناية والدعم المطلوب للجماعات المحلّية، بشريا وماديا ولوجستيا وتقنيا، وهو ما أظهر عملية التعميم وكأنها عملية متسرّعة لم تظهر المقصود منها على الوجه الأفضل، وهو ما يقتضي التدارك والمراجعة، على نحو يساعد البلديات المحدثة على القيام بواجباتها بصيغة مرضيّة لمواطنيها.
5- إن حرمان الجماعات المحلّية من حقها في بناء إدارتها الجبائية وبما يساعدها على تطوير مواردها المالية، قد تسبّب في عجزها عن الاضطلاع بوظائفها في خدمة الديمقراطية والتنمية، وخلق لها العديد من الصعوبات والمشاكل التي تثنيها عن التجاوب مع انتظارات وطلبات مواطنيها في مختلف مجالات الحياة، خصوصا في ظل تواضع الموارد المحالة إليها وعدم قدرتها على تطوير مواردها الذاتية.
6- إن القانون الانتخابي الذي أجريت وفقا لقواعده أوّل انتخابات بلدية بعد الثورة، قد تضمّن العديد من الهنات، لعلَّ أهمها إفراز مجالس بلدية مشتتة وغير مستقرّة، وهو ما أفضى الى كثرة الخلافات الداخلية وحلّ العديد منها في ظرف قياسي، وهو ما كلّف المجموعة الوطنية مزيدا من النفقات الإضافية لتنظيم انتخابات جديدة، فضلا عن تعطيل المرافق البلدية وتأجيل مشاريع تنموية، الأمر الذي يقتضي التعديل.
7- إن مجلّة الجماعات المحلّية كذلك تحتوي العديد من نقاط الضعف التي جرى اكتشافها والوقوف على مخاطرها من خلال التجربة العملية، سواء في ما يتعلق بتسيير البلديات، أو العلاقة بين السلطات، أو الصلاحيات المخولة للجماعات بأنواعها المنصوص عليها في الدستور، أو قضايا أخرى، وهو ما يقتضي تضافر الأطراف المختلفة المعنية بمسار اللامركزية للتوافق على إجراء الإصلاحات المطلوبة وإدخال التعديلات الضرورية في أقرب الآجال الممكنة.
مشهد من الحضور في الندوة
ثانيا: في مستوى الآفاق:
1- إن تركيز المنوال التنموي الجديد للبلاد التونسية، بكل ما يرمز إليه هذا المنوال من حلول للمشاكل الهيكلية للاقتصاد الوطني وتحقيق للتنمية المستدامة والشاملة والمتوازنة بين الجهات، فضلا عن إيجاد حلول للقضايا الاجتماعية الكبرى وعلى رأسها البطالة، يستدعي استكمال مسار اللامركزية وعمل جميع الأطراف المعنية به على تسريع وتيرة تنفيذه.
2- إن حاجة مجالس الجماعات المحلّية بأصنافها الثلاثة إلى الاستقرار والكفاءة يقتضي تعديل القانون الانتخابي بما يضمن إفراز أغلبيات واضحة قادرة على تحمل مسؤوليتها في إدارة هذه الجماعات وقبول المحاسبة المواطنية لها.
3- إن معالجة الهنات والثغرات ونقاط الضعف التي ظهرت في مجلة الجماعات المحلّية الجديدة، خصوصا في موضوع تقاسم السلطة والموارد بين السلطتين المركزية والمحلية، وبما يضمن الفاعلية لهذه الجماعات ضمن مبدأ وحدة الدولة، كفيل بالدفع بعجلة التنمية المحلّية والجهوية إلى الأمام وبما يضمن دعما هاما ونوعيا للعجلة الاقتصادية على المستوى الوطني.
4- إن تعبئة وتطوير الموارد المالية للجماعات المحلّية، خاصة من خلال التسريع في تركيز مؤسسات الجباية البلدية والجهوية وعلى مستوى الأقاليم، هو السبيل الوحيد لتثمين نظام اللامركزية ومساعدته على تحقيق فوائده المباشرة في اتجاه تحسين جودة الحياة للمواطنين، وفوائده غير المباشرة في دعم المشروع التنموي الوطني واستثمار موارد البلاد البشرية والمادية على أكمل وجه.
5- إن التسريع في تركيز الجماعات المحلّية غير المنجزة، ممثلة في الجهات والأقاليم، سواء عبر استكمال الجانب التشريعي المنقوص بوجهيه، القوانين والأوامر التطبيقية، أو إصلاح الهنات وتعديل النصوص، أو عبر توفير الموارد البشرية واللوجستية الضرورية من موظفين ومباني، أو مراجعة تقسيم البلديات والجهات، أو التوافق والمصادقة على تقسيم الأقاليم، من شأنه أن يرسل إشارات طمأنة إيجابية داخلية وخارجية، خصوصا وأن الأمر يتعلق بأحد أهم أهداف الثورة واحد الأبواب الأساسية في دستور الجمهورية الثانية.
6- إن تسريع تركيز المجلس الأعلى للجماعات المحلّية في مدينة سيدي بوزيد، مثلما قضى بذلك الأمر الحكومي الصادر سنة 2016، سيكون دليلا على مصداقية السلطة المركزية في احترام تعهداتها وعلى رأسها استكمال مسار اللامركزية، وفيّ المضي قدما في احترام البنود الدستورية والتزامات التنمية المحلّية والجهوية.
7- وأخيرا، فإن تنظيم الانتخابات الجهوية في أجل لا يجب أن يتجاوز موعد الانتخابات المحلّية التي يجب أن تعقد سنة 2023، ثم انتخابات مجالس الأقاليم، تعدّ خطوات في صميم استكمال مسار اللامركزية، وجزءا هاما من عملية رفع التحديات التي يواجهها المسار، وفتحَ آفاق واعدة أمام الجماعات المحلّية هي في اليوم في أمسّ الحاجة إليها.
سيدي بوزيد: السبت 19 ديسمبر 2020