دعته لتفعيل الفصل 80 من الدستور… هل ينفّذ رئيس الجمهورية “شهوة” الكتلة الديمقراطية ؟
تونس ــ الرأي الجديد / سندس عطية
نشطت في الآونة الأخيرة، دعوات لرئيس الجمهورية قيس سعيد، تطالبه بتفعيل الفصل 80 من الدستور.
وصدرت هذه الدعوات بالأساس، عن “التيار الديمقراطي” و”حركة الشعب”، وبعض الأحزاب من خارج منظومة الانتخابات، من بينها “التيار الشعبي”، و”حزب العمال”، وبعض الشخصيات المستقلة المحسوبة على اليسار الراديكالي، إلى جانب ما تبقى من المنظومة القديمة..
وتطالب هذه الأطراف، التي انضمت إليها بشكل محتشم، حركة “تحيا تونس”، بحلّ البرلمان، وإنهاء هذه المنظومة الانتخابية الراهنة، ومخرجاتها الحزبية الممثلة حاليا في البرلمان.
ويتوكأ هؤلاء على الفصل 80 من الدستور، الذي يعطي لرئيس الجمهورية، “حق التدخل في حال الخطر الداهم، المهدد لأمن البلاد، وتعطيل دواليب الدولة، واتخاذ جميع التدابير التي يراها مناسبة، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية”.
ذرائع واهية
وتتعلل هذه المكونات السياسية، بعجز رئيس الحكومة، هشام المشيشي عن تسيير دواليب الدولة، وفشله في احتواء موجة الاحتجاجات الاجتماعية، واتهامه من قبل حزب العمال، بالتصعيد مع المحتجين، إلى جانب اتهام رئيس البرلمان، بعدم الحسم في العنف اللفظي بين النواب، وفي تجرئ رئيسة الحزب الدستوري الحر، على البرلمان ورئيسه بشكل سافر وعنيف، دون أن بفعّل بنود النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب.
غير أنّ “الكتلة الديمقراطية” بالبرلمان، ذهبت أبعد من ذلك، عندما صرح رئيسها، محمد عمار قائلا: “هذا البرلمان، ما عادش يلزمنا”، بما شكّل نوعا من “كلمة العبور” لرئيس الجمهورية، لتنفيذ “شهوة” الكتلة الديمقراطية، بالانقلاب على مخرجات العملية الانتخابية، من خلال تفعيل الفصل 80 من الدستور، وبالتالي حلّ البرلمان، وإنهاء مسار الانتقال الديمقراطي.
من جهته، دعا رئيس لجنة المالية بالبرلمان النائب عن “حركة الشعب” هيكل المكي، رئيس الدولة، إلى التوجه نحو تفعيل هذا الفصل الدستوري، مشيرا – في تصريح إعلامي – إلى أن “البلاد أصبحت تواجه خطرا داهما، وأن الحكومة باتت عاجزة عن احتواء موجة الاحتقان”، حسب تقديره.
وكان الأمين العام السابق لحزب “التيار الديمقراطي”، محمد عبو، حثّ الرئيس سعيد، على التوجه نحو تأويل فصول الدستور، “وفق ما يراه مناسبا”، ومنها تفعيل الفصل 80، داعيا إياه إلى “قطع قنوات الحوار مع كل من حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، وتطبيق القانون ضدهم”، وكانت تلك دعوة شبيهة إلى حدّ بعيد، بما كانت تطرحه الجبهة الشعبية طيلة سنوات، وأدّت إلى تأخرها انتخابيا، حيث ساهم خطابها العدمي، الراديكالي، في إخراجها من المنظومة الانتخابية برمتها.
ورغم هذا التاريخ القريب، يستنسخ التيار الديمقراطي، وحركة الشعب، هذا الأسلوب، مستغلين ضعف رئاسة الجمهورية، سياسيا، وتخبط رئيس الدولة في خطاب “ثورجي”، لا علاقة له بمهمته كرئيس للدولة، ولا بالصلاحيات المتوفرة لديه..
بل إنّ الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، أشار في تصريح إعلامي مؤخرا، إلى ضرورة تفعيل الفصل 80، واصفا إياه بكونه “أبغض الحلال للخروج من الأزمة الحادة التي تمر بها البلاد”.
وشدد على أن هذا المقترح، يعدّ “آخر الحلول الشرعية المتاحة في يد رئيس الجمهورية، لمنع انزلاق البلاد نحو العنف والفوضى”.
رئيس الجمهورية.. والتصعيد
وسبق أن لوح الرئيس، قيس سعيّد، منذ فترة غير بعيدة، باستعمال الفصل 80 من الدستور، وذلك عندما أقدمت كتلة الدستوري الحر (التجمع الدستوري المنحلّ)، أشغال البرلمان.
بل إنّ رئيس الدولة، صرح خلال لقائه رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، إنه “لن يبقى مكتوف الأيدي أمام تهاوي مؤسسات الدولة”، مشيرا إلى أنّ “لديه الإمكانيات القانونية التي تسمح له بالحفاظ على الدولة التونسية”.
وازدادت هذه الدعوات حرارة وتصعيدا في أعقاب حادثتين:
ــــ الأولى، فشل مبادرة الحوار التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل، دون أن يقبل بها رئيس الجمهورية، الذي اشترط إقصاء “الفاسدين”، في إشارة إلى حزب “قلب تونس” بالأساس.
ــــ والثانية، أحداث العنف الحاصلة في البرلمان خلال اليومين الماضيين، والتي كانت بمثابة “العكاز” الذي وظفه البعض، للتدليل على البرلمان المرذّل، وعلى أنه لم يعد منتجا.
ويتيح الفصل 80 من الدستور التونسي، حسب خبراء، لرئيس الجمهورية تعليق العمل بمبدأ الفصل بين السلطات، وتأويل أحكام الدستور في ظل غياب المحكمة الدستورية.
وهو العنف الذي ولّد عنفا جديدا، من خلال ما تعرض له أحد نواب كتلة حركة النهضة أمس، أمام البرلمان، من قبل أعضاء في منظمة “النساء الديمقراطيات” وفق تصريحه لــ “الرأي الجديد”.
“السلطة الجبارة” للرئيس
في مقابل ذلك، حذرت قيادات سياسية وحزبية، من داخل الائتلاف الحاكم ومن خارجه، مما أسمتها بــ “المحاولة الانقلابية”، تحت عباءة الفصل 80 من الدستور، بحجة إنقاذ الدولة.
واعتبر عبد اللطيف العلوي، القيادي في ائتلاف الكرامة، أن نوايا انقلابية، وراء دعوات تفعيل الفصل 80، ومحاولات للتملص من المنظومة السياسية الراهنة، وإلغائها، باتجاه الفوضى السياسية، خشية الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها، قد يخسر البعض بموجبها، مقاعده في البرلمان، وهي الخشية التي دفعت البعض إلى خيار الفصل 80 من الدستور..
وشدد العلوي، على أنّ “البلاد ليست في حالة خطر داهم”، بما لا يبرر الذهاب باتجاه هذا الفصل.
ولعلّ ما زاد الطين بلّة، انحياز رئيس الجمهورية للكتلة الديمقراطية، وبالتحديد، للتيار الديمقراطي وحركة الشعب، من خلال استقباله الكتلة الديمقراطية، وتوجيهه تحذيرا لأطراف لم يسمها ــ كعادته ــ محذّرا من استخدام الدستور، وملوحا بكونه سيستخدم القانون لمنع ما وصفه بــ “سقوط الدولة”..
واعتبر راشد الغنوشي، رئيس البرلمان، أنّ “ثمّة قوى تدفع لحلّ البرلمان، هي قوى فوضوية وأعداء للثورة”، وفق تقديره.
تقف البلاد اليوم، على “كف عفريت” حقيقي، وهو الذي سيحدد عملية الفرز في المشهد السياسي والبرلماني، فإما الاحتكام للتجربة الديمقراطية ورعايتها، وإيجاد آليات لتسويات سياسية، ووفاقية، تضع حدّا للأزمات إذا ما اندلعت في البرلمان، وفي المشهد الحكومي، أو الانقضاض على هذه التجربة، بما يعني إلغاء المسار برمته، وعودة البلاد إلى مربع الاستبداد من جديد..
فأي الخيارين ستتجه النخب والطبقة السياسية التونسية ؟
المصدر : موقع “الرأي الجديد”