تقارير تكشف: 40 عائلة… و300 “رجل ظلّ” يديرون تونس ويتحكمون في مقدراتها.. فأين أجهزة الدولة؟
تونس ــ الرأي الجديد / سندس
أثار التقرير الأخير الذي نشرته محكمة المحاسبات مؤخرا، جدلا في أوساط النخب والطبقة السياسية والإعلاميين، بسبب ما ورد فيه من رصد لتجاوزات، ترقى إلى مستوى الفساد، في عدد من المؤسسات العمومية، والأحزاب، وبين الشخصيات السياسية، بينها بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية لسنة 2019.
وتحدّث تقرير محكمة المحاسبات عن عديد الخروقات، والتجاوزات ووضعية الفساد في مستوى تمويل الأحزاب والحملات الانتخابية..
“رجال الظل” في تونس
ويتماهى ما نشرته محكمة المحاسبات، في تقريرها الأخير، وما سبقه من تقرير السنة الماضية، بشأن الفساد في المؤسسات العمومية، مع نشر في تقرير “مجموعة الأزمات الدولية”، الذي أشار إلى وجود مجموعة متنفذة، تحكم قبضتها على تونس، أطلق عليها اسم “رجال الظل”..
وكشف هذا التقرير الدولي، أن رجال الأعمال الذين شكلوا ما يسمى بمجموعة “رجال الظل”، تتحكم بخيوط اللعبة السياسية وتديرها في الكواليس، دفاعا عن مصالحها الاقتصادية.
واعتبر التقرير، أن هذه الممارسات الحاصلة في تونس، دفعت إلى تشكيل شعور لدى الشعب، بأن الدولة تعمل على حماية “مافيا”، وهو ما أضعف الثقة في الحكومات المتعاقبة، وأنتج “شبكات الحماية والزبونية”، كما يسميها التقرير، التي تساهم في إحكام غلق المجال الذي يحمي النخبة الاقتصادية التقليدية”.
40 عائلة و300 رجل أعمال
وكان هذا التقرير، كشف عن وجود حوالي 300 “رجل ظل” و40 عائلة متنفذة وثرية، تتحكم في أجهزة الدولة بتونس، وفي صناعة القرار السياسي، من خلال تعطيل الإصلاحات، وعرقلة عملية التصحيح الاقتصادي والمالي والمؤسساتي، عبر التشجيع على تعطيل المشاريع التنموية في الولايات الداخلية، وتحريك “ماكينة” الاحتجاجات في عدّة مناطق وقطاعات، لإرباك الوضع، ومنع تغيير أي وضع اقتصادي، من شأنه التأثير على مصالحهم وثرواتهم في تونس.
وحذّرت “مجموعة الأزمات الدولية”، في تقريرها، من مظاهر “الإثراء من المناصب” السياسية والإدارية، و”المحسوبية”، و”السمسرة”، التي أصبحت “تنخر” الإدارة والطبقة السياسية “العليا” في تونس، وبخاصة الأحزاب والبرلمان والحكومة.
اللافت، أنّ التقرير الدولي، أشار بوضوح، إلى أنّ مجلس نواب الشعب، أضحى “مركز التقاء شبكات الزبونية”، وأن عددا من النواب، أصبحوا “مختصين في السمسرة”.
وأكد التقرير، على أنّ من مولوا الأحزاب في الحملات الانتخابية الماضية، باتوا الصف الخلفي في تعيينات الوزراء وكتاب الدولة وإطارات الإدارات المركزية والجهوية، خصوصا في الديوانة، التي يجري الحديث هذه الأيام عن تورط بعض أعوانها في ملف “النفايات الإيطالية”، إلى جانب قوات الأمن الداخلي.
أخطبوط ممتدّ
خطورة التقرير الدولي، لم تتوقف عند هذا الحدّ، لأنّ “مجموعة الأزمات الدولية”، أكدت أنّ أكثر المتنفذين، موجودون في حوالي 100 مجلس إدارة، بداية من البنك المركزي، مرورا بالمؤسسات المصرفية والمكاتب الحكومية، والاتحاد الوطني للصناعة والتجارة (منظمة الأعراف).
والملفت للانتباه، أنّ هؤلاء يتحركون أفقيا وعموديا، باتجاه العديد من الموظفين، الذين يقيمون علاقات وصفها تقرير المجموعة بــ “الزبونية” مع كوادر الإدارات العمومية، من بينها وزارات الداخلية والعدل والمالية، إلى جانب قيادات الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والإعلام وعمادة المحامين.
وعلى الرغم من هذا الأخطبوط المترامي الأطراف، في كامل الجسم الإداري والسياسي والاقتصادي والمالي والأمني، فإنّ الحكومة، هذه الحكومة، ومن سبقها، لم يقدموا على مواجهته، بالقدر اللازم الذي تتطلبه مواقع صناع القرار، وأصحاب الصلاحيات التنفيذية المتوفرة، قانونيا ودستوريا..
الجدير بالذكر، أن التقرير الذي نشرته مجموعة الأزمات الدولية، تم إعداده بعد إجراء أكثر من 200 مقابلة مع فاعلين اقتصاديين وسياسيين ونقابيين، ما يعني مصداقيته التي يفترض أن تحرك الفاعلين السياسيين في البلاد، في السلطة التنفيذية، وضمن البرلمان، وفضلا عن رئاسة الجمهورية، لوقف هذا السرطان، الذي يمنع تونس من النهوض الجدي، وهي التي تتوفر على أكثر من عنصر وسبب ومعطى لكي تنطلق بأفق جديد، بعد عشرية من التردد، والفراغ والخيارات المرتبكة..