مفكر عربي في مقال مثير: الأقنعة والعالم الذي يحتضر.. والدكتاتوريون وحدهم الذين يتنفسون!
جينيف ــ الرأي الجديد
العالم يخنتق، والأقنعة التي يرتديها الجميع اليوم ليست ذات وظيفة صحية وطبية فحسب، بل هي استعارة تكاد تكون صريحة عن اللهاث، الذي يميز منذ الآن، طريقة سير الحياة في عصرنا.
بهذه العبارات لخصت صحيفة “لوطون” (Le Temps) السويسرية مقالا للباحث السابق بجامعة هارفارد والأستاذ الزائر حاليا في معهد الدراسات العليا للدراسات الدولية والتنمية في جنيف، محمد محمود ولد محمدو، قال فيها إن العالم يختنق، وإن الدكتاتوريين هم وحدهم من يتنفسون، رافعين أقنعتهم للكشف عن زي آخر يبرز الصورة البشعة وغير اللائقة لتلك الهيمنة الصارخة، التي تتحكم الآن في مصائر العديد من المجتمعات.
ويقول الكاتب في مقاله المنشور بقسم مدونات الكتاب بالصحيفة، إن الناس وفي حيرتهم مما يحدث، يصبحون غير مدركين ما هم مقبلون عليه، ويشكل الجمود المجتمعي بداية الذبول الأخلاقي، ويتفاحش ذنب النخب العاجزة بشكل مريع عن مواجهة التحديات، أو التي لا ترى فيها إلا فرصا لزيادة السيطرة، أضعافا مضاعفة، بسبب خضوع الجماهير الطوعي المغتفر تحت إلحاح ضرورة البقاء، والمعقلن باسم اتباع العادة، في الشمال كما في الجنوب.
ويضيف: “العالم يختنق تماما كما اختنق ذلك الأميركي، الذي قتلته حكومته بوحشية خنقا وعلنا، ومثل مئات آخرين اختنقوا في العقود الماضية، بسبب الكراهية الشديدة التي ينفثها ممثلو النظام العنصري، الذي يلغي كل المسؤولية، ويتوارث الإفلات من العقاب من جيل إلى جيل.
والعالم يختنق مثل هذا السعودي الذي خنق وقطعت أوصاله بشكل رهيب من قبل نظامه، إنها تلك الزمر الفاسدة التي محيت جرائمها الموثقة وتنوسيت، إحباطا لجهود السعي للديمقراطية، ومثل هؤلاء المواطنين المعوزين الذين يرون مطالبهم بمزيد من العدالة والإنصاف، تتعرض للطعن ومواطنتهم تتعرض للتجريم، أينما كانوا، في لبنان والفلبين والصين والبرازيل وتشيلي والإكوادور وكوت ديفوار وأماكن أخرى”.
بيئة تحبس الأنفاس
هكذا – يقول الكاتب – فإن البيئة المصاحبة تأخذ الأسبقية وتحبس الأنفاس، مثل موت المهاجرين الأفارقة المتواصل، الذي تحول إلى عبودية غير مرئية في ليبيا، ومصير الصينيين “الذين تعاد برمجتهم” (تغسل أدمغتهم) من قبل دولتهم لمحو دينهم، أو مصير المكسيكيين الذين يتم تعقيمهم في مراكز الاحتجاز، أو اليمنيين الذين تعرضوا للتعذيب على يد دولة الإمارات وغيرها، ومثل ضحايا الإبادة الجماعية من الروهينغا في ميانمار، ومع كل هذا يعمل العالم الجديد حسب مبدأ التستر.
أما نحن – حسب الكاتب – فنتابع، معصوبي العيون بقناع من الاقتناع والانضباط والهروب من المشاكل، انطلاقة عالم نتبدد فيه بمواجهة تقنيات باردة تعيد برمجتنا، وهي التي تسمح لنا أو تمنعنا من الوصول إلى حياتنا ذاتها.
ويتابع الكاتب: “إن عالمنا يتلاشى ويفقد بوصلته، حيث لم يعد يعبر سوى عن الخوف والذعر، ولم يعد يرى في الآخرين سوى أنهم تهديد، فهذا ما تمثله أميركا التي أصبح انحدارها وانغلاقها الفكري أمرا ماثلا، حيث تحولت من ديمقراطية رائدة في الماضي، إلى ديكتاتورية ما بعد الحداثة، التي تستطيع مجموعات خارجة عن القانون فيها، أن تختطف وتحاكم المسؤولين، وهذا ما تمثله أيضا فرنسا التي تتراجع مع هوسها اللامتناهي بالإسلاموفوبيا، تحت إلحاح رئيسها والنصائح المتواصلة من مثقفيها.
عالم يحتضر
ويرى الكاتب، “أن دعاة الليبرالية الجديدة، المدمرة اجتماعيا، والمدافعين عن الوضع القائم، فشلوا في رؤية الهوة التي يتردى فيها العالم”، وأشار إلى أن جوهر رموز تفاعلنا، هو الذي تتم إعادة هيكلته، إما موضوعيا بسبب التغييرات من حولنا، أو إشكاليا بسبب ما توسمناه من بركات العالم الجديد”.
وهكذا تصبح بعض المعايير الأخرى كالجغرافيا والعرق والدين والطبقة والجنس، أساسا لأعمال يتم تجريمها ومعاقبتها، خاصة أننا نتفاعل من خلال الشاشات والجدران النارية التي تضمن مسافة اجتماعية.
وخلص الكاتب إلى أن العالم يحتضر، من حيث الذكاء والفروق الدقيقة والكرم والسياقية، والحس السليم، والذاكرة التاريخية، والحرية، خاصة بالنسبة لجيل لم يعرف سوى إملاءات اللحظة، ويخشى من التفكير النقدي.
ووصل محمد محمود ولد محمدو، إلى أن الوضع الحالي الذي يدخله العالم، إنما هو في الواقع نتيجة أفعالنا في مواجهة الاختناق الذي يشوهنا كثيرا، إلى درجة تجعلنا نتصالح مع منطق الفناء.
المصدر : الصحافة السويسرية