المحاصصة في لبنان: تغيرات وتحولات عميقة… طوائف صعدت وأخرى تراجعت
بيروت ــ الرأي الجديد (مواقع إلكترونية)
لبنان يتحرك اليوم، على وقع تحولات وحراك اجتماعي وسياسي غير مسبوق في البلاد منذ ثلاثة عقود، وعاد الحديث عن “شكل الدولة” والنظام السياسي إلى الواجهة، وسط مطالبات داخلية وخارجية بإنهاء نظام المحاصصة الطائفية.
ويطرح ذلك أسئلة عما إذا كانت تلك المحاصصة، كما رسمها اتفاق “الطائف”، الموقع عام 1989 بالسعودية، منهيا الحرب الأهلية الطاحنة، لا تزال صالحة للمشهد الطائفي، الذي وضعت وفقا لاعتباراته.
فيما يلي، خريطة التحولات التي عاشها لبنان في ظلّ المحاصصة، وصولا إلى أحدث التقديرات لتمثيل الطوائف الرئيسية، وهي تقديرات تشير إلى تغير كبير، مسّ التركيبة التي ما تزال البلاد تدار بموجبها، منذ “الطائف”.
المارونية… أكثرية منذ الطائف
شهدت البلاد ذات التركيبة الفسيفسائية، منذ تأسيسها بشكلها الحالي عام 1920، إحصاء سكانيا واحدا فقط شمل الفرز الطائفي، وجرى عام 1932، إبان الانتداب الفرنسي، وأظهر وجود أكثرية مسيحية مارونية، بواقع 28.71 بالمائة، فيما كانت نسبة الطوائف المسيحية الأخرى 21.31 بالمائة، والمسلمين السنّة 22.45 بالمائة، والشيعة 19.54 بالمائة، والدروز 6.72 بالمائة.
وبعيدا عن الحديث عن دقة ذلك الإحصاء من عدمها، إلا أن التركيبة السياسية التي حكمت البلاد آنذاك، مرورا بنيلها الاستقلال عام 1943، ووصولا إلى الحرب الأهلية، عكست تلك البيانات إلى حد كبير، إذ كان رئيس الجمهورية، الذي تمتع بصلاحيات واسعة مقارنة بما هو عليه الحال اليوم، مارونيا، فيما كان منصب رئاسة الحكومة للمسلمين السنة.
وكان رئيس الحكومة مسؤولا أمام رئيس الجمهورية، لا البرلمان، كما هو الحال في الدول التي تتبع النظام الرئاسي، ومنها المستعمر السابق فرنسا، فيما كانت المحاصصة في البرلمان ومؤسسات الدولة المختلفة تعتمد منح المسيحيين ستة مقاعد أو مناصب مقابل خمسة للمسلمين، وذلك بموجب “الميثاق الوطني” الذي توصل إليه زعماء مختلف المكونات عام 1943.
وبموجب ذلك الميثاق أيضا، فقد منح الشيعة منصب رئاسة البرلمان، ومنصب نائبه للروم الأرثوذوكس، ورئاسة الأركان العامة للدروز.
تراجع لقبضة الموارنة
ورغم أن لبنان لم يشهد إحصاء آخر يتتبع التغيرات الديموغرافية، إلا أن تعداد الموارنة كان يشهد نزيفا حادا، جراء الهجرات واختلاف نسب الإنجاب، مقابل صعود للمكونات الأخرى، حتى بات واضحا أنهم فقدوا الأكثرية لصالح المسلمين السنة بحلول السبعينيات، وهو ما ساهم بتأجيج الشعور الطائفي، إلى جانب عوامل أخرى، وصولا إلى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975.
وانتهت الحرب الطاحنة باتفاق “الطائف”، بوساطة سعودية، الموقع عام 1989، والذي أدخل تعديلات على “الميثاق الوطني”، أهمها تغيير المعادلة في مؤسسات الحكم إلى المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وتقليص صلاحيات الرئيس الماروني وتوزيعها بين رئيس الحكومة السني ورئيس البرلمان الشيعي.
وباتت البلاد بذلك تتبع النظام البرلماني، حيث يكون رئيس الوزراء مسؤولا أمام البرلمان، لا أمام رئيس الجمهورية.
وأكد الاتفاق على ضرورة إنهاء المحاصصة الطائفية، لكنه لم يضع إطارا زمنيا أو آليات لتحقيق ذلك، ولم تتخذ المكونات خطوات عملية بهذا الاتجاه منذ ذلك الحين.
ومن الجدير بالذكر أن تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”، لعام 1990، أي بعيد اتفاق الطائف، تشير إلى أن نسبة المسيحيين بلغت آنذاك 25 بالمائة، مقابل 75 بالمائة من المسلمين، دون تفاصيل أخرى، وهي تقديرات لم يتم اعتمادها بالنظر إلى حالة الحرب ولجوء أعداد كبيرة من المسيحيين إلى دول يقيم فيها بالفعل أقارب لهم هاجروا سابقا.
صعود للشيعة
وإلى اليوم، لم يطرأ تغيير على حالة التكتم على التطورات في الفرز الطائفي بالمجتمع اللبناني، لكن أحدث تقديرات الـ “سي آي إيه” تشير إلى أن المسلمين الشيعة باتوا يساوون نظراءهم السنّة في صدارة الترتيب، مقابل تراجع كبير للموارنة.
وبحسب تقديرات 2018، فإن نسبة السنّة في لبنان باتت تناهز الـ30.6 بالمائة، مقابل 30.5 بالمائة للشيعة، و5.2 للدروز، بينما تراجعت نسبة المسيحيين في البلاد، مقارنة بإحصاء عام 1932، إلى 33.7 بالمائة. ووفق تقديرات سابقة للوكالة الأمريكية، فإن نسبة الموارنة من بين المسيحيين تبلع 52.5 بالمائة، أي أنهم باتوا يشكلون بحدود 17.7 بالمائة من السكان.
ويفسر ذلك المشهد قلق أوساط مما يعرف بـ “المثالثة”، أي إعادة صياغة المحاصصة إلى ثلث لكل من السنة والشيعة والمسيحيين، في البرلمان ومؤسسات الدولة، وهو ما جاء، وبشكل حاد، على لسان بطريرك الموارنة، مار بشارة بطرس الراعي، قبل أيام.
وفيما يلي، إنفوغرافيك، يوضح صورة التطورات الحاصلة بين الطوائف، والتقلبات التي عرفتها خلال العقود الماضية.
المصدر: العربي 21