(خاص) وزير أملاك الدولة والقيادي في “التيار الديمقراطي” في حوار شامل مع “الرأي الجديد”، حول مصير حكومة المشيشي.. ومستقبل العملية السياسية.. وحلّ البرلمان.. والانتخابات المبكرة
تونس ــ الرأي الجديد / حوار صالح عطية
أدلى القيادي في التيار الديمقراطي، ووزير أملاك الدولة والشؤون العقارية ووزير التجهيز بالنيابة، غازي الشواشي، بحوار إلى موقع “الرأي الجديد” قبيل سويعات من جلسة منح الثقة لحكومة المشيشي في البرلمان، المقررة يوم غد الثلاثاء..
وتطرق الشواشي، الملقب بــ “الرجل العقلاني” صلب التيار الديمقراطي، إلى ملف حكومة المشيشي المقترحة، ومصيرها، ومستقبل العملية السياسية في البلاد، إلى جانب خيار البرلمان، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، والعلاقة بين الأحزاب المشكلة للبرلمان، وأفق الخروج من الأزمة الراهنة التي تمر بها البلاد..
وتقدّم بمقترحات إلى المشيشي وإلى الأحزاب ورئيس الجمهورية، للخروج من الأزمة السياسية، والبناء للمستقبل، ضمن شروط يكشف عنها في هذا الحوار الذي خص به “الرأي الجديد” من مكتبه في مقر التجمع الدستوري المنحل، بالطابق 17..
وفيما يلي نص الحوار…
** سيد الوزير، نحن اليوم في أزمة سياسية معقدة، والبرلمان يتهيّأ لجلسة منح الثقة لحكومة المشيشي، وهناك حسابات من جميع الأطراف، وربما تزيد في تعميق الأزمة.. في تقديرك، كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة ؟
ــــــ بالفعل، نحن في أزمة سياسية خانقة، وهي الأزمة التي تسببت في عدم الاستقرار السياسي، وعدم الاستقرار زاد في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بالإضافة إلى الأزمة الصحية، في علاقة بجائحة كورونا.. ولا بد من القول هنا، أنّ الجميع ساهم في تعميق الأزمة، والجميع أيضا، وإن بدرجات متفاوتة، كان له دور في اللااستقرار السياسي الذي تعيشه بلادنا حاليا، بل أعتقد أن كلّ الأحزاب السياسية، وكل المنظمات الوطنية، بدون استثناء، تتحمّل مسؤولية فيما يجري، يضاف إلى ذلك البرلمان، والمشهد الذي تابعناه خلال الفترة الأخيرة، من صراعات وتجاذبات، كان لها دور في الوضع الراهن، ولا ننسى كذلك، حكومة الفخفاخ، التي وإن حققت نجاحات في مواجهة “كورونا”، فقد سجّلت إخفاقات إعلامية، وعلى مستوى التعاطي مع ملف شبهة تضارب المصالح، التي ألحقت برئيس الحكومة..
** في تقديرك، ألا يتحمّل رئيس الجمهورية، سؤولية فيما يحصل ؟؟
ــــــ بالتأكيد، رئيس الجمهورية، باعتباره رمز لوحدة التونسيين، ويبدو أنه في المرحلة الأخيرة، لم يلعب دور الحكم، وهو من هذه الزاوية، لم يقدّر الوضع بشكل جيّد، وبالتالي لم يتدخل في الوقت المناسب لتفادي تعميق الأزمة، ولكن نعتقد، أنّ هناك فرصا جديدة أمام تونس.. والسيد المشيشي، كانت له فرصة اليوم، لتشكيل حكومة تحتاجها تونس، ويحقق الاستقرار السياسي الذي نبحث عنه جميعا، لمواجهة الأزمات المتعددة التي تحاصر بلادنا، لكن يبدو أنّه لم ينجح في اقتناص الفرصة واستغلال ما أتيح له من إمكانية، وذهب في تشكيل حكومة، لا علاقة لها بالواقع، ولا بالنظام السياسي التونسي، ولا بالبرلمان، ولا بالمشهد السياسي، بل اختار حكومة إداريين، أو موظفين (حكومة كفاءات)، كما سماها هو، دون أن تكون لها رؤية أو برنامج لمواجهة الأزمة الراهنة المتشعبة، ورأينا الأسماء المقترحة، مع كلّ الاحترام للأشخاص، بما يجعلها حكومة غير قادرة على مواجهة الملفات المعقدة المعلنة وغير المعلنة، التي نربأ بأنفسنا عن ذكرها، حتى لا نزيد في مخاوف الناس، الخائفة أصلا من المجهول..
واعتقادي أنّ هذه الحكومة، ليست لها القدرة ولا الإرادة، لمواجهة الأزمة، والسيد المشيشي، يعرف ذلك جيدا بوصفه عضوا في الحكومة الراهنة، وهو على رأس وزارة حساسة (وزارة الداخلية)، وقد ضيّع على نفسه الفرصة اليوم، خصوصا بعد أن لاحظنا أنّ أغلب الأحزاب الموجودة، أبدت عدم تحمسها لمنح الثقة لهذه التشكيلة، إلى جانب موقف رئيس الدولة، الذي لم يعد يرغب في مرور هذه الحكومة… الحلّ في رأيي…
** (مقاطعا)… لكن رئيس الجمهورية، هو من اختار المشيشي، وهو من طالب بحكومة كفاءات، وهو من أشّر على تشكيلة المشيشي، وفق ما يتردد..
ــــــ شخصيا، تمنيت لو أنّ رئيس الدولة، أجرى مشاورات حقيقية ومباشرة مع الأحزاب والكتل، وأنصت إليها، وتفاعل مع مقترحاتها، لاختيار “الشخصية الأقدر”، وهذه الشخصية لا تعني أنها كفاءة وحسب، بل إنها الشخصية القادرة على تجميع التونسيين، وتشكيل حكومة يكون لها حزام سياسي وبرلماني، وهو ما يدركه رئيس الجمهورية، بوصفه متخصصا في القانون الدستوري، ولكن يبدو أنّ عملية التشاور عبر المراسلات، لم تنجح، لذلك، نحتاج إلى مشاورات مباشرة، وها هي حكومة المشيشي المقترحة، تواجه مشكلا، واعتقادي أنه لا ينبغي لهذه الحكومة أن تمرّ، لذلك أنصح السيد المشيشي، بأن ينسحب، قبل الذهاب للبرلمان، ويترك الفرصة لرئيس الدولة، لاختيار شخصية أخرى، عبر مشاورات حقيقية ومباشرة مع الأحزاب والكتل، على أن تكون هذه الشخصية جامعة، وأن يحمّل الأحزاب مسؤوليتها، سيما ونحن في نظام برلماني، يفترض للأحزاب دورها ومسؤوليتها في المشهد، ثم نذهب لتشكيل حكومة تختارها الأحزاب وتوافق عليها، للخروج من وضع تصريف الأعمال، إلى حكومة مستقرة، نشرع بعدها في العمل على الخروج من عنق الزجاجة الذي تردّت فيه البلاد..
لا يمكن أن نشكل حكومات جديدة بدون رؤية، ولا برنامج ولا أفق… فالأوضاع لا تحتمل، واليوم الدولة بصدد الانهيار، وهي مهددة بالإفلاس، وهي على قاب قوسين أو أدنى من الانفجار الاجتماعي، ولدينا اليوم، تهديدات أمنية قادمة من الجوار الليبي، لذلك لا بد من التعاطي بإيجابية مع الوضع، والأحزاب المؤمنة بالتجربة الديمقراطية، وبمسار الانتقال الديمقراطي، مطالبة اليوم بالتخلي عن خلافاتها، وأن تبحث عن أرضية مشتركة فيما بينها، وتنسق مواقفها ورؤيتها لإنقاذ البلاد، لأنّ في عملية الإنقاذ، إنقاذ للتجربة التونسية، ولشعبنا وللدولة التونسية بالأساس..
لا قدر الله، إذا ما انهارت الأوضاع، ستنتهي التجربة الديمقراطية، وسيتوقف مسار الانتقال الديمقراطي، ويمكن أن ندخل في فوضى، على غرار ما يحصل في عديد الدول من حولنا وفي العالم… المسؤولية مسؤوليتنا، وعلينا أن نكون جميعا في مستوى هذه المسؤولية التاريخية.
** هل للتيار الديمقراطي اليوم مبادرة سياسية باتجاه توحيد القوى الفاعلة في المجتمع، وبخاصة الأحزاب والكتل البرلمانية، على أساس برنامج يراهن على المشترك بين الطيف السياسي والبرلماني، بعيدا عن الخلافات السياسية والإيديولوجية ؟؟
ــــــ التيار لا يمكن أن يغيب عن الساحة اليوم، ولا يمكن أن يكون خارج سياق البحث عن مخرج للأزمة الراهنة، ومفروض على التيار أن يلعب دورا إيجابيا في ظل الأزمة التي تعيشها بلادنا، لذلك شكلنا فريقا من داخل الحزب، وفوضناه للاتصال بمكونات المشهد البرلماني والحزبي، خصوصا في ضوء علاقات أزمة الثقة بين الأحزاب، كما نلاحظها اليوم، وذلك من أجل البحث عن مشتركات تؤلف بين الجميع، وسبل الخروج من الأزمة الراهنة..
ونحن نعتقد، أنّ مرور حكومة السيد المشيشي، مشكلة كبرى، لأنها ستكون حكومة ضعيفة، وستخضع للابتزاز، وستكون عرضة للإسقاط بعد بضعة أشهر، بما سوف يضاعف من حدّة الأزمة، لذلك، لا بد من خطة عمل بعد إسقاط حكومة المشيشي، حتى لا تستمر حكومة تصريف الأعمال بصورة أطول، خصوصا وأنّ رئيسها متهم بشبهات تضارب مصالح، وكذلك في ظل غياب وزراء حركة النهضة عن حكومة تصريف الأعمال..
أتمنى أن تعي الأحزاب اليوم، بأننا في مرحلة دقيقة، وأن تتجاوز خلافاتها، وأن تركز على برنامج مشترك لإنقاذ تونس، وإنقاذ الدولة..
ونحن نحرص على أن يلعب التيار الديمقراطي دوره، ونسمع ــ في الحقيقة ــ المواقف العقلانية، وأطراف تشعر بخطورة الوضع، وتريد أن تدفع في الاتجاه الإيجابي، وهذا مهم في المرحلة الراهنة..
** بخصوص حلّ البرلمان، هل تعتقدون في التيار أن هذا من بين الحلول للأزمة ؟؟
ــــــ حلّ البرلمان، يمثّل أحد الحلول التي ينص عليها الدستور، وهي من مشمولات رئيس الجمهورية، غير أنّ هذا الخيار ليس في مصلحة تونس اليوم.. على كل حال علمت أن الرئيس قيس سعيّد، أعلن أنه لن يحل البرلمان، وهذا قرار صائب وعقلاني، لأن رئيس الجمهورية، يدرك أن أوضاع البلاد لا تحتمل انتخابات مبكرة، ومشهد الانتخابات البلدية الجزئية الأخيرة خير دليل على ذلك، من جهة عزوف المواطنين عن التصويت، ونحن الآن في إطار إجراءات مكافحة كورونا مع ما تفرضه من منع الاجتماعات والتجمعات، وبالتالي ليس بالإمكان الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها، لأن لا أحد يرغب في أن تخسر البلاد وقتا إضافيا في الانتخابات، مع ما يعني ذلك من مصاريف ونفقات، يبدو الوضع الاقتصادي والاجتماعي في أمسّ الحاجة إليها، يضاف إلى ذلك القانون الانتخابي الراهن، الذي لا يمكن في كل الأحوال، أن يقدّم لنا مشهدا برلمانيا أفضل مما هو عليه الآن.
واعتقادي، أنّ الذهاب لانتخابات مبكرة، سوف لن يزيد الأوضاع إلا تدهورا، ولن يتقدم بالانتقال الديمقراطي قيد أنملة، وهو ما لا ترضاه الأحزاب والفاعلون السياسيون والبرلمانيون..
نتنمنى أن يختار رئيس الجمهورية، الشخصية الأقدر، من بين الشخصيات التي تختارها الأحزاب، من خلال مشاورات حقيقية مع مكونات الطيف السياسي والبرلماني، ولا بد لرئيس الدولة، من الالتزام بالشخصيات التي تقدّم له من قبل الأحزاب، على أن تكون الشخصية المختارة، جامعة ووفاقية وقادرة على فرض الانسجام داخل النسيج الحكومي، بما يجعل له حزاما سياسيا وبرلمانيا، داعما لهذه الحكومة، وموفرا لها قدرا من الاستقرار الذي يجعلها حكومة ناجعة وناجزة في غضون السنوات القليلة المقبلة..
أحرى الحوار / صالح عطية
(الصور حصرية وخاصة بــ “الرأي الجديد)