(تقرير) “فخفاخ غايت”… هل تطيح بالائتلاف الحاكم وتنهي المستقبل السياسي لرئيس الحكومة؟
تونس ــ الرأي الجديد / حمدي بالناجح
يتواصل الجدل في الأوساط السياسية والحكومية أساسا، حول قضية ارتكاب رئيس الحكومة، لشبهات تضارب مصالح من خلال استغلال النفوذ، لإبرام صفقات عمومية عبر إحدى الشركات الصغرى التي يمتلكها الفخفاخ، في ظل تأكيد الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لهذه الشبهة، وتوفر معطيات جديدة ووثائق تدين رئيس الحكومة.
اتهام الفخفاخ
وعلى اثر مراسلة رسمية من قبل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إلى رئاسة الحكومة، حول وجود شبهة تضارب مصالح لإلياس الفخفاخ، بسبب امتلاكه لأسهم في مجمع شركات، أعلن الفخفاخ، عن انطلاقه في إجراءات التخلي عن أسهمه بالمجمع.
غير أن عددا من السياسيين أثاروا القضية مجددا، ضد إلياس الفخفاخ، من خلال وثائق رسمية تثبت حصوله على صفقة عمومية بأكثر من 43 مليون دينار خلال شهر أفريل الماضي، أي بعد تقلده لمنصبه في الحكومة.
وقال الوزير السابق، فوزي عبد الرزاق، أن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، تحصّل على صفقتين خلال شهر أفريل الماضي، من طرف الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات بمبلغ جملي بــ 43 مليون دينار، من خلال الشركة التي كانت له فيها مساهمات، مشيرا إلى أن الفخفاخ لم يفصح عن ذلك.
فيما قام النائب ياسين العياري، بطلب تحقيق من الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية ومكافحة الفساد، محمد عبو في الموضوع، وتقديم إعلام رسمي لهيئة مكافحة الفساد، وقضية جزائية ضد رئيس الحكومة.
الفخفاخ يرد..
وفي جلسة عامة للحوار مع الحكومة حول حصيلة 100 يوم من العمل الحكومي، أوضح إلياس الفخفاخ، أن الصفقة العمومية التي تم اتهامه بالحصول عليها خلال شهر أفريل الماضي، تم إبرامها قبل دخوله الحكومة.
وشدّد إلياس الفخفاخ، خلال الجلسة، على أن التشكيك في هذه الصفقة، يمس بمصداقية الصفقات العمومية، ويدفع إلى التشكيك في الهيئة العليا للطلب العمومي.
وأشار رئيس الحكومة، إلى أنه أذن بالتحقيق في الملف المذكور.
وشهدت الجلسة العامة، مداخلات غاضبة على رئيس الحكومة، من بينها من طالب باستقالة الفخفاخ، بسبب هذه الشبهة، على غرار كتلة “قلب تونس”، وكتلة “الاصلاح”، فيما تم تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في الملف، بمبادرة من كتلتي “ائتلاف الكرامة” و”قلب تونس”.
ولم تعرف الجلسة دعوات مماثلة من قبل نواب كتل الائتلاف الحاكم، على غرار “حركة النهضة”، و”الكتلة الديمقراطية”، وهو ما مكّن الفخفاخ من التملص من المساءلة البرلمانية الحقيقية.
“مكافحة الفساد” تؤكد الشبهة..
وخلال جلسة استماع بلجنة الاصلاح الإداري ومكافحة الفساد بالبرلمان، قال رئيس هيئة مكافحة الفساد، شوقي الطبيب، أن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، “له مساهمات في 5 شركات”، متابعا بأنه “لم يعلم الهيئة بتعامل هذه الشركات مع الدولة، وكذلك بإجراءات إحالة التصرف في هذه المساهمات، خلافا لما صرّح به في كلمته الأخيرة في الجلسة العامة بالبرلمان”، وفق قوله.
وأوضح الطبيب، أنه يجب التمييز بين إحالة التصرف في المساهمات (الحصص والأسهم)، وبين إحالة التصرّف في الشركة (التسيير)، مشيرا إلى أن الفخفاخ خالف القانون، بما أنه لم يتخلّ عن مساهماته في 3 شركات، إلاّ بتاريخ قريب جدّا (15 أفريل و22 ماي الماضيين ).
استقالة
وأكد أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني، أنه على رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، أن يقدّم استقالته، مذكرا بأنها تفضي حسب الدستور إلى استقالة كامل حكومته.
واعتبر سليم اللغماني، في تدوينة نشرها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن “الاستقالة أصبحت موجبة إثر تصريحات رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، مشيرا إلى أن “الفخفاخ يعتبر مسؤولا حتى وإن لم يتمّ التصريح بذلك من قبل هيئة قضائية مختصة”، وفق تعبيره.
وأوضح اللغماني، أنه يتعيّن على الفخفاخ “الاستقالة وإعادة التفويض للسلطة التي اقترحته” (في إشارة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد)، مشدّدا على أن الفقرة الأخيرة من الفصل 98 من الدستور، تمنح رئيس الجمهورية الحقّ في اختيار شخصية أخرى لتشكيل الحكومة، في صورة استقالة رئيس الحكومة الحالي.
وبيّن أستاذ القانون الدستوري، أنه في حال تمّ تمرير “لائحة سحب الثقة”، فإن البرلمان هو الذي يقترح شخصية أخرى لتشكيل الحكومة، حسب الفصل 97 من الدستور.
وثائق “الرأي الجديد”
وفي السياق ذاته، كشفت وثائق رسمية وتقارير لجان التدقيق والمراقبة، تورط رئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، في شبهة ملف تضارب مصالح، واستغلال نفوذ، بل وتبييض أموال التي برزت مؤخرا، منذ أن كان وزيرا للمالية، وذلك عبر استغلال شركة فرنسية (SERPOL)، من أجل الحصول على طلب عروض كانت أعلنت عنه الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات سنة 2016.
وحصلت “الرأي الجديد” على مذكرة رسمية حول “توجيه طلب العروض المتعلق باستغلال المصبات المراقبة المعلن عنه من قبل ANGed”، بينت أن نتائج طلب العروض الذي تقدمت به الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات لاستغلال المصبات المراقبة لمدة 4 سنوات، أفضت إلى إقصاء مجمع الأمان / SERPOL، لجميع العروض المقدمة من قبل ممثلها في تونس إلياس الفخفاخ.
وأظهرت الوثيقة، أنه بتدخل الفخفاخ لدى الوزير المكلف بالبيئة حينها، رياض الموخر، راسلت الوزارة اللجنة العليا للصفقات لإلغاء طلب العروض المذكور، وذلك لأسباب ثبت فيما بعد عدم صحتها.
وقصد ضمان إسناد أحد أقساط استغلال منشآت التصرف في النفايات إلى مجمع الأمان / SERPOL، فقد تم إدخال تعديلات على كراسات الشروط بكيفية تضمن لهذا المجمع، الفوز بإسناد قسط على الأقل، وذلك بإزالة جميع الشروط التي لم يستطع تلبيتها خلال طلب العروض، وفق الوثيقة.
وعلى إثر إبرام الصفقة مع المجمّع، وبتدخل من إلياس الفخفاخ لدى كل من مصالح ANGed، ورئاسة الحكومة، فقد تم إبرام ملحق تم بمقتضاه حلول شركة VALIS، وهي شركة محدثة من قبل الفخفاخ وعضو آخر، مكان المجمع الذي سبق أن أمضى الصفقة، وبذلك تم إعفاء الشركة الفرنسية SERPOL، من جميع المسؤوليات المترتبة عن الصفقة سواء كانت إدارية أو مالية، في مخالفة صارخة للقانون، وفق هذه الوثائق..
وأثبتت الوثائق، تورط رئيس الحكومة الحالي، في استعمال معلومات ممتازة مباشرة بعد مغادرته منصب وزير المالية، فيما حصل من أجل ذلك على “مكافأة” من الشركة الفرنسية المذكورة، التي دخل معها في شراكة.
وأتثبت الوثائق، احتمال تورط يوسف الشاهد ورياض الموخر، في “محاباة” للفخفاخ، عندما شغل كل واحد منهما، وزيرا للبيئة والشؤون المحلية.
وتعلق الموضوع بتبييض أموال مقابل معلومة ممتازة، وفق نص المذكرة، التي تتضمن نحو 60 صفحة، هي حصيلة أعمال اللجان القانونية المختصة.
المنحى السياسي للقضية
وأخذت القضية منحى سياسيا، حيث طالت المستقبل السياسي لإلياس الفخفاخ، الذي سيجد نفسه أمام استحقاقات جديدة في علاقة بالإئتلاف الحاكم، الذي تعمقت أزمته.. فقد ضربت ثقة هذه الحكومة، التي كانت رفعت شعار “مقاومة الفساد”.
وبات الفخفاخ، أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يوسع الائتلاف الحاكم باتجاه إدخال كل من قلب تونس وائتلاف الكرامة في الحكومة،، أو الدخول في صراع مع حركة النهضة، سيؤدي به إلى الاستقالة أو سحب الثقة، ومن ثم الدخول في المسار القضائي الذي لا يبدو أن رئيس الحكومة، سيخرج منه مثلما دخل إلى الحكومة، فلا رئيس الدولة يمكن أن يفيده، ولا صلاحياته الدستورية، يمكن أن تجد له مخرجا بهذا الشأن.
فيما يواجه الفخفاخ، مشكل الإستقالة من رئاسة الحكومة، التي قد يكون ثمنها، فضيحة سياسية ستعصف بمستقبله السياسي، الذي بات مرتبطا بما يعرف بــ “فخفاخ غايت”..