تتداعى عليه دول كثيرة… هل يرسم النفط معالم خريطة حرب باردة في ليبيا ؟ (تقرير)
طرابلس (ليبيا) ــ الرأي الجديد (متابعات)
ترتسم في المشهد الليبي ملامح حرب باردة بين أطراف دولية، تتّخذ من فاعلين محليين أذرعاً لدعمها، وعلى الرغم من الأهداف الإستراتيجية لأولئك المتصارعين، إلا أنّ ورقة النفط تبدو أهم كلمات السر لفهم أطراف هذا الصراع، آخرها ملامح تحالف روسي فرنسي قريب من منابع النفط في الجنوب.
فعلياً سيطر اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، لصالح حلفائه، على غالبية حقول ومنشآت النفط في الجنوب، بما فيها حقلا الشرارة والفيل، ويمثل إنتاجهما ثلث الإنتاج الليبي من النفط، وصولاً إلى موانئ التصدير في منطقة الهلال النفطي شمالاً، المشرفة على حوض سرت الغني بالغاز الطبيعي على مسافة تمتد لأكثر من 300 كيلومتر.
وعلى الرغم من أن تلك المناطق المهمة سيطر عليها حفتر بقوة السلاح إلا أن سيطرته بقيت لسنوات اسمية، فلا يمكنه الاستفادة من عائدات مبيعات النفط التي تذهب إلى حسابات المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، ما حدا بحفتر، عبر حلفائه، إلى غلق تلك المنشآت قبل ذهابه إلى قيمة برلين، في يناير/ كانون الثاني الماضي، وتسبب في وقف الصادرات النفطية التي كانت قد بلغت قبل هذه الخطوة 1.3 مليون برميل يومياً.
النفط يدخل باحة المساومات
ولقيت الخطوة استنكاراً واسعاً في الأوساط المحلية والدولية، لكن الاستغراب الكبير، وقتها، كان إزاء الموقف الأميركي البارد الذي كان شديداً في مواجهة أي خطوة من قبل حفتر تجاه النفط، ما حدا بالأكاديمي الليبي، خليفة الحداد، إلى اعتبار تلك اللحظة تاريخاً فعلياً لدخول النفط إلى باحة المساومات والتنافس الدولي.
ويلفت الحداد في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن الموقف الأميركي البارد من إقدام حفتر وحلفائه على غلق المنشآت النفطية يبدو أن له علاقة بدخول منافس متوسطي جديد مُمثل في تركيا التي ارتبطت وقتها باتفاق مع حكومة الوفاق لترسيم حدود مائية في البحر المتوسط للسيطرة على منابع للغاز في شرق المتوسط وترتبط بحوض سرت الليبي.
ويؤكد الحداد أن دخول مرتزقة “الفاغنر” الروس للتمركز في حقل الشرارة في الجنوب، الذي تراه فرنسا مجالاً تاريخياً واستراتيجياً لها، دليل على ولادة حلف روسي فرنسي جديد في المشهد الليبي.
وإن يرى الحداد أن هذا التقارب الروسي الفرنسي يهدف إلى إفشال اتفاقات تركيا مع حكومة الوفاق، خصوصاً في شقها البحري، من خلال تعطيل النفط، يرى الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أن الملف أصبح شائكاً ومرتبطاً بمصالح مختلفة لتلك الدول المتنافسة.
صراع مكتوم
ويشير الأطرش إلى أن ملامح الصراع بدأت ترتسم بشكل أوضح من خلال فرض خط سرت ــ الجفرة كحد فاصل بين طرفي ليبيا الشرقي والغربي، لكن هذا الخط، بحسب الأطرش، قد يخلق صراعات أوسع بين تلك الأطراف كون النفط والغاز يتركزان بشكل كبير في الطرف الشرقي من ليبيا.
وتحالفت روسيا وفرنسا ومصر لدعم مشروع عسكري بقيادة حفتر للسيطرة على البلاد، لكن انهياره السريع والصادم اضطرهم إلى سرعة تقاسم مناطق النفود، ويرى الأطرش في حديث إعلامي مؤخرا، وجود صراع مكتوم بين الأطراف الثلاثة، ففيما هددت مصر باستخدام القبائل الليبية في شرق البلاد وتسليحها، ذهبت روسيا وفرنسا لإحداث تقارب بينهما والتمركز داخل الشرارة، أهم حقول النفط في جنوب البلاد.
وإن بقيت واشنطن بعيدة عن مسار الأحداث، أخيراً، إلا أن اقترابها يبدو أنه وفق خطورة الدور الروسي، فقد عقد قائد قوات “الأفريكوم” رفقة السفير الأميركي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، اجتماعاً عالي المستوى مع قادة حكومة الوفاق في مدينة زوارة الحدودية مع تونس، الإثنين الماضي.
أميركا مقابل روسيا ومصر
وإن قرأ مراقبو الشأن الليبي الاجتماع أنه دليل على ميول أميركية لحكومة الوفاق، إلا أن الأطرش يرى أن البيان الصادر عن الاجتماع لم يبرز اهتماماً أميركياً بواقع الأزمة بقدر ما أرسل رسائل تحذيرية لروسيا تتعلق بأمن البحر المتوسط وسط مساعٍ لجعل سرت ــ والجفرة مناطق منزوعة من السلاح لقطع الطريق أمام أي مساعٍ روسية للوجود في قواعد عسكرية في سرت المطلة على المتوسط.
ولكن الأطرش يرى في الوقت ذاته إمكانية وجود موافقة أميركية على الاستمرار في تنفيذ الاتفاق البحري التركي مع طرابلس، لافتاً إلى أن التحذيرات الأميركية بشأن المتوسط قد تحمل أيضاً تحذيراً لمصر التي هددت بالتدخل واستخدام القبائل الليبية إذا اقتربت قوات “الوفاق” المدعومة من تركيا من سرت، للحد من استفادتها من حوض سرت للغاز المرتبط بمواقع الغاز في شرق المتوسط.
وأبدت السفيرة الأميركية السابقة لدى ليبيا، ديبوا جونز، استغرابها من التهديد المصري بشأن اقتراب قوات “الوفاق” من سرت، مشيرة إلى أن القاهرة لم تستشعر خطراً من قوات “الوفاق” أثناء وجودها في سرت لتحريرها من قبضة تنظيم “داعش” بمساعدة أميركية.
ويبدو أن نتائج المعركة وانكسار قوة حفتر أجبرا إيطاليا على إحداث مقاربات جديدة مع طرابلس وأنقرة حيث تتركز المصالح الإيطالية في غرب ليبيا، لا سيما مجمع مليته للغاز القريب من زواره الحدودية مع تونس، الذي تديره شركة “إيني”.
ولقاء الصراع البارد على موارد الطاقة في ليبيا، دانت السفارة الأميركية، في بيان لها الجمعة الماضي، “التدخل المخجل” لمرتزقة “الفاغنر” ضد مرافق المؤسسة الوطنية للنفط وحقل الشرارة.
لكن اللافت في بيان السفارة قولها إن تمكين المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس من استئناف عملياتها “شرط أساسي للتوافق الليبي الذي بات حاجة ملحة”.