“المونيتور”: مع الانهيار السريع لميليشياته .. تركيا ستعمل على إزاحة حفتر قبل دعم التفاوض
الرأي الجديد (تقارير)
نشر موقع “المونيتور”، مقالا للكاتب الصحفي “فهيم تيستيكن”، سلط فيه الضوء على جهود جلب الأطراف المتحاربة في ليبيا لطاولة المفاوضات، والتي اعتبر أنها تكسب زخما بالتزامن مع الانهيار السريع لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر حول طرابلس.
ويشير المقال، إلى أن فايز السراج، رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني، التقى في 4 جوان (حزيران/ يونيو) بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، بعد يوم من زيارة وزير الخارجية الليبي محمد سيالة، ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق لموسكو.
وفي الوقت ذاته كان حفتر وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق، بالقاهرة يومي 5 و6 جوان (حزيران/ يونيو).
وبينما أرسلت المحادثات في أنقرة رسالة تصميم على “تحرير” كل ليبيا، دعا المجتمعون في القاهرة إلى وقف لإطلاق النار وهو ما يناسب الخطة الروسية.
وجاء ذلك النشاط الدبلوماسي المكثّف على خلفية تغيّرات سريعة في خارطة الحرب. فبعد خسارتها الحاسمة في قاعدة الوطية الجوية جنوبي طرابلس في ماي (أيار/ مايو)، انسحبت قوات حفتر من مطار طرابلس الدولي ومن عين زارة ومن وادي الربيع وقصر بن غشير وترهونة في الأسبوع الأول من جوان (حزيران/ يونيو).
وكانت ترهونة، التي تقع على بعد 90 كم من طرابلس هي المعقل القوي الرئيسي لحفتر في غرب ليبيا، وكانت تخدم كطريق إمداد لقواته المحاصرة للعاصمة.
وفي المحصلة، فقد تمّ دفع قوات حفتر إلى الخطوط التي كانت تقف عليها قبل هجومها على طرابلس في أفريل (نيسان/ أبريل) 2019، بحسب الكاتب.
وكان حفتر الطرف الأول الذي تتّصل به الممثلة الخاصة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالوكالة، سيتفاني وليامز كغز، في إطار حوار 5+5 الذي تم الاتفاق عليه ببرلين في جانفي (كانون الثاني/ يناير)، ما زاد التفاؤل بأنه يمكن للمفاوضات أن تبدأ قريبا.
ولكن النشاط الدبلوماسي أبعد من أن يكون منسقا وهو ما يعقد السعي خلف هدف مشترك.
ففي كلا الجانبين، هناك مؤيدون للمفاوضات ومؤيدون للاستمرار بالاقتتال العسكري.
ففي المعسكر الشرقي، اضطر حفتر، الذي تجنّب المفاوضات، إلى أن يلتزم بخط صالح الذي يفضل العودة للمفاوضات، بعد تراجعه العسكري في الميدان.
أما في معسكر طرابلس الذي تحول من الدفاع إلى الهجوم فقد باتت أصوات الدعوات لصالح “القتال حتى النهاية” أعلى.
وفي بداية تدخلها في (تشرين الثاني/ نوفمبر) والذي غيّر اللعبة، كانت أولوية أنقرة ألا تسقط طرابلس وحماية معاهدة ترسيم الحدود المائية الموقّعة مع حكومة الوفاق الوطني ذلك الشهر.
ولكن صدرت رسالتان من لقاء السراج وأردوغان: رفض مشاركة حفتر في أي مفاوضات مرتقبة، والتصميم على السيطرة على كل الأراضي التي تسيطر عليها قواته.
ووصف أردوغان حفتر، بأنه “انقلابي” وأنه يفتقر إلى “القدرة التمثيلية للجلوس على طاولة [المفاوضات]”، بحسب الكاتب، أما السراج من ناحيته، فقال: “سنستمر في نضالنا حتى نقضي على هذا العدو.. وبالرغم من الضغوط التي تمارس علينا للتفاوض مع مجرم الحرب هذا، فلن نسمح له بفرصة للتفاوض”.
وأشار الجانبان، إلى المكاسب الاقتصادية، وعكسوا ثقة بأنهم سيكسبون الحرب. وقال أردوغان إن التعاون على البحث والتنقيب في المياه الليبية بحثا عن الموارد الطبيعية سيستمر، بينما قال السراج إن الشركات التركية مرحّب بها في ليبيا في فترة إعادة البناء بعد انتهاء الحرب.
وكان التراجع واضحا في القاهرة أيضا، حيث دعت قوى الشرق الليبي إلى المفاوضات، فأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بينما كان يتوسط كلا من حفتر وصالح، تفاصيل المبادرة المصرية التي أطلق عليها “إعلان القاهرة”، والتي دعت إلى وقف لإطلاق النار ابتداء من 8 جوان (حزيران/ يونيو) وانتخاب مجلس رئاسي وعودة إلى محادثات جنيف وانسحاب جميع القوات الأجنبية من ليبيا.
وبالنسبة لبعض المراقبين، فقد كان ذلك اعترافا بالهزيمة، أما آخرون فاعتبروه مناورة لكسب الوقت للتعافي للقيام بهجوم جديد.
وكان ردّ قوات طرابلس على دعوة وقف إطلاق النار، هو شنّ هجوم للسيطرة على سرت والجفرة وحقول النفط الجنوبية.
ومع ذلك وبغض النظر عن الالتزام بوقف إطلاق النار من عدمه، فإن الأطراف المتحاربة تواجه الخيارات الثلاثة الآتية، بحسب الكاتب: الاستمرار في الحرب وجعل الانقسام الليبي الواقع دائما، أو إحياء عملية سلام جنيف والعودة إلى الحوار برعاية من الأمم المتحدة من خلال ثلاث لجنات تم الاتفاق عليها في مؤتمر برلين، وأخيرا إطلاق عملية تفاوضية تقودها تركيا وروسيا شبيهة بعملية أستانا في سوريا.
وسيشكل التعاون التركي الروسي مصدر قلق لأمريكا، التي دعمت التدخل التركي في ليبيا.
وباعتبار العقبات التي قد تواجهها مثل هذه الشراكة، فإن عملية تسوية بتأثير تركي روسي قوي ولكن برعاية الأمم المتحدة في جنيف يبدو احتمالا أكثر واقعية.
ومع أن مسار الأحداث فرض تعاونا بين تركيا وروسيا إلاّ أن كلا منهما ستقوم بالضغط لتحقيق معظم أهدافها، فروسيا حريصة على بقاء القوات في شرق ليبيا قوية، مع أن دعمها لحفتر فشل في أن يثمر، ويبدو أنها ستفتح الطريق أمام صالح الذي اقترح، في أفريل (نيسان/ أبريل)، خارطة سياسية تم وضعها بمساعدة مستشارين روس، تدعو للتفاوض وإنشاء مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء وحكومة وفاق وطني جديدة، أي أن روسيا تريد من مجلس النواب العالق في طبرق منذ 2014 أن يكسب نفوذا، ولذلك فإن إعلان القاهرة يتماشى مع المصالح الروسية.
وفي الوقت ذاته، ضاعفت روسيا جهودها بخصوص معسكر طرابلس، وهو ما ظهر في زيارات مسؤولين ليبيين إلى موسكو، وذلك بهدف عدم السماح لتركيا بأن تدير المشهد وحدها من جانب حكومة الوفاق.
وكما أكد مسؤول في الخارجية الروسية، فإن موسكو تتّخذ “خطوات أكيدة”، لحل سياسي وتقوم “بالاتصال بكل الأطراف الليبية”.
ويمكن رؤية ذلك في تصريح نائب رئيس المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق، أحمد معيتيق، الذي اعتبره الكاتب أقرب الشخصيات الليبية إلى تركيا، والذي أشاد بروسيا كشريك مهم في ترسيخ الاستقرار ببلاده، بعد لقائه وزير الخارجية سيرغي لافروف.
وقال معيتيق آنذاك: “ستساعدنا الدبلوماسية الروسية للتقليل من هذا التصعيد”.
ويبدو أن الحكومة في طرابلس تعترف بأهمية روسيا في مواجهة فرنسا في مجلس الأمن، والذي تدين له بشرعيتها الدولية، ومستعدة لمنح روسيا ميزات في قطاع النفط.
وهناك تقارير بأن فرنسا تخطط للسعي لاستصدار قرار من مجلس الأمن ينزع الشرعية الدولية عن حكومة الوفاق الوطني، مع أن احتمالا كهذا لا يبدو مرجّحا.
ولا توقف روسيا في المقابل الاستثمار في المجال العسكري.
ففي أواخر ماي (أيار/ مايو) يعتقد أن سفينة روسية، وصلت إلى بنغازي بزعم أنها انحرفت عن مسارها المعلن، لكنها أوصلت أسلحة إلى المرتزقة من شركة “فاغنر” الروسية.
واستمرت رحلات الشحن الجوية التركية، دعما لقوات طرابلس أيضا.
فقامت طائرة شحن من طراز هيركوليز بسبع عشرة رحلة إلى مصراتة منذ منتصف ماي (أيار/ مايو)، بحسب الكاتب.
وقد يكون السراج، قد تعهد بأن يسيطر على كل ليبيا، ولكن يعتقد بأن روسيا بات لديها بالفعل تصور خاص لخطة وقف إطلاق النار أو وضع حد بين الطرفين المتنازعين.
فباتفاق مع أنقرة سحبت موسكو مرتزقة فاغنر من مناطق جنوبي طرابلس، ويبقى ترقب ما إذا كانت ستسلم الجفرة وهو المكان الجديد الذي تم نشرها فيه.
وفي أنقرة، يبدو أن التقديرات تتم بشكل متزايد بناء على التوقع بأن التوازن في ليبيا قد يتغير بشكل مفاجئ بانفضاض التحالف من حول حفتر ومد حكومة الوفاق سلطتها إلى جميع أجزاء ليبيا.
ولكن التقديرات لا تستبعد احتمال أن تحاول مصر والإمارات وروسيا وفرنسا واليونان، كل ما في وسعها لمنع مثل هذا السيناريو الذي سيكون لصالح أنقرة في التنافس على الطاقة في شرق المتوسط.
ولمنع هزيمة حفتر، يمكن للتحالف المناوئ أن يزيد الضغط لأجل تحقيق وقف إطلاق نار ومحاولة تحويله إلى فرصة للتعافي.
وتعترف التقديرات أيضا، بأنه ليس هناك قوّة أوروبية، بما فيها إيطاليا التي تقف حاليا بجانب تركيا بحسب الكاتب، ستقبل بأن تقع ليبيا تحت السيطرة التركية بشكل كامل وأنه حتى أمريكا ستتردد في دعم مثل هذه النتيجة.
وفي الغرب، هناك تزايد في الشكوك بأن تكرارا لسيناريو سوريا في ليبيا سيفتح الباب أمام تدخل عسكري روسي مباشر.
وفرنسا بالذات منزعجة من أن تركيا وروسيا قامتا بإمساك زمام المبادرة في ليبيا.
فما هو الذي تسعى تركيا لتحقيقه في ليبيا في المحصلة؟ يبدو أن نقطة التقاء مع روسيا قد ظهرت: لجلب القوى في طبرق وطرابلس لطاولة المفاوضات في سيناريو يستثنى منه حفتر، ولذلك فإنه سيتم استبعاد كل من مصر والإمارات وفرنسا من اللعبة.
ويمكن لصالح الذي تركز عليه روسيا، بحسب الكاتب، أن يعتبر محاورا مقبولا بالنسبة لأنقرة أيضا.
وقابلية حياة هذا السيناريو تعتمد على تنامي الشرخ بين حفتر وصالح.
وقد يخرج داعمو حفتر بخطط جديدة لمواجهة تركيا.
وقد يزيد اللاعبون الغربيون، من تدخلهم أيضا إن قدروا أن مصالحهم يمكن أن تكون مهددة إن زادت روسيا وتركيا نفوذهما في ليبيا، بالرغم من نزاعهما.
ومن ناحيتها، تبدو تركيا مصمّمة على توسيع الحرب لحماية صفقتها مع طرابلس بخصوص الحدود البحرية.
ولكن هناك معضلة صعبة هنا: فحتى تبقى الاتفاقية مهمة في صراع الطاقة الدائر في شرق المتوسط، فيجب أن تبقى الشواطئ الليبية الشرقية جزءا من ليبيا، أي إنه يجب أن لا تقسم ليبيا.
والإصرار على الحرب يزيد من خطورة التقسيم.
(المصدر: موقع عربي 21)