ما هدف “حركة الشعب” من تأجيج التناقض مع “النهضة” ؟ / بقلم رياض الشعيبي
الرأي الجديد (فيسبوك)
لماذا تفرّط حركة الشعب في التقائها الحكومي مع النهضة ؟!!!
لم يكن التّيقّن من هذا الأمر يحتاج لجلسة البرلمان الأخيرة، فكل الأداء السياسي والاعلامي لحركة الشعب منذ خروج نتائج الانتخابات تصب في اتجاه الاستخفاف بالالتقاء الحكومي مع حركة النهضة، بل وحتى السعي لتقويضه والبحث عن بدائل له.
لاحظنا ذلك من خلال طرح فكرة حكومة الرئيس بديلا عن حكومة الحزب الفائز بالتشريعية، ثم المشاركة في إسقاط حكومة الجملي والاحتفال بذلك، جنبا إلى جنب مع كتلة قلب تونس؛ وأخيرا وليس آخرا الضغط الذي مارسته ولازالت حركة الشعب داخل حكومة الفخفاخ للحيلولة دون مشاركة كتل برلمانية أخرى، بما يسمح برفع العزلة السياسية عن حركة النهضة في المجلس وفي الحكومة معا.
وغير جديد تبرير ذلك بالتناقض الايديولوجي أو الاصطدام التاريخي، أو حتى الاختلاف ازاء قضايا اقليمية عديدة. لكن السؤال الذي يبقى معلّقا:
ما هدف حركة الشعب من تأجيج التناقض مع النهضة ؟
بتتبع الأداء السياسي والاعلامي لحركة الشعب ومشاركتها المترددة في الحكومة وبوجوه قيادية غير معروفة، نستطيع أن نقول أن مشاركة الشعب حركة النهضة نفس الحكومة إن لم يكن اضطرارا، فقد كان خيارا ثانويّا، تسبقه خيارات عديدة أخرى، من بينها المساهمة في تشكيل أغلبية أخرى تستثني النهضة، أو تحالفا رئاسيا يستمد قوته من رئيس الجمهورية بديلا عن الأغلبية البرلمانية، أو حتى القبول بالبقاء في المعارضة للاستفادة من أي فشل حكوميّ متوقع لزيادة رصيدها الانتخابي.
وكانت خيارات حركة الشعب التي تسبق خيار المشاركة في الحكم متعددة، ولذلك حصل جدل قوي داخلها قبل دخولها للحكومة، حتى كاد الأمر أن يستعصي على الحسم في هذا الاتجاه أو ذاك. لذلك لم تسر حركة الشعب في اتجاه الائتلاف الحكومي بكل قناعة ووحدة موقف، فانعكس ذلك ضعفا نوعيا في تمثيليتها الحكومية، وضعف حماس في بناء علاقات ايجابية مع شريكها الأكبر في الحكم اي حركة النهضة.
طبعا استمعنا لتبريرات عديدة من حركة الشّعب حول هذا الموقف: من قبيل المطالبة بشراكة متساوية ولو اعتباريّا، ورفض تزعّم النهضة للحكومة وللمشهد السياسي، والاعتراض على مواقف النهضة وأدائها العام.
ورغم الاجماع على أن الأداء السياسي لحركة النهضة لم يكن بالمستوى المطلوب عموما، الا أنّ أداء حركة الشعب لم يكن أفضل؛ بل جزء لا يتجزّأ من أزمة الخطاب السياسي خلال هذه المرحلة.
فما الذي يمكن أن تفضي إليه جلسة البرلمان الأخيرة ؟
أعتقد أن حركة الشعب بأدائها البرلماني الذي عمّق خطها السياسي تجاه النهضة منذ الانتخابات، قد اتخذ طريقا مزدوجا: من جهة التمهيد لانهاء التقائها مع حركة النهضة داخل الحكومة، ومن جهة ثانية الانفصال بينها وبين التيار الديمقراطي داخل المجلس.
أما بالنسبة للالتقاء الحكومي، فأعتقد ان حركة النهضة قد خرجت بعد جلسة البرلمان أكثر تشكّكا في تحالفها الحكومي واكثر تيقّنا في الحاجة لتوسيعه من أجل حمايته. وان حركة الشعب التي ترى في هذا التوسيع تهميشا لها وتعزيزا للحضور السياسي للنهضة، لن تجد أمامها غير أحد خيارين: اما البحث عن اغلبية حكومية تستثني حركة النهضة، أو مغادرة حكومة موسعة تكون حركة النهضة قطبها ومركز جاذبيتها.
وأما فيما يتعلق بالكتلة الديمقراطية، فان التيار الديمقراطي سيتضمر حتما مما يعانيه جراء مواقف حركة الشعب من زاويتين:
_ الأولى بسبب رفضه الانجرار وراء التناقضات الايديولوجية والاصطفافات الاقليمية. فالتيار الديمقراطي يستثمر منذ تشكله في صورته السياسية من خلال رفع شعار مناهضة الفساد، ولكن أيضا في حرصه على ابراز ايمانه بالديمقراطية والحقوق والحريات، وعدم اصطدامه بقناعات غالبية محافظة بطبعها. والتيار الذي يطمح أن يصبح بديلا سياسيا لن يرتهن صورته لمواقف حركة الشعب التي تفقده جزءا لا بأس به من حاضنته الاجتماعية.
_ أما الدافع الثاني الذي يمكن أن يفجر الكتلة الديمقراطية، أن التيار الديمقراطي يبني استراتيجيته السياسية الحالية على المشاركة في الحكم، وبناء تجارب وكوادر تعزز قدرته على ادارة البلاد في المستقبل. ولا أعتقد أنه سيضحي بهذه الاستراتيجية من أجل التقاء عرضي بحركة الشعب، التي يمكن ان تكون منافسا له في مرحلة من المراحل. كما لا أظن أن قياداته تغفل عن الاضطراب الرهيب الذي يمكن ان يتسبب فيه التناقض في استمرار الكتلة الديمقراطية بين وضعية حركة الشعب المتوقعة في المعارضة ووضعية التيار في الحكم (على الأقل وفق واحد من سيناريوهات مختلفة).
يبدو أن حركة الشعب تراهن على الرئيس قيس سعيد، مثلما يراهن عليه كثيرون. ولكن عكس البعض الذين يراهنون على ضرب حركة النهضة بالرئيس ثم الاستفراد به للتخلص منه (طبعا سياسيا)، فان حركة الشعب تراهن على تشكيل حكومة بديلة (ولو حكومة اقلية برلمانية) تستمد شرعيتها من خلال رئيس الجمهورية وليس على حسابه.
هذه فيما يبدو أحد تداعيات جلسة البرلمان الأخيرة في علاقة بحركة الشعب… فكيف ستتصرف النهضة إزاء ذلك ؟.