المسلسلات والأعمال الرمضانية.. والسقوط القيمي
بقلم / فاطمة كمون
أكدّ المتابعون للفضائيات العربية والكم الانتاجي للدراما في شهر رمضان لهذه السنة، أن السمة البارزة هي، انحلال أخلاقي وسفالة وصور لا علاقة لها بمجتمعاتنا المحافظة..
الظاهر أن كل البلدان العربية في الخراب والتأزم القيمي، ولا حدود فاصلة بينها في هذا السقوط العام سلوكيا وقيميا.
لقد أصبحنا نمثل قطيعا يتشرب المسلمات المقدمة، ويصدق الصور النمطية، ويحاول البعض بعد كل هذه الاسقاطات، أن يتقولب ليكون مُتمدنا..
مجموعة من العوامل الخارجة عن إرادتنا، تساهم في توجيه نمط سلوكي، وتحاول تغيير هوية المجتمع.
وحتى لو صدق المنتجون، بأنّ الأفكار المطروحة في هذه الأعمال، هي جزء من الواقع المعاش لفئة تعيش بيننا في مجتمعاتنا العربية، فلا اظن أنها تُمثل الأغلبية الساحقة.
من الواضح أن الوضع العربي الراهن في كل المنطقة عاصف ومتقلب، أجندته تدمير مادي وروحي للشعوب، تتناسل فيه الفصول الدراماتيكية، وجوها متعددة لوضع في غاية الهشاشة – هياكل مباني ورؤوس دهماء تعشش فيها بومة “مينيرفا” التي غادرتها الحكمة مبشرة بأفول وعي جامع، وبحلول كارثة حضارية دون وجود بدائل لهذه الانعطافات..
انقلب حلم الثورات للتغيير، الي تكتيكات ودهاء عودة المنظومات السابقة بأكثر شراسة وخبث واستباحة لكل القيم الانسانية.
ليس صدفة أن تتعطل مسارات تحقيق العدالة الاجتماعية، فصناعة غول الارهاب، ونشاط بارونات التهريب بغطاء محكم، يصعب اختراقه، هدفه توصيل المجتمعات لذروة العنف والبغضاء والحقد الطبقي، خاصة مع ظهور طبقة أثرياء جديدة استفادت سياسيا واقتصاديا من الثورات، واختزلت احلام المساواة والحقوق والعدل، في شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع.
كل يوم مصيبة تنجب كارثة، لتتزوج بفجيعة، وسط زخم من العفن والتسيب والفساد والناس تنظر ولا ترى شاخصة، عاجزة، بقلوب ميتة، وجثث تتحرك.
واقع الشعوب العربيّة الحالي وما تعيشه من تشرذم وانقسام، وما تشهده مجتمعاتها من استشراء للكره والعنف والفساد، يكشف تسرّب طوفان الفوضى وحتى الاقتتال لبعض المجتمعات العربيّة، بمسميات عديدة، كلنا على حافة الانزلاق والاحتضار، وعلى شفا جرف هار نحو العدم .
أصبح العنف والعداء والاعتداء، هو القاسم المشترك.. دمار في البُنى وفي الفكر وفي الوعي، أغلق أفق الحياة، حتى الخطاب السياسي ارتدى جبة القبح رغم ان النشاطات مؤطرة داخل تكتلات وأحزاب غاب فيها المعنى الجمالي الدلالي، بالرغم من أجواء الحريات، كلها تنشر الاقصاء ووعود القمع في لحظة عارية، وفي قلب متاهة الأنقاض والحطام القيمي…
تاه العقل العربي في البحث عن موروث حضاري وثقافي وإنتاجي، حتى مشترك اللغة أصبح في حالة موت سريري، ولم تعد وسيلة خطاب مجد في ظل كل الأزمات الراهنة.
في ظل التحولات السياسية المُتسارعة، والأوضاع الأمنية المتأزمة، وعولمة الأنظمة الاقتصادية، وزخم الثورة المعلوماتية، لم نعد نستطيع أن نسيطر على الفضاءات البرمجية والاجتماعية، ولم تعد العوامل الكلاسيكية فقط، مثل الأسرة والمدرسة، تشكل هوية الفرد وشخصيته… كما لا يمكننا إنكار التغيرات المتسارعة التي تساهم في توسع رقعة الاضطرابات، وتأزم الواقع الذي يمس الموروثات الثقافية، ويطال الهوية بصفة عامة.
حتى السلطة الحاكمة، على اختلاف أطيافها السياسية وانتماءاتها الأيديولوجية، أهملت كل مظاهر الرهان الحضاري على النخب العالمة والمثقفة، بل طال هذا الخور حتى التاريخ أدخل في لعبة المزادات، بحيث يُقتطع منه ويجزأ ويزيف، خدمة لتموقعاتهم.
قوى خارجية تتناطح برؤوسنا، ونحن نندفع بأجساد دون رؤوس، نتداخل مع أطراف الفوضى، وندافع على مصالحها بوحشية وتوحش، نتشرذم ونعبئ من دمائنا قوارير خمر ليسكروا بها، ويأكلون أدمغتنا كالضباع الكاسرة بشبق الافتراس، مطالبين بالمزيد، فيُعدّ لهم حكامنا مآدب من عرق السُخرة، ليجلس الكاهن الأعظم وسطها، ويخاطبهم كغيمات “كل خراجكم لي فأمطروا “… شبكات دعارة تحت مسميات سُلطوية وإعلامية وإنتاج سينمائي وتلفزي صنعتها لتحافظ على مصالحها، وتتاجر بأحلامنا غير عابئة بأنين الجوع وآهات اليأس ورعشة العراء والبرد، التي تتناسل لتنجب ألما وتشريدا ومآس وسحقا وإبادة حدّ الذوبان أحيانا،..
أصبح الصمت ملاذا أمام فداحة وتواتر المشاهد، فصوت الضمير في إجازة طويلة المدى، والشياطين مصفدة لترك المجال لشياطين الإنس، والملائكة تسجل في محاسن العابدين وشباب يحرق الجسد، لأنه لم يعثر على ما يجعله يضع رجلا في مستقبله..
توقف العقل عن التفكير، وسخرية الواقع تلون في آخر لوحاتها… وعلامة الاستفهام نائمة إلى حين…