ما الذي يحدث في تونس ؟ / بقلم رياض الشعيبي (فيسبوك)
الرأي الجديد
تعيدنا الحملة التي تنادي بجمهورية ثالثة (ما يعني ضمنيا اسقاط الحالية) إلى قضية تداخل الأجندات الداخلية والخارجية في الساحة السياسية الوطنية. ورغم أن فاعلية هذه الحملة تبدو منعدمة في الواقع إلا أن ضراوتها الاعلامية فاقت كل حدود. وقد جاء هذا الاستهداف لرموز النظام الحالي وبخاصة مركز السلطة في البلاد، أي مجلس النواب ورئيسه الأستاذ راشد الغنوشي، إلاّ ليؤكد هذا التوجه.
بعض الكواليس تتحدّث عن أنه في الوقت الذي كان فيه التونسيون منشغلون بتشكيل حكومتهم الجديدة، ثم بمواجهة وباء كورونا، كانت الاجتماعات تجري في بعض العواصم الافريقية تحت لافتات متنوعة مثل مراكز الدراسات، لتنسيق الخطط التنفيذية لمعاودة محاولة اسقاط المنظومة السياسية الحالية. وقد تحوّلت بعض الشخصيات التونسية والأجنبية المغمورة الى منسقين اقليميين في هذا المضمار. كما أصبحت بعض الشركات ومكاتب الاستشارات في تونس غطاء لبعض النشاطات السياسية المشبوهة.
ومع أن الانتقال الديمقراطي في تونس يعاني صعوبات هيكلية ومضمونية عديدة، وعلى الرغم من الانقسام السياسي والنخبوي الحاد؛ الا أن قدر الديمقراطية أن تتقدم بالتجربة والخطأ. فليس هناك نموذج تنفيذي كامل للتحول الديمقراطي يمكن الاعتماد عليه. وكل ما أورثتنا إياه الخبرة الانسانية في هذا المجال، ليس أكثر من طريق طويل من المراكمة القاسية في غالب الأحيان.
لكن الديمقراطية أيضا أنتجت آليات تجسم المسؤولية السياسية وتعيد الأمر للارادة الشعبية كلما تأزمت الأمور واستحال استمرارها.
لذلك كان من المفترض أن تتجه الدعوة للعودة لارادة الناخبين لمن أراد أن ينتزع شرعية الحديث عن جمهوريته الثالثة المزعومة. لكن السكوت عن ذلك لا يعني غير التشكيك في النوايا الحقيقية لمثل هذه الدعوات. فمن يدعو اليوم لجمهورية ثالثة لا نكاد نسمع له موقفا في الديمقراطية، ولا حديثا عن ارادة الناخبين. بل يتحصنون بالحشد الغوغائي وبتأجيج الأحقاد والكراهية والاقصاء، كما لو أنّ لا شيئ من الماء الصافي قد جرى في نهر التاريخ التونسي منذ 2011. لكن هذا غير صحيح، فاللامبالاة التي ووجهت بها بعض الدعوات لاسقاط المنظومة السياسية الحالية، تبدو غريبة بالنظر للتقييم الشعبي السيّء لأداء النّخب السياسية، وبالنظر لوضعه الاقتصادي والاجتماعي الصعب. رغم ذلك لم نلاحظ انخراطا شعبيا في حملات التجييش والتعبئة ضد التجربة الانتقالية. بل على العكس، ظهر بوضوح أن التونسيين يرفضون الوسائل غير الديمقراطية لتغيير واقعهم على الرغم من صعوبته وقساوة ظروفه.