في تقرير صحفي: الوقائع السرية لتراجع حفتر .. والدور الروسي والأميركي في فشل هجوم طرابلس
نيويورك ــ الرأي الجديد (مواقع إلكترونية)
قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الرابح الوحيد، من الهجوم الفاشل الذي شنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة الليبية في الـ 4 من أفريل الماضي، كان الكرملين الروسي، كاشفة عن خفايا وردت بتقرير سري روسي، قبل الهجوم الأخير على طرابلس.
وأشارت الصحيفة في تقرير أعده الكاتب ديفيد كيركباتريك، وحمل عنوان “بارك البيت الأبيض الحرب في ليبيا ولكن روسيا هي التي انتصرت فيها”، إن روسيا سعت لتأكيد نفوذها على حفتر، عبر هجوم طرابلس، لكن في المقابل فقد قدمت لها الولايات المتحدة ما تريده، من خلال الموافقة على الحرب الأهلية الكارثية في البلاد.
وكشف التقرير عن مكالمة أجراها حفتر الربيع الماضي، قبل عقد مؤتمر للمصالحة بدعم من الولايات المتحدة، مع مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، و”لم يكن الجنرال الليبي راغبا بالحديث فيها عن السلام، بل الحصول فقط على موافقة أمريكية لشن هجوم مباغت على طرابلس قبل بدء المحادثات”.
بين حفتر وبولتون
وأضاف: “حفتر الجنرال السابق في نظام معمر القذافي، وزبون جهاز السي آي إيه، “لم يحصل من بولتون على نعم أو لا” وتابع: “لكن الهجوم بدأ في 4 أفريل، وكان فاشلا، لم يتمكن من خلاله حفتر من السيطرة على طرابلس، الأمر الذي شتت قواته وتسببت الغارات الجوية والقصف المدفعي الذي شنه بقتل آلاف المدنيين وتهجير عشرات الآلاف”.
ولفتت الصحيفة إلى أن القتال “أوقف تدفق النفط الليبي، وأضاف حقنة جديدة للتقلبات في المنطقة، فضلا عن تراجع دور أمريكا في الدولة الواقعة شمال أفريقيا”.
وقالت إن الكرملين تصرف “بطريقة باردة في هذه الحرب باحثا عن مصالحه، واستفاد من الرسائل المشوشة القادمة من البيت الأبيض ليصبح صانع الملوك في ليبيا، عبر وعود من الاحتياطيات النفطية الهائلة والموقع الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط”.
ونقل الكاتب عن مسؤول أمريكي وثلاثة مسؤولين غربيين على معرفة بمكالمة بولتون مع حفتر، والتي لعبت على ما يبدو دورا في خطط روسيا. فضلا عن اكتشاف وثائق سرية تمت مصادرتها في العاصمة الليبية، واطلعت عليها الصحيفة بأن “عملاء سريين في ليبيا أرسلوا قبل أيام من الهجوم، رسائل إلى موسكو قالوا فيها إن جيش حفتر الضعيف والقليل العدد سينهزم بالتأكيد لو حاول غزو العاصمة”.
وأضافت: “لكن العملاء على الرغم من ذلك أوصوا موسكو بالاستفادة من ضعفه، وزيادة نفوذها عليه، حتى لو أرسلت مرتزقة لتقوية ما يطلق عليه الجيش الوطني الليبي”.
وقال العملاء في الوثائق السرية: “إن روسيا ستحصل على حليف قوي وموال في بنية الجيش الوطني الليبي، وسيكون حفتر راضيا عنه”.
المساهمة الروسية… ولكن
وقال الكاتب: “إن الموقف الأمريكي المتناقض من ليبيا أدى إلى إطالة أمد الحرب، فهي من جهة تدعم العملية السلمية، ومن جهة أخرى يفضل دونالد ترامب، حفتر، وأدى غياب الوجود الأمريكي القوي إلى فتح الباب أمام تدخل شركاء أمريكا المتنافسين بما فيهم تركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة”.
وتابع: “إلا أن روسيا هي الوحيدة المرشحة بين هذه الدول للتسيد على ليبيا، نظرا لأن لدى الكرملين جيشا من الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، تقوم بالترويج لحفتر وعدد آخر من زبائنها، بما فيهم نجل العقيد القذافي، سيف الإسلام، وهو ما كشفت عنه تقارير العملاء، حيث حصل الكرملين على حصة في شبكة تلفزة موالية للقذافي، وقدموا نصائح للشبكة الموالية لحفتر أيضا”.
ولفت إلى أن “الجيش الروسي عمل من خلف الستار، وأحاط اللواء المتقاعد بعدد من شركاء روسيا القدامى الذين عملوا في قوات القذافي الأمنية، فيما شجعت موسكو أعوان القذافي على العودة من الخارج”.
وكشفت الوثائق عن خطة للكرملين تقوم على “التحضير لحكومة تحت الانتظار” استعدادا للسيطرة على طرابلس، واتبع الروس نصيحة العملاء، فعندما توقفت العملية على مشارف العاصمة، قامت موسكو بدعم حفتر بالأسلحة المتقدمة، وآلاف من المرتزقة الروس الذين لا يزالون يعملون في ليبيا.
بين البيت الأبيض.. والخارجية
وقالت الصحيفة، إنها لم تحصل على تعليقات من ممثلين عن البيت الأبيض أو بولتون، بشأن ما تسرب، إلا أن المشرعين الأمريكيين القلقين، أخذوا يتساءلون عن السبب الذي أدى بأمريكا إلى أن تدعم نفس الطرف الذي تدعمه روسيا.
وأضافت: “في جلسة استماع أخيرة بالكونغرس تساءل المشرعون: كيف تنتقد واشنطن دعم موسكو لعميلها حفتر، في الوقت الذي يفضل فيه البيت الأبيض الشخص نفسه؟”.
وقال السيناتور ميت رومني إن الرئيس و”إن بدا ميالا له (حفتر) إلا أن وزارة الخارجية كانت تعارضه”، وتساءل رومني: “هل هناك انسجام؟”. وقال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدني ديفيد شينكر: “أقول بدون تحفظ إننا لا ندعم عملية حفتر”.
وكشف الكاتب أن “الحملة وراء دفع البيت الأبيض لدعم حفتر، بدأ مع انتخاب ترامب للرئاسة وقف وراءها الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد عبر قيامه بالترويج لحفتر بين فريق السياسة الخارجية التابع لترامب، في لقاء سري عقد بنيويورك في ديسمبر 2016. كما حمل عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري الذي وصفه ترامب بديكتاتوري المفضل قضية دعم حفتر معه إلى البيت الأبيض عندما التقى مع ترامب”.
ورأى أندرو ميللر، عضو مجلس الأمن القومي في مستهل إدارة ترامب، والباحث في مشروع الديمقراطية بالشرق الأوسط في واشنطن أن حفتر “كان نقطة النقاش الجوهرية في اللقاءات مع المصريين والإماراتيين”.
مساندة أميركية لــ “الوفاق”
وقالت الصحيفة إن “ليبيا دخلت في حالة من الفوضى بعد عملية الناتو التي أطاحت بنظام القذافي عام 2011، حيث انقسمت البلاد إلى إمارات حرب تديرها المليشيات والعصابات التي تبتز المواطنين، والمتشددون المتطرفون ومهربو المهاجرين”.
وأضافت: “وسط هذه الفوضى لم تعترف واشنطن إلا بحكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة، إلا أن السيسي ومحمد بن زايد أخبرا ترامب بأن الحكومة الانتقالية ضعيفة ويسيطر عليها الإسلاميون”، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين بارزين سابقين، في الإدارة الأمريكية قولهما إن “الزعيمين العربيين ناقشا، أن حفتر قادر على منع سيطرة الإسلاميين على السلطة في طرابلس، حيث قالا إن وصولهم إلى السلطة سيكون له أثر الدومينو في المنطقة”.
وقال الكاتب إن “حفتر تعهد عام 2014 بسحق الإسلاميين ومحوهم، وحكم ليبيا كزعيم عسكري، إلا أنه أقام تحالفا سريا مع حركة إسلامية متشددة تميل إلى التيار السلفي، وهو ما تجاهله السيسي ومحمد بن زايد رغم كونه تناقضا، وهما يحاولان الضغط على الإدارة لدعم حفتر. وفي الوقت نفسه كانا يعملان مع روسيا، وفتحت مصر قاعدة عسكرية للروس لتأمين الإمدادات العسكرية إلى حفتر”.
وأشار إلى أن السيسي وابن زايد، “وجدا أذنا صاغية وتعاطفا من بولتون”، الذي عين مستشارا للأمن القومي في ربيع 2018، ويعرف عنه مواقفه المتشددة ضد الإسلاميين، وجاءت مكالمة الأخير مع حفتر في لحظة حرجة، حيث كانت محادثات السلام تقترب وقام اللواء المتقاعد، بنقل قواته إلى بلدة في الصحراء قريبة من العاصمة طرابلس، محضرا لهجوم مفاجئ.
ولفت إلى أنه لدى طلب حفتر موافقة من بولتون على خطته، كان الجواب “ضوءا أصفر”، لا أخضر ولا أحمر، حسبما قال مسئول سابق في الإدارة. إلا أن ثلاثة مسئولين غربيين اطلعوا على فحوى المكالمة من حفتر ومسئولين أمريكيين بارزين، قالوا إن بولتون لم يكن موافقا بالمطلق، وقال: “لو أردت الهجوم فعليك العجلة”. وهو ما اعتبره حفتر موافقة. وكان الهجوم مفاجئا وصاعقا، حيث تزامن مع وصول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى طرابلس، وحث وقتها اللواء المتقاعد على سحب قواته، وهي رسالة صادق عليها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو.
وقال الكاتب إنه ومع استمرار الهجوم، قام حلفاء حفتر بالضغط على الرئيس شخصيا لدعمه، بداية من السيسي في 9 نيسان/ إبريل العام الماضي ثم محمد بن زايد في 18 نيسان/ إبريل 2019. وفي اليوم التالي نشر البيت الأبيض فحوى مكالمة بين الرئيس وحفتر أثنى فيها على الأخير “لدوره المهم في محاربة الإرهاب”.
ولفت إلى أن قواته بدأت بعد يوم واحد من مكالمته مع ترامب، بقصف المدنيين في العاصمة طرابلس. ويعلق بيتر ميليت السفير البريطاني في ليبيا حتى عام 2018 على الأمر: “كان الأمريكيون يغيرون مواقعهم بطريقة لا معنى لها”، مضيفا أنه “كان هناك ارتباك وصدمة عظيمة داخل المجتمع الدولي”.
روسيا تساند.. وتخطط لما بعد حفتر
وبحسب الكاتب، فقد “كان الروس قد توصلوا لنتيجة قبل هجوم حفتر، أنه سيكون كارثة عليه، فقد كان العملاء الروس يعملون من مركز بحث مجهول مرتبط بفيغني بريغوجين، الحليف المقرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويصف المسؤولون الأمريكيون بريغوجين بأنه مرتبط بشركة التعهدات الأمنية (واغنر) التي شارك مرتزقتها في أوكرانيا وسوريا وعدد من الدول الأفريقية”.
وكشفت تقارير صحافية عام 2018 عن هوية قائد مجموعة المرتزقة في ليبيا ويدعى ماكسيم شوغالي، وهو يحاول دفع الرشاوى ونشر المعلومات المضللة لحرف نتائج الانتخابات في مدغشقر. وقال مسؤول على معرفة بنشاطاته إن مليشيا عاملة مع الحكومة الانتقالية اعتقلته برفقة مترجم عامل معه، بعدما تلقت معلومات من المخابرات الأمريكية، بالإضافة إلى شخص ثالث هارب الآن.
وأدى اعتقاله إلى عثور العملاء السريين، على التقرير في غرفته بالفندق، وكانت أرسلت نسخة منه إلى موسكو في مارس 2019، وقبل فترة قصيرة من مكالمة بولتون – حفتر.
وحصل مركز “دوسيه” الناقد لبوتين في لندن على نسخة من التقرير، واطلعت “نيويورك تايمز” عليه.
ويظهر أن روسيا ساعدت حفتر منذ عدة سنوات بالسلاح، وطبعت له عملات ورقية ليبية. إلا أن التقرير كان متشككا في قدرته العسكرية أكثر مما سوق لها السيسي وابن زايد للبيت الأبيض.
موسكو تتجه نحو سيف الإسلام
وقالت الصحيفة: “حفتر البالغ من العمر 76 عاما، لم ينتصر إلا في عدد قليل من المعارك، وسيطر على مناطق من خلال شراء ولاءات القبائل والجماعات المحلية، من أجل تعزيز أهميته” بحسب ما ورد في تقرير العملاء الروس.
وأشارت الصحيفة إلى إلى أن العملاء الروس، لم يحذروا من فشل هجوم طرابلس، على غرار ما حصل عام 2014، بل قالوا إن حفتر أصبح “عنيدا ومن الصعب التعامل معه، وهو يستخدم الدعم الروسي لزياده أهميته” لكنه حذر في الوقت ذاته من “أنه (حفتر) لن يكون حريصا على المصالح الروسية، في حال انتصاره”.
واقترح التقرير السري، لتقوية رهانات موسكو، دعم سيف الإسلام القذافي، وقالوا إنهم اشتروا حصة من شبكة تلفزيونية للقذافي وأنعشوها، وهو في الـ47 من عمره، وكان شريكا للروس، إبان حكم والده ومعتقل منذ 2011 وهارب الآن، ويعمل على تنظيم عودته وفقا لمقربين منه وبعض التقارير الأمنية عن تحركاته.
وأشارت الصحيفة إلى أن العملاء الروس، اقترحوا عاملا جديدا للسيطرة على حفتر، من خلال إدخال المرتزقة إلى دائرته، وقالوا إن “المرتزقة السودانيين جاهزون للقيام بالمهمة”.
وقالت إن “فرق مرتزقة واغنر الروسية، وصلت إلى ليبيا عبر السودان، في نهاية سبتمبر 2019، مشيرة إلى إيجاز قدمه السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند قبل مدة، وصف فيه الأمر بـ”التغيير الكبير للعبة”. وأضاف أنه “من الواضح أن الروس يرون ميزة استراتيجية الآن في ليبيا، مخاطرة كبيرة ومكاسب أعلى”.
ولفتت الصحيفة إلى أن الروس نظموا لقاءات سرية بين أتباع حفتر والضباط السابقين بعهد القذافي، لتعزيز حضورهم، وفقا لدبلوماسيين غربيين ومحللين.
ونقلت الصحيفة عن موسى إبراهيم المتحدث السابق باسم نظام القذافي، رفضه التعليق على لقاءات بعينها، لكنه “اعترف بتحركات الروس، عبر جمع ضباط حفتر والقذافي، خاصة في الهجوم على طرابلس”.
المصدر: مواقع إلكترونية + صحافة عالمية + الرأي الجديد)