“Le Nouvel Observteur”: سيناريوهان بانتظار العالم في السنوات القادمة أحدهما كارثي بسبب “كورونا”
باريس ــ الرأي الجديد (صحافة فرنسية)
قالت مجلة لنوفيل أوبسرفاتور الفرنسية إن فرانسوا هيسبورغ، اختصاصي الجغرافيا السياسية ومستشار مؤسسة البحوث الإستراتيجية، اعتبر أن هناك سيناريوهين للأشهر والسنوات القادمة، حسب تطور جائحة كورونا (كوفيد-19) وقدرتنا على السيطرة عليها، وهما على كل حال ليسا بالجيدين بحسب المجلة الفرنسية.
وفي مقال بقلم الكاتب “فنسنت جوفير”، تستعرض المجلة السيناريوهين على الشكل التالي:
السيناريو الأكثر ملائمة
ويقوم على أن العالم، لديه جميع الاختبارات الممكنة، ويمكنه تطوير إجراءات حجر منطقية، وسيتوفر لديه لقاح فعال في غضون عام، على سبيل المثال، فما الذي سيحدث في هذه الأثناء؟
أول ما يجب فعله في هذه الحالة، هو الحفاظ على الوضع حتى أفريل 2021، وفي تلك الأثناء يرفع الحجر تدريجيا في كل مكان من أوروبا، ولكن بمعدلات وأوقات مختلفة.
وإذا لم ينسق الأوروبيون بشكل جيد وعلى الفور، فهناك احتمال قوي بحدوث توتر شديد بين الدول الأوروبية نفسها.
وينبه الكاتب إلى ما يحدث في آسيا، حيث يشدد الكوريون الجنوبيون واليابانيون على إغلاق حدودهم أكثر فأكثر، في الوقت الذي يخففون فيه من الحجر على مواطنيهم، ويقومون بفحص أي قادم يدخل بلادهم، ويضعونه في الحجر عند الاشتباه في حمله للفيروس، ومثلهما تمنع الصين الأجانب من دخول البلاد.
ويرى الكاتب أن لا شيء يمنع أوروبا من اتخاذ تدابير مماثلة مع القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي، ولكن تبقى مشكلة كيفية التصرف مع التنقل داخل الاتحاد، حيث قد يرغب الإيطاليون الشماليون بعد شهرين من الحجر، في الذهاب إلى النمسا أو ألمانيا، حيث الحجر لا يزال مستمرا.
وما دامت هناك خشية من عودة “كورونا”، فسيكون الاتجاه العام هو انغلاق الدول على نفسها، ولكن كيف يمكن للاتحاد الأوروبي في ظل هذه الظروف، إدارة ما بعد الحجر، يتساءل الكاتب؟ مشيرا إلى أن وثيقة طبية معتمدة من قبل الأعضاء الـ27 ستكون ضرورية في هذه الحالة.
نحو الاقتصاد المجتمعي
ومن الناحية الاقتصادية، يري جوفير أن أوروبا من المحتمل أن تشهد انخفاضا بنسبة 15 أو 20% في ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2020، وبالتالي سيكون من الضروري إقامة اقتصاد مجتمعي موجه، كما كان الحال في الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي، أيام الرئيس ثيودور روزفلت.
وستكون المفوضية الأوروبية قادرة على القيام بذلك بشكل جيد، إذا تخلت الحكومات عن الأفكار والسياسات السابقة، وطلبت من المفوضية ذلك، أما إذا رفع الحجر الصحي في وضع فوضوي، فقد تحدث موجة من الكراهية داخل الاتحاد الأوروبي، حسب الكاتب.
ومن الناحية الجيو ــ سياسية، يرى الكاتب أن الولايات المتحدة ستكون آخر دولة كبيرة تتخلص من موجة كوفيد-19 مع معدل وفيات مرتفع للغاية، مساو لمعدل إيطاليا، وسوف تخرج مدمرة اقتصاديا، ولكنها قد تفعل أفضل مما سيفعله الآخرون، إذا استطاعت أن تحشد طاقاتها كما فعلت بطريقة استثنائية خلال الحرب العالمية الثانية.
ولكن، بالنظر إلى قدرة الرئيس الحالي دونالد ترامب، على تغذية مفاهيم الفرقة داخل البلاد، فإن الأميركيين معرضون لخطر الانقسام الداخلي، كما حدث أثناء الحرب الأهلية أو حرب فيتنام، كما يرى الكاتب.
ولن تكون الصين، كما يعتقد الكثيرون، اليوم هي الرابح الأكبر من هذه الأزمة غير المسبوقة – كما يقول الكاتب – لأنها تعتمد بشكل كبير على صادراتها التي ستكون في حالة سقوط حر، مما يعني أنها ستضطر إلى الدعاية المحمومة وتشديد الخناق لاحتواء غضب سكانها، وللحفاظ على السلام الاجتماعي، علما أن القادة الصينيين لديهم صعوبة كبيرة في تقديم رأي يقنع سكانهم.
إفريقيا سالكة..
ومن المفارقات – حسب جوفير – أن أفريقيا قد لا تعاني الكثير من كوفيد-19 من وجهة نظر طبية، بالنظر إلى بنيتها الديمغرافية التي يهيمن عليها الشباب إلى حد كبير، ولكن الأزمة الاقتصادية ستكون كارثية عليها.
ومن الواضح – يقول الكاتب – أن البلدان المصدرة للنفط ستعاني الكثير بسبب انخفاض أسعار المحروقات، تبعا لانخفاض الطلب العالمي ونشوب حرب أسعار غير مفهومة، تقوم السعودية خلالها برفع إنتاجها لدرجة أنه لن يوجد مكان لتخزين النفط.
ومع ذلك، فإن دول الخليج وروسيا لديها احتياطيات مالية كبيرة تمكنها من مواجهة أزمة خطيرة لعدة أشهر دون خوف على الاستقرار بداخلها، وذلك سهل بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يمكن أن يتحدث وبكل أريحية بأن الأزمة تأتي من مكان آخر.
ويبدو هذا السيناريو الأول شبيها إلى حد كبير بفترة الثلاثينيات من القرن الماضي، وستشهد هذه الفترة بطالة كبيرة وسرعة في تفكيك العولمة، بحيث لا أحد يريد أن يعتمد على الآخرين في المنتجات الإستراتيجية، مما ينتج عنه تباطؤ كبير في التجارة البحرية، التي تمثل الجزء الأكبر من التجارة العالمية، ولكن الديمقراطيات بشكل عام سوف تستمر والاتحاد الأوروبي كذلك.
السيناريو الكارثي
ويقوم هذا السيناريو، على أن العالم سيتأخر في إنتاج لقاح للفيروس، وهو أمر غير محتمل، مع العلم أنه لا يوجد لقاح للإيدز حتى الآن، بعد 40 عاما من تفشي الوباء، ومع العلم أن المعلومات لا تزال شحيحة حول هذا النوع الجديد من فيروسات كورونا.
ومع هذا الاحتمال، سيكون الناس في عالم غير معروف تماما، لا يشبه فترة ثلاثينيات القرن الماضي، ولكن يشبه إلى حد ما القرن الرابع عشر الميلادي في زمن العصور الوسطى، حيث يقتل الفيروس الكثير من الناس خاصة إذا تحور، فكيف إذن سيتعايش الناس مع الأوبئة المتكررة؟
ويرى الكاتب في هذا السياق، أن البشر سيتكيفون مع الأوبئة، كما فعلوا ذلك من قبل مع الطاعون حتى القرن الثامن عشر، حيث تعلموا كيفية التعايش معه، وأشار إلى أن هذه الأوبئة المتكررة لن تمنع الحروب، مع أنها قد تكون لها بعض الجوانب الجيدة، حسب تعبيره.
وختم الكاتب بأن الطاعون الكبير الذي قتل ثلث سكان العالم، أعقبته فترة رخاء وجد فيها الناس ما يكفي من الطعام، ووجدت الزراعة ما كانت تفتقر إليه من السواعد بسبب ارتفاع أجور العمال، وكذلك لم يمنع الطاعون من ظهور عصر النهضة.
وخلص الكاتب إلى أن هذا السيناريو المظلم، يدعو إلى التساؤل بالنسبة لمن يتمسك بالتفاؤل “ما هو كنه النهضة الجديدة المرتقبة؟”.
المصدر : لونوفيل أوبسيرفيتور