انتقادات شديدة لتفسير رئيس الجمهورية لنص الدستور
تونس ــ الرأي الجديد
أثار تمسّك رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بتطبيق الفصل 89 من الدستور فيما يتعلق بأزمة تشكيل الحكومة، والذهاب إلى حل البرلمان في حال فشل إلياس الفخفاخ، في نيل ثقة البرلمان، بالإضافة إلى عدم قدرة البرلمان على سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال الحالية، انتقادات عديد المحامين، الذين اعتبروا أن تأويله للنص الدستوري منقوص وخاطئ.
وقال المحامي مالك بن عمر، في تدوينة له على موقع “فيسبوك”، أن اعتبار قيس سعيد لعدم قدرة البرلمان على إصدار لائحة لوم ضد الحكومة الحالية، بسبب أنها “غير مسؤولة” أمام هذا البرلمان، وقد تحصلت على ثقتها من برلمان سابق، هو تأويل “خاطئ” للدستور.
وأوضح مالك بن عمر، أنه في صورة اختيار قيس سعيّد لخيار عدم حل البرلمان وفق الفصل 89 من الدستور، فإن ذلك يعني بقاء حكومة تصريف الأعمال في مكانها إلى نهاية العهدة، أي لمدة خمس سنوات، وهو ما يستوجب وجود رقابة على أعمال هذه الحكومة.
وتسائل بن عمر، “هذه الحكومة ستعمل تحت رقابة من؟ ومسؤولة أمام من؟.. نظريتك تقول انها ستبقى حرة طليقة الذراعين و ممدودة الساقين دون حسيب أو رقيب”.
وتابع المحامي، “ثم هل تعلم يا سيادة الرئيس أن نواب هذا البرلمان يراقبون حكومة تصريف الأعمال بواسطة الأسئلة الشفاهية و الكتابية؟ أي ان هذه الحكومة مسؤولة أمام هذا المجلس، لأن أي حكومة مهما كانت ما دامت تباشر أعمالها فهي مسؤولة أمام ممثلي الشعب …مهما كان المجلس سابقا أو حاليا”، وفق قوله.
واعتبر مالك بن عمر، أن تأويل رئيس الجمهورية، للنص الدستوري، سيشرّع “للفوضى”.
أما المحامي الحبيب بنسيدهم، فقد قال بأن “التأويل الذي قدمه قيس سعيد، هو تأويل برائحة سياسية أكثر منها أكاديمية ودستورية”.
وتسائل الحبيب بنسيدهم، عن اسباب رفض سعيّد سحب الثقة من الحكومة الحالية، “هل أن القوانين التي صادق عليها البرلمان السابق لا تلزم البرلمان الحالي لأنه لم يصادق عليها ؟ وهل يعني أنها لا تلزم الحكومة الجديدة لأنها قوانين لم يصادق عليها البرلمان الحالي الذي سيمنحها الثقة؟”.
وتابع بسيدهم، “حكومة الشاهد زكاها البرلمان المنقضي وعرضت ميزانيتها على البرلمان الجديد للمصادقة عليها، فهل هذا يعني أن تلك المصادقة تعتبر لاغية قانونا وغير ملزمة للحكومة السابقة؟”.
واعتبر المحامي، بأن عدم مساءلة حكومة يوسف الشاهد، وتركها “بلا رقيب ولا حسيب بتعلة أن البرلمان الحالي غير معني بذلك” هو أمر “خطير جدا”، وفق تعبيره.
وشدّد الحبيب بنسيدهم، على أن البرلمان الحالي له حق مساءلة رئيس الحكومة ووزرائها، عبر الأسئلة الكتابية والشفاهية، وهو ما قد يعتبر مخالفا لنص الدستور بناء على تأويل رئيس الجمهورية للنص الدستوري.
من جهته، اعتبر المحامي مبروك كرشيد، أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد، ليس “جهة استشارة أو تأويل للدستور”، مشيرا إلى أن مسألة الشرح والتأويل قد تجاوزها، وذلك منذ أن “خلع معطف الدرس والتدريس بالجامعة وحمل أعباء الدولة وعباية حماية الدستور لا شرحه أو تاويله كما فعل”، وفق تعبيره.
ولفت مبروك كورشيد، في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إلى أن ”الشرح والتأويل مهمّة يقوم بها القضاء وتخوض فيها المؤسسات طبق قاعدة الولاية والاختصاص”، مضيفا أن ”جلب النصّ (الدستور) عربيا وافرنجيا والسعي في تأويله يحيل رئيس الجمهورية إلي صورة لا نقبلها له أو لدمقراطيتنا الفتية وهي صورة محتكر السلط الذي يعين ويفسر”، حسب قوله.
وتبع كورشيد، “السيد رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية التي تقابلها السلطة التشريعية … ولا ولاية لواحدة علي الأخري وإذا وجب التأويل والشرح فمجلس النواب أولي به”، وفق تعبيره.
وأكد المحامي مبروك كورشيد، أن ”ما نحي إليه رئيس الجمهورية قيس سعيّد أمس، بأعطائه تأويلا ملزما لفصول الدستور المتعلّقة بتكوين الحكومة أو حجب الثقة عنها وفرضيات ذلك، بحضور رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، ما يجب له أن يمرّ مرور الكرام ولا بد من الخوض فيه انتصارا للدولة واعلاءً لكلمة الحقّ بدون حساب الربح والخسارة”.
وتساءل مبروك كورشيد قائلا، ”أليس هذا ما تعلمناه منك ومن أساتذة القانون الدستوري يا سيادة الرئيس”.
بدوره، اعتبر المحامي بوبكر الطيب، أن ما عبّر عنه قيس سعيد، “سقطة لا تليق حتى بطالب قانون”.
وقال بوبكر الطيب، أن ما ورد على لسان رئيس الجمهورية بأنه لا يمكن سحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد، هو رأي لا أساس قانوني له.
وتابع الطيب، بأن تبرير قيس سعيّد لموقفه، باعتبار أن هذه حكومة هي حكومة تصريف أعمال، خاطئ لأنه “لا وجود في الدستور التونسي لــ “حكومة تصريف أعمال”، بل حكومة وفقط. ومحاولة تبريره بعدم جواز سحب الثقة من حكومة الشاهد بناء على أنها حكومة تصريف أعمال، “رأي عدم” لأن حكومة تصريف الأعمال لا وجود له في الدستور أصلا”.
وأضاف المحامي بوبكر الطيب، “زيادة على ذلك، فإن الدستور ينظم وضع الحكومة وطرق انتهاء مهمها، وهي إما الاستقالة أو سحب الثقة منها من قبل البرلمان أو من قبل رئيس الجمهورية.. وطالما أن حكومة يوسف الشاهد لم تستقل فإنه يمكن أن تفعل ضدها إجراءات سحب الثقة وفق الفصلين 97 أو 99″، وفق قوله.
كما عبّر بوبكر الطيب، عن استغرابه، من قول قيس سعيّد، بأنه لا يمكن سحب الثقة من الحكومة، لأنها تحصلت على ثقتها من البرلمان السابق، معتبرا أنه “أمر يفوق الغرابة” و”من المؤسف أن يصدر عن طالب قانون فضلا عن مدرسه”، وفق قوله.
وبرّر الطيب انتقاده بالقول، “العبرة بمؤسسة البرلمان ولا تلازم طبعا أن يكون نفس برلمان هو المانح للثقة والساحب لها. إنما جعل القيد زمنيا أي لا تقديم لسحب ثقة ضد نفس الحكومة مرتين خلال السنة الواحدة”.
وتابع المحامي، “مؤسف أن السيد الرئيس ردد في موقفه أن حكومة الشاهد هي حكومة غير مسؤولة وهذا غير صحيح. فحتى لو كانت حكومة الشاهد هي فعلا حكومة تصريف أعمال، فإنها مسؤولة وتسأل على وجوه مختلفة للمساءلة مثل الأسئلة البرلمانية”، على حد تعبيره.