“صفقة القرن” تعرّي موقف رئاسة الجمهورية والدبلوماسية التونسية.. والبرلمان ينأى بنفسه
تونس ــ الرأي الجديد / صالح عطية
أثار المشروع الأمريكي الجديد لتقسيم فلسطين، الذي أطلق عليه “صفقة القرن”، رفضا دوليا واسعا من دول عربية وإسلامية، غير أن الموقف التونسي بدا غير واضح من خلال بيانات وزارة الخارجية التونسية، ومجلس نواب الشعب، اللذين أظهرا تباينا واسعا في مستوى الخطاب الدبلوماسي والموقف من القضايا العربية والدولية..
فقد تجنبت وزارة الخارجية في بيان لها أمس، حتى مجرد ذكر “صفقة القرن”، واكتفت بتسميتها بــ “المبادرة الأميركية”، كما لم يتضمن بيان الدبلوماسية التونسية، أي إدانة لهذه الصفقة، التي رفضها مجلس نواب الشعب، وكانت الجزائر، المتاخمة لنا، أوضح من الخارجية التونسية، عندما أعلنت رفضها لهذه الصفقة.
وبلغة تقليدية باردة، قالت وزارة الخارجية التونسية، أنّها تُتابع “بقلق بالغ”، ما تمّ الإعلان عنه بخصوص مبادرة الإدارة الأمريكية لتسوية القضية الفلسطنية، وكأنّ الأمر يتعلق بتسوية فعلا، فيما يؤكد الفلسطينيون، أنّها “تصفية” للقضية الفلسطينية..
وبطريقة تذكرنا بديبلوماسية، خميس الجهيناوي، الوزير السابق، المعروف بمواقفه وعلاقاته بإسرائيل، “جددت الوزارة تأكيد تونس، على ضرورة عدم المساس بالوضع القانوني والتاريخي لمدينة القدس، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، معربة عن وقوفها الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه المشروعة”، وهي عبارات كانت الحبر الأساسي لمقولات بن علي، ولديبلوماسية الجهيناوي، خلال السنوات الخمس الماضية.
وبدا موقف الخارجية التونسية، هزيلا ومحتشما أمام ما تتعرض له القضية الفلسطينية من مؤامرات كبرى، وسط غضب فلسطيني وعربي واسع، وحالة استنفار على الحدود الإسرائيلية الفلسطينية، من جهتي الصفة الغربية وقطاع غزة.
وضوح مجلس نواب الشعب
في مقابل ذلك، أدان البرلمان التونسي بشدة، إعلان ما يُسمّى بــ “صفقة القرن”، التي وصفها بـ “العنصرية” والتي قال إنها “تضرب القوانين والثوابت الدولية عرض الحائط”.
وعبّر مجلس نواب الشعب، في بيان له، عن رفضه المطلق “للإعتداء السافر على الحقّ الفلسطيني وعلى جزء مقدس من الأمة العربية والإسلامية”، مُعلنا ت”ضامنه مع الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، القدس عاصمتها الأبدية”.
ودعا البرلمان، وزارة الشؤون الخارجية وكل القوى المدنية في تونس والعالم، إلى “تعبئة جهودها وتوحيدها من أجل التصدّي لهذا المخطط، الذي يستهدف شرعنة الاحتلال والظلم وسرقة الأراضي والحقوق الفلسطينيّة”.
كما طالب مجلس النواب، كافة البرلمانات العربيّة والإسلاميّة، والبرلمانات الإقليميّة والدوليّة، إلى “إدانة هذا السلوك العدائي تجاه قضيّة إنسانيّة وحضاريّة عادلة”، داعيا كذلك الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى “اتخاذ قرار موحّد ينتصر للحق الفلسطيني والشروع في خطوات عملية للحيلولة دون تنفيذ هذا المخطط المشؤوم”.
ويظهر من خلال هذين الموقفين الرسميين، تباينا واضحا في الموقف التونسي، بين دبلوماسية تائهة وخائفة ومرتجفة، وبرلمان واضح وجريء ومباشر في موقفه..
ويطرح موقف وزارة الخارجية التونسية، تساؤلات أساسية، حول خلفية هذا البيان، وهل وضعت الخارجية تفاصيله أم أملي عليها من رئاسة الجمهورية؟ وهل أنّ رئاسة الجمهورية تتحفظ على مشروع ما يعرف بــ “صفقة القرن” أم لديها معطيات أخرى لا نعلمها، ومن حقنا أن ندرك أفق التفكير الرئاسي في هذا الموضوع؟
ومهما يكن من أمر، فإنّ بيان الخارجية التونسية، لا يكاد يخرج عن بيانات الخارجية التونسية طيلة ثلاثة عقود من الزمن، رغم أنّ العالم تغيّر، والسياسات تبدّلت، والخرائط تحركت، والتهديدات للمشروع العربي، تضخمت، وكأننا أمام دبلوماسية غير مستوعبة لمحيطها الجغرا ــ سياسي..
يخشى المرء من أن يكون هذا البيان، بمثابة الردّة السياسية عما تم طرحه في الحملات الانتخابية الرئاسية من اعتبار التطبيع “خيانة عظمى”، والإنحياز للقضية الفلسطينية بوضوح..
لا شكّ أنّ ثمة فرقا كبيرا بين الخطاب الانتخابي وخطاب الدولة، لكن ثمة خيط ينبغي أن يؤلف بينهما، وهو خيط المبادئ والثوابت..
والأمل أن لا تكون رئاسة الجمهورية، ومن خلفها الدبلوماسية التونسية، قد بدأت تنكص على عقبيها.. وتلك من بدايات ضياع “الحلم الجديد” إن كان ثمة حلم حقيقة..