“فورين بوليسي”: خطط الثأر الإيرانية لمقتل سليماني أكبر من الضربات الصاروخية … والعواقب ستكون وخيمة
طهران ــ الرأي الجديد (وكالات)
يرى خبراء، أنه من المبكر الحكم على انتهاء الانتقام الإيراني لاغتيال الجنرال، قاسم سليماني، الذي كان ثاني أقوى شخص في إيران بعد المرشد الأعلى علي خامنئي، إذ سوف يكون له تداعيات في الشرق الأوسط وما بعده لسنوات وربما لعقود، ولكن العواقب الفورية، كما يقول العديد من مسؤولي المخابرات الأمريكية في القطاع الخاص، ستكون واضحة، بما في ذلك المزيد من القتلى على كلا الجانبين.
وكانت هجمات يوم الثلاثاء الفارط المدوية مجرد البداية، على الرغم من الكلمات المطمئنة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والتي وصفتها بـ “رد مناسب”، فعمليات القتل التالية ستتمّ باستخدام الأدوات التي بناها سليماني نفسه.
وتعدّ مؤسسة “فيلق القدس” التي قادها سليماني، وهي جهاز مخابرات عسكرية هجين تابع لفيلق الحرس الثوري، والتي شكلت جماعات شيعية متطرفة في لبنان والعراق واليمن وسوريا وأفغانستان وأماكن أخرى.
ووفقا لمجلة “فورين بوليسي”، كان سليماني يعلم أن إيران، على عكس روسيا أو الصين ليست قوية ولن تكون أبدًا قوية بما يكفي لتحدي الولايات المتحدة وجهاً لوجه، ولذلك سيكون عليها الاستعداد للحرب بشكل مختلف.
وبالنسبة لإيران كان هذا يعني تأسيس رادع ضد أي هجوم أمريكي من خلال وسائل الحرب غير المتكافئة، وعبر دعم وكلاء مثل “حزب الله” اللبناني، والذي يوصف بأنه جيش الإرهاب الأكبر في العالم، ودعم أعمال العنف التي لم ترتق إلى مستوى الحرب الشاملة.
وأظهرت فعالية برنامج سليماني والبرنامج الإيراني الأكبر، الذي تضمن الاغتيالات الإرهابية وزرع القنابل على الطريق، والتي كانت مسؤولة عن مقتل أكثر من 600 جندي أمريكي، وقصف المباني السكنية والمراكز المجتمعية اليهودية والحافلات السياحية والمنشآت الدبلوماسية، أن إيران يمكنها التخلي عن الوسائل التقليدية لفرض النفوذ وفرض سلطتها خارج حدودها بنجاح.
وهذه هي الأدوات التي ستستخدمها إيران في الثأر لسليماني، وليس فقط في المنطقة نفسها، فكبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية والمخابرات يدركون جيدًا أن اغتيال مسؤول بهذه المكانة في إيران يعرض الأمريكيين لانتقام العملاء الإيرانيين و”حزب الله”، اللذين لديهم نفوذ في أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية وأماكن أخرى، وهذا الانتقام أصبح مرجحًا الآن، إذ قال مسؤول مخابرات أمريكي سابق عن مقتل سليماني: “الشيطان الذي تعرفه أفضل من الشيطان الذي لا تعرفه، لقد تجاوزنا الحدود”.
وعمليات الاغتيال الأمريكية السابقة البارزة، بما في ذلك عملية اغتيال الزعيم في تنظيم القاعدة “أنور العولقي” في اليمن، واغتيال زعيم تنظيم داعش “أبو بكر البغدادي” في سوريا مؤخرا، تختلف عن عملية اغتيال سليماني في عدة جوانب أساسية، فعلى الرغم من أن سليماني قد دعم الأعمال الإرهابية، إلا أنه كان قبل كل شيء، مسؤولا حكوميا رفيع المستوى، وهذا الأمر له أهمية كبيرة.
وبتجاهل هذا الاختلاف، غيرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من المعيار العالمي الرئيسي، والذي قد يرتد على المسؤولين الأمريكيين بشكل خطير، فقد أصبحت الخطوط الحمراء في المواجهة الوشيكة بين الولايات المتحدة وإيران غامضة.
وقال “دوغلاس وايز”، نائب مدير وكالة مخابرات الدفاع السابق والمسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية: “سينتج هذا العمل العادل فوضى لا يمكن التنبؤ بها”، وهو رأي ردده عدة مسؤولين سابقين في المخابرات الأمريكية.
يشعر بعض المسؤولين السابقين بالقلق من احتمال عودة العراق إلى الحرب الأهلية، بينما يقلق آخرون من تصاعد المشاعر المعادية لأمريكا عبر الشرق الأوسط والانسحاب القسري للقوات الأمريكية من العراق والمنطقة، وتشعر الغالبية العظمى بالصدمة من الافتقار الواضح إلى التخطيط المسبق والتداول من جانب إدارة ترامب في اتّخاذ مثل هذه الخطوة المهمة، وهو قرار قد يؤدي إلى الحرب.
حلقة لا تنتهي
ووفقًا لمسؤول مخابرات أمريكي سابق على اتصال وثيق مع المسؤولين الحاليين في العراق، “يقلق مسؤولو المخابرات في الشرق الأوسط من تحول الصراع الأمريكي الإيراني إلى حلقة لا تنتهي من العنف الشديد والانتقام”.
وقال هذا المسؤول الذي لم يُكشف عن هويته: “لقد أدار سليماني العراق بموافقة المرشد الأعلى وإذا كان المرشد الأعلى ينظر إلى سليماني على أنه امتداد لنفسه، فستكون هذه معركة طويلة ودموية”.
وأشار المسؤول إلى أن الإيرانيين قاموا ببناء “شبكات تجسس طويلة الأجل” في أماكن مثل الكويت والبحرين وغيرهما، والتي يتم استخدامها لجمع المعلومات لصالح قوة القدس، التي من المرجح أن تستخدمها لشن عمليات سرية في المستقبل بما في ذلك الأعمال العسكرية أو الإرهابية في هذه البلدان إذا لزم الأمر.
ومن جانبه أشار “مارك بوللميروبولس”، وهو مسؤول كبير سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية يتمتع بخبرة واسعة في الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب إلى أنه من المرجح أن يكون هناك المزيد من إراقة الدماء بعد الهجمات الصاروخية التي وقعت ليلة الثلاثاء في العراق.
وقال: “ليس هناك شك في أن الولايات المتحدة ستتعرض لهجمات انتقامية شديدة على المستوى العالمي في وقت ومكان تختاره إيران، وهذا الحدث سيؤدي إلى ألم كبير للعديد من الأمريكيين”.
وذكر مايكل موريل القائم بأعمال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في مقابلة مع شبكة “سي بي إس”: “سيسفر هذا النزاع عن وفيات أمريكية بين المدنيين”.
وتستعد إيران لهذا النوع من الصراع غير المتكافئ مع الولايات المتحدة منذ عقود، سواء كرد فعل على الضربات الأمريكية المحدودة لتدمير البرنامج النووي الإيراني أو كرد فعل على هجوم أمريكي واسع النطاق على النظام نفسه.
فمنذ التسعينيات يراقب عملاء إيران و”حزب الله” المباني الدبلوماسية الأمريكية والمراكز الثقافية والقواعد العسكرية في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأمريكا الشمالية، استعدادًا للهجمات المحتملة.
وراقب العملاء الإيرانيون المسؤولين الأمريكيين في الخارج بهدف الاغتيال، وفي عام 2013 سارع المسؤولون الأمريكيون لوقف ما اعتقدوا أنه خطط وشيكة من قِبل مسؤولي المخابرات الإيرانية لاغتيال مسؤولي المخابرات التابعين لوزارة الدفاع في أوروبا.
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن المعلومات التي قادت الإيرانيين إلى تحديد هؤلاء المسؤولين تم توفيرها من قِبل الضابطة السابقة في المخابرات الجوية الأمريكية “مونيكا ويت”، والتي انشقت إلى إيران في عام 2013.
ومع تصاعد الأعمال العدائية، من المحتمل أن ترتفع قيمة “ويت” في إيران، وقال “وايز”، نائب مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية السابق: “من المحتمل أن تكون أي معلومات قدمتها ويت قد أصبحت قديمة من الناحية العملية، ولكن الإيرانيين يمكنهم أن يلجأوا إليها للحصول على المنظور الأمريكي عن أهدافهم، والخطوات التي قد تتخذها الحكومة الأمريكية للدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإيرانية”.
أهداف أقل بروزا
ويرجح مسؤولون أمريكيون سابقون، أن تتجنب إيران إثارة رد فعل عسكري أمريكي ساحق، باختيار شن حملة عنف أكثر انتشارًا تركز على أهداف أقل بروزا، ومن المحتمل أن يشمل ذلك أفرادًا أو منشآت أمريكية في الخارج، مثل قصف المواقع الدبلوماسية الأمريكية في أمريكا اللاتينية أو جنوب شرق آسيا أو الشرق الأوسط، أو اغتيال ضباط المخابرات المركزية الأمريكية الذين يعملون تحت ستار الدبلوماسية وتعرف إيران هوياتهم، دون إعلان مسؤوليتها عن الهجمات.
ومثل هذه الحملة، وخاصة إذا نفذها “حزب الله”، ستتبع تعليمات حددها سليماني نفسه، مما يوفر لإيران القدرة على إلحاق أضرار بالغة بأهداف أمريكية وإنكار تورطها في الأمر.
وإذا تصاعد النزاع وخرج عن السيطرة، كما يخشى مسؤولو الاستخبارات الأمريكية السابقون، فقد تقرر إيران أو وكيلها “حزب الله”،شن ضربات داخل الولايات المتحدة، وهي خطوة أبدت إيران استعدادها لاتخاذها في الماضي، ففي عام 2011، أحبط المسؤولون الأمريكيون مؤامرة لقوة القدس لاغتيال السفير السعودي بتفجير مطعم شهير في واشنطن العاصمة، وربما يركز أسلاف سليماني ومعلمه خامنئي على مجموعة مما يبدو كأهداف متناسبة للانتقام لمقتل مثل هذا المسؤول الإيراني الكبير.
وتشير “فورين بوليسي”، إلى أنه من الواضح أن إيران ووكلاءها قد وضعوا خطط طوارئ، بما في ذلك إرسال خلايا نائمة من العملاء المندسين في الولايات المتحدة، للتخطيط لهجمات محتملة على أهداف سهلة داخل أمريكا.
وفي العام الماضي، أقر إيرانيان، أحدهما في لوس أنجلوس، بأنهما كانا يعملان لدى المخابرات الإيرانية، واعترفا أن أحدهما كان يراقب مركزا يهوديا في شيكاغو وقام بتجميع ملفات استهداف المنشقين الإيرانيين داخل الولايات المتحدة.
وفي قضية منفصلة، أُدين “علي كوراني”، وهو أمريكي لبناني، في عام 2019 بتهمة العمل كضابط في حزب الله في نيويورك وجمع بيانات استهداف عن منشآت حكومية أمريكية محلية ومطار “جون إف كينيدي الدولي”.
وتقدم قضية كوراني، على وجه الخصوص، لمحة عن المستقبل، فوفقًا لوثائق المحكمة، في عام 2010، أمر زعماء “حزب الله” كوراني بجمع المعلومات عن الجنود الإسرائيليين الحاليين أو السابقين الذين يعيشون في نيويورك بهدف اغتيالهم، وقال كوراني إن هذا كان انتقاما على قتل إسرائيل قبل عامين، لـ “عماد مغنية”، قائد عمليات “حزب الله”.
وترجّح المجلة، أن يتحول التصعيد الحالي لأعمال العنف والذي شمل استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في العراق بصواريخ “حزب الله”، وقصف المنشآت الدبلوماسية الأمريكية، إلى حملة عالمية طويلة ومضنية من الهجمات الانتقامية، لا ترتقي إلى حرب، ولا تعتبر سلامًا.