أردوغان ودبلوماسية الحرب …
بقلم / رياض الشعيبي
تحركات دبلوماسية وسياسية نشطة يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الآونة الأخيرة. آخرها وصوله اليوم على رأس وفد عالي المستوي إلى تونس، ولعل تركيبة الوفد تشير بوضوح لطبيعة الزيارة وأهدافها.
فمثلما عودنا أردوغان بجرأته وإقدامه في سياسته الداخلية، نراه اليوم بنفس القوة حاضرا على الساحة الإقليمية والدولية، مدافعا عن مصالح بلاده ورؤيته لطبيعة الحرب الأهلية في ليبيا.
ولقد مثل الاتفاقان التركي ــ الليبي حول ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني والعسكري، منعرجا دعّم وجهة العلاقة المتطورة بين البلدين.
فرغم أن تركيا كانت الخاسر الأكبر من سقوط نظام القذافي، إلا أنها ساندت وبقوة، قوى “فبراير” واحتضنتهم؛ متغاضية عن توقف مشاريعها العملاقة في ليبيا. وهي إذ تعود اليوم للتأثير في مسار المشهد الليبي، فإنها ترغب في استرجاع خسارتها الاقتصادية، وتمتين هذه المصالح بمكاسب إستراتيجية، تضمن لها الديمومة والاستقرار.
بقي أن الزيارة المفاجئة للعاصمة التونسية، تثير كثيرا من الأسئلة حول أهدافها وحيثياتها وطبيعتها، وخاصة في هذا الظرف الإقليمي ؟
يبدو أن الرئيس قيس سعيد، قد تلقى منذ مدة دعوة لزيارة تركيا لتعزيز العلاقة بين البلدين. لكن تردد مؤسسة الرئاسة وتباطئها في الإجابة عن الدعوة، وتسارع الأحداث في ليبيا وحولها، كل ذلك دفع أردوغان للمبادرة بهذه الزيارة.
وقد كان الوفد ذو طبيعة أمنية / دبلوماسية، لأن الموضوع الأساسي للزيارة، كان تطورات الأوضاع في ليبيا.
فتركيا تستعد للتدخل عسكريا إلى جانب حكومة الوفاق في طرابلس للتصدي لحرب حفتر، بالوكالة عن قوى إقليمية، من أجل اجتياح العاصمة الليبية، واجتثاث قوى فبراير وحلفائهم في الغرب الليبي. كما أن مؤتمر برلين الذي يجري الإعداد له، قد استثنى إلى حد الآن دول المنطقة من المشاركة فيه، وهو الأمر الذي تعارضه تركيا والجزائر وتونس.
فيما أن الموضوع الأهم، هو طمأنة الجانب التونسي إزاء أي تداعيات للاتفاقات التركية الليبية، بحيث لا تكون على حساب الطرف التونسي، ولن تمس بسيادتها ومصالحها. كما أن الأتراك يريدون طمأنة الطرف التونسي من أية أثار محتملة لاحتدام الحرب في ليبيا، خاصة وان تونس قد عانت سابقا، وما تزال تداعيات ذلك مستمرة، من نزوح مئات الآلاف من الليبيين عبر الحدود التونسية الليبية.
لكن في مقابل كل ذلك، ما زالت الدبلوماسية التونسية تعاني من العجز عن التحرك في الملف الليبي، وهي المؤهلة أكثر من غيرها، للنجاح في ذلك.
ولعل أول عامل لتفسير هذا العجز، أن الدولة التونسية تصنف الأزمة الليبية على أنها أزمة في الجوار التونسي، وبالتالي أزمة ليست فقط خارج مجالها الترابي، ولكن أيضا خارج مجال مصالحها الإستراتيجية.
وهذا خطأ ينبغي تداركه سريعا، لكي تتمكن تونس من المبادرة الفعلية في دعم الأمن والاستقرار والرفاه الاقتصادي في إقليمها الجغرافي. وهي مبادرة طالما انتظر الأشقاء الليبيون انطلاقها.