النفق المسدود في باردو… المعارضة وأزمة التشكّل في البرلمان..
تونس ــ الرأي الجديد / سندس عطية
ربما هي المرة الأولى في تونس، التي تبدو فيها هوية المعارضة البرلمانية، غير معروفة إلى الآن، رغم مرور أسبوعين على انطلاق المدة النيابية الثانية (2019 ــ 2024).
وبالرغم من إعلان بعض الأحزاب السياسية عن تموقعها في المعارضة، على غرار “الحزب الدستوري الحر”، وحزب “تحيا تونس”، فإنّ عدّة أحزاب وائتلافات برلمانية، لم تحسم تموقعها بين المعارضة، أو دخولها وانخراطها في الحكومة.
وضوح الموقف بالنسبة “للحزب الدستوري الحر”، و”تحيا تونس”، قابلته ضبابية بالنسبة
لــ “حركة الشعب”، و”التيار الديمقراطي” و”قلب تونس”، التي لم تحسم خياراتها بشكل نهائي، إذ ما تزال هذه المكونات الحزبية، مترددة بين الضفتين: الحكومة أو المعارضة.
بين الحكم… والمعارضة
وفيما يرى متابعون للشأن السياسي الوطني، بأن هذه الأحزاب الثلاثة، أقرب للاصطفاف في المعارضة، باعتبار ما يعلنونه بشكل يومي تقريبا، من أنهم سيكونون في المعارضة، وأنّ دخولهم للحكومة، يقترب من حالة الاستحالة، فإنّ مراقبين آخرين، يعتبرون أنّ الوضعية مختلفة من حزب إلى آخر..
فحزب “قلب تونس”، دخل في مشاورات منذ فترة مع” حركة النهضة”، تقوم على أساس تشريكه في الحكم، ضمن ما يشبه التحالف المستقبلي، والشراكة السياسية التي تمتدّ لمرحلة، قد تتواصل إلى غاية الانتخابات القادمة (2024).
وانطلقت هذه المشاورات بشكل أولي قبل حتى أن يدخل نبيل القروي إلى السجن، واستمرت وهو داخله، في مسعى “نهضوي” لاحتضان الحزب الثاني في البرلمان، كبديل عن “نداء تونس”، الذي تدحرج إلى الدرك البرلماني والسياسي الأسفل من المشهد الحزبي. وتبحث “حركة النهضة” في هذه المرحلة الجديدة التي حصدت فيها “أغلبية نسبية” في البرلمان (52 مقعدا)، عن شريك قادر على ضمان أغلبية برلمانية، وحزام سياسي للحكومة، التي اختارت لها رئيسا، وهو الحبيب الجملي، وترغب في أن يكون “قلب تونس” (38 مقعدا)، عمودها الثاني والأساسي.
وتحرص حركة النهضة، على تشكيل حزام سياسي واسع، يتألف من “قلب تونس” و”حركة الشعب” و”التيار الديمقراطي”، وشخصيات مستقلة من داخل البرلمان ومن خارجه، بغاية ضمان أغلبية مريحة في البرلمان، تضمن لها تمرير تشكيلة الحكومة المقبلة (109 أصوات على الأقل)، وبعض القوانين الأساسية، إلى جانب انتخاب الهيئات الدستورية، التي تتطلب نحو 140 صوتا.
وعلمت “الرأي الجديد”، أنّ تفاهمات بين “النهضة” و”قلب تونس”، تمت منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، تقضي بدخول الحزب تشكيلة الحكومة، بشخصيات يقترحها نبيل القروي من خارج الحزب، كمرحلة أولى، من أجل ضمان دخول “حركة الشعب” و”التيار الديمقراطي” إلى الحكومة، بعد أن اشترطا عدم وجود “قلب تونس”، ضمن التركيبة الحكومية المقبلة.
لكن وعلى الرغم من إعلان رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، تكتيكيا على الأقلّ، عدم استعداد حزبه الدخول في حكومة، يشارك فيها “قلب تونس”، وذلك بغاية استدراج محمد عبو وزهير المغزاوي، فإنّ موقف “الشعب” والتيار”، لم يتزحزح قيد أنملة، بل مارسا سياسة “الهروب إلى الأمام”، من خلال اشتراطهما برنامجا ثوريا للحكومة، بعناوين وصفت بــ “المبالغ فيها”، على غرار رفض التعاون مع صندوق النقد الدولي، وإعادة النظر في الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، ومكافحة الفساد بشكل جدّي، وتحييد وزارات السيادة، والاتفاق على خريطة طريق للحكومة، مع نقد واضح لأسلوب رئيس الحكومة المكلف، الحبيب الجملي، بشأن تعاطيه مع المشاورات بخصوص الحكومة المقبلة.
التشدّد.. والبراغماتية
وبدا الحزبان، موزعين بين موقفين:
ـــ الدخول للحكومة، وهو ما ترغب فيه عدّة أطراف من داخلهما، في إطار حرصها على ممارسة الحكم، والتخلي عن دور المعارضة، الذي لعبه الحزبان في المدّة النيابية الماضية، وقد لا يكون مفيدا لهما إذا ما استمرا فيه خلال المدة النيابية الجديدة، خصوصا وأنّ انتخاب الحزبين من قبل التونسيين، كان بغاية المشاركة في الحكم، وليس بهدف الجلوس على ربوة المعارضة.
ـــ البقاء في المعارضة، وهو ما تدفع باتجاهه، القيادة التقليدية للحزبين، وذلك لأحد اعتبارين اثنين، أحدهما، أنّ المعارضة فعل لا يحتاج إلى كثير جهد، وتكلفتها السياسية محدودة، وثانيهما، أنّ الدخول للحكم، سيساهم في تهرئة الحزبين، خصوصا وأنّ تحسين الوضع الاقتصادي المعقّد، يبقى أمرا صعبا، بما يجعل الحزبين يخسران شعبيا، وهو ما يتخوّف منه الطرفان..
وإذا كان موقف حركة الشعب، يبدو الأكثر براغماتية، خصوصا بعد أن تخلى عن شرط عدم دخول قلب تونس الحكومة، فإنّ “التيار”، يبدو الأكثر “تشددا” في موقفه، رغم التباينات التي تشق قياداته في علاقة بالحكومة المقبلة، والمساهمة في الحكم.
ويخشى الحزبان، من ناحية أخرى، أن يجدا نفسيهما في ذات الخانة مع “الحزب الدستوري الحرّ” و”تحيا تونس”، سليلي “التجمع الدستوري” والنظام المخلوع، أي على نفس خطّ المعارضة المقبلة، وهو ما يقلق ــ بالتأكيد ــ “التيار” و”الشعب”، على حدّ السواء..
والحقيقة، أنّ موقف المعارضة، بات بمثابة “اللغم” الذي يهدد كل من تسوّل له نفسه الاقتراب منه،، خصوصا بعد إعلان “الدستوري الحر”، و”تحيا تونس” الالتحاق بضفة المعارضة البرلمانية، وهو ما قد يحرج “التيار” و”حركة الشعب”، وغيرهما من المكونات السياسية والبرلمانية..
ومن المتوقع أن تكون الأيام القليلة المقبلة، حاسمة، في تحديد وجهة الحزبين في المشهد السياسي والبرلماني.
تموقعات غير حاسمة
من ناحية أخرى، أعلن حزب “الرحمة” الذي حصل على أربع مقاعد في البرلمان، أن موقعه سيكون في “المعارضة البنّاءة”، على حدّ تعبير زعيمه، سعيد الجزيري، رافضا الانخراط في حكومة، تقودها أو تقف خلفها حركة النهضة، فيما لم يتضح بعد مسار الكتلة البرلمانية الجديدة، “الإصلاح الوطني”، التي تضم 15 نائبا من أحزاب “نداء تونس” و”مشروع تونس”، و”البديل التونسي”، و”آفاق تونس”.. هل ستكون في الحكومة، أم تختار هي الأخرى الاصطفاف في المعارضة؟ وضمن أيّ سياق سياسي، مع أنّ مكونات هذه الكتلة، تنتمي إلى ما يعرف بــ “العائلة الدستورية”، وليست لديها تحفظات ذات بال على مجموعة “الدستوري الحرّ” ؟
في ذات السياق، لا يعرف إلى حدّ الآن، الموقف النهائي لمجموعة “ائتلاف الكرامة”، التي ما تزال تتأرجح بين الدخول للحكومة، وهو ما سوف يجعلها تؤكد علاقتها بحركة النهضة، وبأنها “أحد أجنحتها البرلمانية”، أو الانضمام إلى المعارضة، بما يضعها في ذات الصف مع “الدستوري الحرّ”، الذي يعتبره رفاق سيف مخلوف، “خطّ أحمر”، لا مجال للاقتراب منه مطلقا.
ولا شكّ أن التأرجح بين الضفتين، يؤشر إلى موقف لا يحسد عليه “ائتلاف الكرامة”، الذي يتوقع مراقبون، أن يكون خارج الحكومة، لكنّه ضمن الحزام السياسي والبرلماني لحكومة النهضة.
هكذا، وبقدر ما يبدو تشكيل الحكومة الجديدة، موقفا مربكا للبعض من أطياف العمل السياسي والبرلماني، بقدر ما يشكّل الالتحاق بالمعارضة، قرارا صعبا ومكلفا للعديد من الأطراف التي لديها تباينات مع “الحزب الدستوري الحرّ”، وزعيمته، عبير موسي، التي تبدو اليوم في وضع المتموقعة في مقدّمة الخطّ الأول للمعارضة، كما لو أنها محددة لهوية المعارضين الذي سيلتحقون بها.
فهل تتجه بعض الأحزاب إلى عزل “الدستوري الحرّ” في المعارضة، من خلال الانخراط في الحكومة، أم تشهد الساحة البرلمانية، تشكّل “معارضات متعددة”، بما يحيلنا على “بدعة” تونسية جديدة، قد لا تكون جادت بها تجارب برلمانية سابقة في العالم ؟؟
الأيام المقبلة، كفيلة بتقديم إجابة حاسمة على هذه الفرضيات والسيناريوهات المختلفة…