الحياة المثيرة والنهاية الغامضة للبغدادي..
عواصم ــ الرأي الجديد (مواقع + وكالات)
استفاق العالم صباح اليوم الأحد على أنباء قادمة من واشنطن تفيد بتنفيذ قوات أميركية عملية عسكرية قتلت بموجبها أحد أبرز المطلوبين زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي الذي ظل مختفيا منذ سنوات.
ما زالت الكثير من تفاصيل العملية التي جرت في الهزيع الأخير من الليلة البارحة غامضة ومغيبة، وتثير العديد من الإشكالات والتساؤلات أبرزها:
من قتل البغدادي؟
تفاجأ متابعو الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تويتر به وهو يكتب تغريدة مقتضبة جاء فيها “شيء كبير للغاية حدث للتو” دون أن يدلي بمزيد من التوضيح، وفي تلك الأثناء بدأت تسريبات تأتي من وسائل إعلام أميركية تفيد بتنفيذ عملية عسكرية ضد زعيم تنظيم الدولة.
ونقلت مجلة نيوزويك عن مسؤول بالجيش ومسؤول رفيع بوزارة الدفاع (البنتاغون) قولهما إن البغدادي قتل في إدلب شمال غرب سوريا في عملية “سرية للغاية” صادق عليها الرئيس قبل نحو أسبوع.
ووفقا للمجلة، فقد أرسلت القيادة المشتركة للعمليات الخاصة بالجيش فريقا لتنفيذ العملية بعد تلقي معلومات من المخابرات، وبعد مراقبة مجمع يختبئ فيه البغدادي فترة من الزمن.
وأوضحت أن مروحيات أنزلت القوات الخاصة عند المجمع، واقتحمه الجنود. وأضافت أنه وقع اشتباك بالأسلحة النارية لوقت وجيز ثم قتل البغدادي نفسَه بتفجير سترة ناسفة.
وبمجرد تأكيد وسائل إعلام أميركية -نقلا عسكريين للخبر- سارعت أطراف سورية وإقليمية إلى الإعلان عن دور لها في العملية.
فقد أعلن التلفزيون العراقي أن جهاز المخابرات ساعد في تحديد مكان زعيم داعش (تنظيم الدولة).
كما قال مسؤولان أمنيان لـ “رويترز” إن البغدادي قتل إلى جانب حارسه الشخصي الذي لا يفارقه أبداً في إدلب بعد اكتشاف مخبئه عند محاولته إخراج عائلته إلى الحدود التركية.
كما قال مسؤولان إيرانيان لوكالة “رويترز” إن مسؤولين سوريين أبلغوا طهران بمقتل البغدادي بعد أن حصلوا على المعلومات من الميدان.
من جهتها قالت وزارة الدفاع التركية إن الجيشين التركي والأميركي تبادلا ونسقا المعلومات قبل هجوم إدلب الذي قتل فيه البغدادي.
وغرد قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي على حسابه على تويتر قائلا “عملية تاريخية ناجحة نتيجة عمل استخباراتي مشترك مع الولايات المتحدة”.
كيف وصل إلى باريشا؟
كان الاعتقاد سائدا بأن البغدادي يختبئ إما في العراق أو المنطقة الحدودية مع سوريا، ولم يكن أحد يتوقع أن يختبئ في مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة والتي تعد خصما لتنظيم الدولة.
ولكن السؤال الأكبر: كيف وصل البغدادي أصلا تلك المنطقة، خصوصا أن عليه -وفقا لخبراء ومتابعين- المرور بمناطق تسيطر عليها أطراف الفاعلة بالساحة السورية سواء تعلق الأمر بالنظام وحلفائه الروس والإيرانيين، أو تعلق بـ “قوات سوريا الديمقراطية” وحلفائهم الأميركيين، وصولا إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية الحليفة لأنقرة.
وتفترض أغلب التحليلات هنا إلى أحد احتمالين: وجود تواطؤ من طرف ما مكن الرجل المطارد من كبريات أجهزة الاستخبارات الإقليمية والعالمية من الوصول إلى مكان بعيد عن الأنظار.
أما الاحتمال الثاني فيتعلق باستبعاد فرضية التواطؤ ولكن يوجد فساد يستغله الهاربون والمطاردون يمكنهم من العبور مقابل رشى.
ومن جانبها نقلت وكالة رويترز عن مسؤول تركي كبير قوله إن البغدادي “وصل إلى مكان العملية الأميركية قبل 48 ساعة من الغارة على حد علمي”.
من وفر له الحماية؟
تقع المنطقة التي تم فيها استهداف البغدادي تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، ولكن لا أحد حتى الآن يستطيع الجزم بما إذا كانت الهيئة على علم بوجوده هناك.
ومن المفارقات أن تلك الهيئة أعلنت قبل أكثر من شهر تقريبا عن قتل قياديين بتنظيم الدولة بينهم قائد التنظيم في إدلب، كما أن التنظيمين خاضا في السابق جولات مفتوحة من القتال، وبناء على ذلك يستبعد البعض فرضية علم هيئة تحرير الشام بوجود البغدادي وإيوائه ضمن نطاق سيطرتها، ويرون أن الرجل اختار منطقة بعيدة عن الشبهة مائعة السيطرة والنفوذ غير متوقع وجوده فيها.
بيد أن ما تحدث عنه مسؤول تركي لرويترز من أن البغدادي وصل مكان اغتياله قبل 48 ساعة، يطرح فرضية أخرى تتعلق باحتمال أنه لم يكن مقيما هناك إنما كان عابرا ربما نحو وجهة أخرى.
وهي فرضية يعززها ما ذكره مسؤول عسكري أميركي لـ فوكس نيوز من أنهم تلقوا تقارير عن مشاهدات للبغدادي في إدلب منذ بعض الوقت.
توقيت العملية
ويبدو توقيت عملية الاغتيال لافتا، فقد جاء بعد أيام من إعلان الولايات المتحدة سحب قواتها من شمال سوريا.
ويأتي أيضا في سياق داخلي خاص يتميز بتصاعد الضغط على ترامب وقرب الانتخابات الرئاسية.
وأعاد البعض التذكير بظروف وملابسات اغتيال اثنين من “رفاق” أو شيوخ البغدادي هما أبو مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن.
فقد اغتيل زعيم جماعة التوحيد والجهاد الأردني (الزرقاوي) قبيل أقل من سنتين على نهاية المأمورية الثانية للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، واستخدم عملية قتله كثيرا في سياق الكسب الداخلي والإنجاز على مستوى الحرب على الإرهاب.
ثم جاء قتل بن لادن في مايو/أيار 2011 قبيل شهور من إعلان باراك أوباما ترشحه لمأموريته الثانية، واستخدم الإنجاز ذاته بقوة في حملته الانتخابية.
ويأتي اليوم قتل البغدادي قبل نحو عام من الانتخابات الأميركية التي سيترشح ترامب فيها لمأمورية جديدة يواجه فيها مصاعب كثيرة.
من الخليفة القادم؟
سيهتم العالم بالخليفة الجديد الذي سيتولى إدارة تنظيم الدولة بعد البغدادي، وما إذا كان التنظيم سيعيد ترتيب أوراقه وكتائبه ويعمل على الاندماج مع كتائب أخرى، أم أنه سيحيل أمره إلى خليفة جديد سرعان ما تبدأ معركة أخرى في رحلة البحث عن خلافة جديدة؟
ليس من الواضح ما هي أهمية البغدادي العملياتية بالنسبة لتنظيم الدولة، لكنه كزعيم روحي وعقائدي سيكون لغيابه تأثير كبير على الجماعة، وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال” التي رأت أن غياب زعيم التنظيم من ساحة المعركة خطوة رمزية لكنها قوية.
ومن الراجح أن تنظيم الدولة كجماعة وتنظيم انتهى الآن: بتشتته وتفرقه ومقتل العديد من قادته البارزين، ولكن الظروف التي أدت لقيامه ما زالت قائمة وموجودة.
المصدر : مواقع + وكالات + الجزيرة نت