لندن ــ الرأي الجديد (مواقع إلكترونية)
نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية مقالا للمعلق روجر بويز، تحت عنوان “ربيع عربي جديد يهدد بالاندلاع”.
ويقول روجر بويز في هذا المقال، إن الأنظمة المتشددة والفاسدة من القاهرة إلى بغداد تكافح لإحكام الغطاء على المعارضة الجماهيرية.
ويوضّح بويز، إن “الغرب والعدد المتناقص من حلفائه في الشرق الأوسط لطالما ركزوا على مهمة هزيمة البلطجية الجهاديين من تنظيم الدولة، وكان هناك نوع من الإجماع المتداعي حول المهمة التي كانوا يقومون بها، والآن وقد تمت هزيمة الخلافة فقد فتحت أبواب جهنم”.
ويرى الكاتب أن “السبب هو التنازلات القبيحة التي قدمت لسحق عدو ذكي مثل تنظيم الدولة، ففي سوريا عبأت الولايات المتحدة في ظل باراك أوباما ودونالد ترامب، الأكراد، وجندتهم بصفتهم جنودها الانكشاريين الذين عبروا عن استعداد للمخاطرة في حياتهم في الميدان، وفعلت أمريكا هذا مع معرفتها أنهم لم يكونوا جنودا خبراء فقط، فأحد الفصائل كان مرتبطا بالحركة الانفصالية، حزب العمال الكردستاني، الذي ظل شوكة في خاصرة تركيا ولأكثر من 40 عاما”.
ويضيف روجر بويز، بأنه “كانت هناك فاتورة يجب دفعها، وهي أن تقوم تركيا، عضو الناتو، بمباركة من الرئيس دونالد ترامب باحتلال جزء في منطقة حساسة من العالم، التي ستواجه فيها قوة عصابات، اعتبرت نفسها يوما حليفا للولايات المتحدة وشريكتها في التحالف ضد تنظيم الدولة، وهي قوة تقوم بحراسة الآلاف من أسرى تنظيم الدولة، فهل سيكون الوضع في حالة فوضى أكثر من هذا؟”.
ويجيب بويز قائلا، “نعم؛ لأن الكثير من المستبدين في الشرق الأوسط اعتبروا تنظيم الدولة بمثابة الهدية، وقبل أن تتاح الفرصة للجميع ليستنشقوا هواء الربيع العربي عام 2011 كان الحكام القساة يسيطرون على مناصب قادة كانوا أقل وحشية منهم، ففي مصر وفي العراق قدم القادة الأقوياء أنفسهم على أنهم حماة لاستقرار البلاد بدلا من الفوضى، وكان تهديد تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة حقيقيا، وكذلك فكرة تمزق المجتمعات بسبب العنف الطائفي، والآن وبعد هزيمة تنظيم الدولة أو أسر قادته، لم تعد لدى القادة أي ذريعة لتبرير القمع”.
ويشير الكاتب إلى أن “أبناء الطبقة المتوسطة والمهنيين ورجال الأعمال، الذين همشهم الجيش الحريص على مصالحه وسدنة النظام والقائمون على دعايته، يقومون بالتحالف مع الطلاب والعمال، ويطالبون بإصلاح شامل للحكم والوفاء بوعود قطعت قبل ثمانية أعوام”.
ويلفت روجر بويز، إلى أن “المحتجين في مصر شعروا بالغضب عندما شاهدوا أشرطة فيديو كشفت عن تبذير الرئيس عبد الفتاح السيسي ملايين الدولارات على بناء القصور، وجوهر النقد هو أن الجيش المصري، الذي تقوم شركاته بالإشراف على بناء المدن الجديدة، التي يفترض أنها جزء من مشروع التحديث الوطني للسيسي، يقوم بتقوية عشه، أو رعاية مصالحه، مع أن نسبة الفقر زادت من 25.2% عام 2010 إلى 32.5% هذا العام”.
وينوه بويز، بأن “رجال الأعمال يشعرون بالضيق، فيما تكمم أفواه الأكاديميين، وتشعر العائلات بالغضب على قطع الدعم عن الأرز والباستا، في وقت يعيش فيه الجنرالات وأبناؤهم في رفاهية ورغد، ويتساءلون هل كان عام 2011 من أجل هذا الوضع؟”.
ويستدرك الكاتب بأن مصر تغلي في الداخل، بحسب الناشط محمد زريع، مشيرا إلى أن الاحتجاجات الشهر الماضي أدت إلى اعتقال الآلاف، وتم اعتقال الكثيرين في معسكرات الأمن المنتشرة حول القاهرة؛ لأن الزنازين العادية باتت مزدحمة.
ويقول روجر بويز، إن “السيسي يخشى من الأثر الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي على المزاج العام، فقد تم استخدام هاشتاغ “كفاية يا سيسي” مليون مرة، وهو يخشى من انتشار السخط بين الطلاب والعمال في المصانع ومن المدن إلى الأرياف”.
ويعلّق الكاتب قائلا إن “الحكم من خلال العصبية لا يؤدي في النهاية إلى الإصلاح، وفهمت جماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة المحظورة، الثغرة بين الفقير والغني، لكن السيسي ليست لديه هذه الحساسية، وربما ستكون مقتله”.
ويشير بويز إلى تظاهرات العراق التي تم قمعها بوحشية أشد، ففي اسبوع واحد قتلت قوات الأمن أكثر من 100 شخص، وجرح أكثر من ألفين شخص.
ويرى الكاتب أن “جذور السخط في العراق مشابهة لما في مصر، رغم نهاية المعارك الرئيسية ضد تنظيم الدولة والموارد النفطية العالية، فلم يتم استثمار أموال كافية لخلق وظائف عمل للشباب، أو لتحسين الخدمات، وغضب المحتجون أكثر على عزل جنرال أدى دورا في العمليات ضد تنظيم الدولة في الموصل والفلوجة، ورفض الخضوع لضغوط حلفاء إيران من جماعات الحشد الشعبي، وموقفه من الفساد جعله رمزا للتظاهرات”.
ويبين روجر بويز، أن “ما يجري في العراق ليس اضطرابات طائفية، لكنها احتجاجات على سيطرة الأطراف السياسية على الوظائف والعقود وتسييس الجيش”.
ويلفت بويز إلى أنه “في كل المنطقة تبحث الأنظمة عن الرجال الخاسرين لتحميلهم المسؤولية، والمشتبه بهم معروفون، قطر وتركيا والإخوان المسلمين، مع أن المشكلات نابعة من الداخل، ومن الحلول التي تتبعها الحكومات، التي عادة ما تتسم بالوحشية وأسوأ من الوحشية السابقة”.
ويرى الكاتب أن “الدول التي تحتفل اليوم بهزيمة تنظيم الدولة تقوم بخلق الظروف لولادة تنظيم الدولة رقم 2، فبدلا من التركيز على بناء مؤسسات الدولة يقوم الساسة بالتركيز على بناء القصور، والتحدي الأكبر لهذه الأنظمة هو كيفية بناء نظام سياسي يستقي شرعيته من الشعب”، مؤكدا، “وحتى يحصل هذا الأمر فإن الحكام سيظلون يديرون أنظمة ضعيفة وغير مستقرة، تتعثر دائما في المشكلات، ويقول ترامب إنه يهدف بسحب القوات الأمريكية لإنهاء الحروب الدائمة، لكنها ستظل مشتعلة بالأمريكيين أو دونهم”.
