تحذير إسرائيلي من نوايا السلطة الجديدة في سوريا بقيادة الجولاني
فلسطين المحتلة ــ الرأي الجديد
نشرت صحيفة “جيروساليم بوست” العبرية، مقالي رأي، يحذّر فيهما الكاتبان ممّا وصفوه بـ”خطورة التطورات على الساحة السورية، ونوايا السلطة الجديدة التي تولّت مقاليد الحكم في دمشق، بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني”.
وقال الكاتب، موشيه فوزايلوف، في المقال الأول بعنوان “جولاني هيئة تحرير الشام ليس براغماتيا بل استراتيجيا محنّكا”، إنّ: “الكثير من الباحثين والصحفيين والمسؤولين في الغرب، ينظرون إلى أبو محمد الجولاني كشخصية براغماتية، لكن هذا الاعتقاد يعكس حسب رأيه التحيزات الثقافية للغرب أكثر مما يعكس الواقع في الشرق الأوسط”.
واعتبر فوزايلوف، الذي له تجربة تمتد لـ30 سنة في غرف الاستجواب مع بعض من أخطر “الإرهابيين” والجواسيس العرب، أنّ: “فهم السبب وراء هذه النظرة، يفرض البحث في كيفية تأثير الثقافة الغربية على التصورات بشأن القادة في الشرق الأوسط، وكيف يلعب الجولاني نفسه دورًا في هذه اللعبة الدبلوماسية المعقدة”.
اختلافات ثقافية أساسية
وأضاف أنّ: “الغرب مقيد منطقيًا بتحيزاته الثقافية في فهم الشرق الأوسط، بسبب الاختلافات الثقافية الكبيرة بين المنطقتين، فالتفكير الغربي نتاج ثقافي لأكثر من قرن من الحروب المدمرة في أوروبا، وهي صراعات أعادت تشكيل النظام العالمي، وأدت إلى تبني قيم مثل السلام والازدهار والتعاون بين الأمم”.
وأبرز: “بعد حربين عالميتين أسفرتا عن مقتل عشرات الملايين من الناس ومعاناة هائلة، أصبحت الثقافة الغربية تتمحور حول الطموحات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وحقوق الإنسان والتناغم الدولي”.
“على النقيض من ذلك، تطور الشرق الأوسط “على مدى الثلاثين سنة الماضية، هيمن الشيعة بقيادة إيران على المنطقة من خلال التحالفات والتهديدات، أما في الوقت الحالي، يكتسب التحالف السني بقيادة تركيا وجماعة الإخوان المسلمين قوة متزايدة، خاصة بعد الإطاحة بالأسد”.
وذكر الكاتب أنّ: “المسؤولين والصحفيين والباحثين الغربيين، يكافحون من أجل المواءمة بين صورة الزعيم الجهادي الذي استولى على السلطة في سوريا، والسياسي الذي يقدم نفسه للعالم كقائد براغماتي”.
توجيهات أردوغان
“كيف يسد العقل الغربي هذه الفجوة؟” يرى الكاتب ذاته، أن: “ذلك يتم من خلال آلية التشويه المعرفي، وهذه الآلية تعمل على النحو التالي: من أجل المواءمة بين التوقعات والواقع، يفسّر المراقبون الغربيون تصرفات الجولاني على أنها تشير إلى حدوث تغيير في شخصيته”.
أيضا، وفقا للكاتب: “يُنظر إلى ارتدائه ملابس غربية، وتجنب استخدام العنف المفرط ضد مواطنيه، واستخدام لغة دبلوماسية، على أنها دليل على براغماتيته، إلا أن الحقيقة هي أن تصرفات الجولاني لا تعكس القيم الغربية، بل تعكس استراتيجية إسلامية تُعرف باسم: التّقية”.
اعتبر الكاتب أنّ: “الجولاني لديه مرشد بارع هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو الذي ساعده على خداع الغرب”، مضيفا أنّ: “تركيا التي تعتبر معقلا لجماعة الإخوان المسلمين، تتفوق في التلاعب الدبلوماسي وفي تشكيل تصورات الغرب، وهو ما حدث من خلال تعليمات إلى الجولاني بكيفية إظهار واجهة براغماتية تخدم أهدافه الإيديولوجية والسياسية”.
وزعم أنّ: “إحدى التكتيكات الرئيسية في استراتيجية الجولاني هي مفهوم “الهدنة” – أي التعليق المؤقت للأعمال العدائية – وهو مستمد من التاريخ الإسلامي”.
الوهم الغربي
تابع الكاتب، أن “الباحثين والسياسيين والصحفيين في الغرب، الذين يفتقرون إلى فهم السياق الثقافي والديني، يفسرون تصريحات الجولاني وتصرفاته على أنها خطوة نحو تبني نسخة حديثة من الإسلام، لكن الحقيقة البسيطة -حسب تعبيره- هي أن الجولاني لا يزال يعتنق الفكر الجهادي من الناحية العقائدية، ولا تشمل أهدافه على المدى البعيد السلام أو الازدهار بالمفاهيم الغربية”.
وختم الكاتب قائلا: “يجب على الغرب أن ينظر إلى الشرق الأوسط وقادته من خلال عدسة واقعية تستند إلى فهم السياق الثقافي والديني في المنطقة”.. واتهم الجولاني بأنه: “ليس براغماتيًا بالمعنى الغربي، بل هو استراتيجي ماهر، يستخدم الدبلوماسية والتاريخ الديني والمفاهيم الغربية المغلوطة، لتحقيق أهدافه”.
لا لتخفيف العقوبات
من جانبه، اعتبر الكاتب، إريك ماندل، في مقال آخر بصحيفة “جيروساليم بوست” العبرية، أنه: “ليس من صالح الغرب أن يرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا في الوقت الحالي”، مشككا في الوقت نفسه من الصورة التي يريد حكام سوريا الجدد إظهارها للعالم.
وقال الكاتب إن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، نشرت مقالًا افتتاحيًا، متخفيًا في شكل مقال إخباري، على الصفحة الأولى، دعت فيه الغرب إلى “تخفيف العقوبات المالية لمساعدة الاقتصاد السوري”.
وأضاف أن الكاتبة، باتريشيا كوهين، كتبت في هذا السياق أن “هناك اتفاقا واسع النطاق على أن الخطوة الأكثر أهمية في إعادة بناء الاقتصاد السوري، لا يمكن أن تقوم بها إلا الولايات المتحدة: رفع العقوبات”.
وأضاف أنّ: “تاريخ الجهاديين السنة الذين يسيطرون على الدول الاستبدادية، ويعدون بالاعتدال والتسامح مقابل التطبيع مع الغرب ليس مشجعًا، مشيرا إلى حركة طالبان في أفغانستان، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والفوضى المستمرة في ليبيا ما بعد القذافي”.
وتابع: “أضف إلى ذلك التعذيب، وفرض الشريعة الإسلامية بشكل صارم في محافظة إدلب التي كانوا يديرونها في شمال غرب سوريا، وإدارة السجون السرية، وقتل الصحفيين، وقمع النساء، وإعدام المعارضين، واستخدام الأطفال كجنود”.
ونقل الكاتب عن الخبير في مكافحة التجسس والإرهاب في معهد واشنطن، ماثيو ليفيت، قوله: “يجب أن لا تستند السياسة الأمريكية في سوريا مستقبلا على الثقة بأقوال المسؤولين السوريين الجدد، بل على التحقق من أفعالهم… قبل التفكير في رفع العقوبات”.
المساعدات الخارجية أداة مهمة
أكد الكاتب أن وجهة نظره تستند إلى إيمانه بأهمية وفعالية المساعدات الخارجية الأمريكية التي تخلق نفوذًا وتأثيرًا أمريكيًا كبيرًا، والتي تبقى واحدة من أهم أدوات تعزيز مصالح الأمن القومي الأمريكي، رغم آراء الانعزاليين.
وأبرز الكاتب أنّ: “الدافع الأمريكي هو مساعدة المدنيين المتضررين من الحروب في غزة ولبنان وسوريا، ويتفق هذا الدافع مع مصالح الولايات المتحدة القائمة على قيمها كمنارة للديمقراطية، ولكن المساعدات ستؤدي إلى نتائج عكسية وستكون مضيعة لأموال دافعي الضرائب الأمريكيين ما لم يتم التأكد من نوايا الحكومة الجديدة في دمشق”.
وحسب رأيه، فإنه: “لا تزال الحكومة اللبنانية خاضعة لهيمنة حزب الله، الحركة المدعومة إيرانيًا، ومساعدات إعادة الإعمار في البلاد لن تكون استثمارًا أمريكيًا جيدًا ما لم تتحرر الحكومة اللبنانية القادمة من الحزب، مشددا على أنه لا ينتظر تغييرًا حقيقيًا في دولة لبنان الفاشلة خلال الانتخابات القادمة”.
إعادة الإعمار
أما في غزة، فتابع بأنه: “المساعدات الإنسانية ضرورية، لكن إعادة بناء البنية التحتية للقطاع قبل التأكد من عدم عودة حماس إلى السلطة هو استثمار سيء لتعزيز مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حليفتها إسرائيل”.
ويتابع: “إذا كانت حماس تعتقد أن المناطق المدنية التي تستخدمها لمصانع الأسلحة واحتجاز الأسرى وإخفاء الذخائر سيتم إعادة بنائها كما حدث بعد الحروب السابقة منذ 2008، سيتم التلاعب بالولايات المتحدة مرة أخرى، ويجب أن نرفض ذلك”.
وختم الكاتب بأنه: “قبل الابتهاج بصعود هيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم، والاقتناع بتصريحات مبعوث الأمم المتحدة لسوريا، غير بيدرسن، الذي قال إن قادة المعارضة السورية أدلوا بـ”تصريحات مطمئنة” حول تشكيل حكومة “وحدة شاملة”، يجب أن تتوقف الولايات المتحدة قليلا وتتذكر المبادئ الأيديولوجية المتطرفة لهيئة تحرير الشام”.
وحسب تعبيره: “يجب أن تضع الإدارة القادمة خطة لمساعدة سوريا عبر استراتيجية العصا والجزرة؛ أي أن تكافئ الخطوات الملموسة تجاه الموقف الأمريكي، وتستمر في استخدام عصا العقوبات..”.
واستطرد: “يجب أن يكون نهج الولايات المتحدة هو تقديم المساعدات الإنسانية، ولكن لا للمساعدات الأمريكية لإعادة الإعمار أو تخفيف العقوبات، إلى أن تتأكد بشكل لا لبس فيه أن سوريا لن تكون جهادية”.