أهم الأحداثٱقتصاد وطنياقتصادياتبكل هدوء

هل تؤكل الثورة السورية من نفس الأفواه التي أكلت ثورتي تونس ومصر والربيع العربي ؟؟

بقلم / جنات بن عبد الله

بعد تكليف المهندس محمد البشير بتشكيل حكومة سورية جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية، بدأ الحديث عن إعادة اعمار سوريا والملف الاقتصادي بصفة عامة. وذهبت عديد الأطراف للحديث عن مخطط “مارشال” سوري لإعادة الاعمار على غرار المسار الذي انخرطت فيه أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي كل هذه التحاليل والأطروحات، لم يتم التطرق الى التجربتين التونسية والمصرية في مجال الملف الاقتصادي، بعد اندلاع الربيع العربي بهما، رغم القواسم المشتركة بين التجارب الثلاث عكس التجربة الأوروبية وغيرها، من تجارب العالم في مجالي الانتقال السياسي الديمقراطي والانتقال الاقتصادي.

استعمار اقتصادي يلتحف بالانتقال الديمقراطي

النجاح الذي حققه الشعب السوري في معركته ضد الديكتاتورية والاستبداد، يدخل اليوم مرحلة جديدة من التهديد الدولي والداخلي أيض،ا لا تقوم مواجهته على السلاح والدبابة، ولكن على الدهاء السياسي والفطنة، وخاصة الاتعاظ بتجارب قريبة من التجربة السورية ونقصد هنا التجربتين التونسية والمصرية في معركة الخلاص من الاستعمار الاقتصادي الجديد، الذي يلتحف بغطاء المساعدة على الانتقال الديمقراطي والانتقال الاقتصادي.

عملية الاتعاظ بتجربة الآخر، تبقى ضبابية وبلا معنى في غياب فك شفرة هذا الاستعمار الجديد الذي أعلن عن نفسه في قمة “دوفيل” التي انعقدت مباشرة بعد اندلاع “الثورة “في تونس ومصر، وتحديدا يومي 26 و27 ماي 2011 بدعوة من فرنسا زعيمة الفكر الاستعماري في منطقة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، هذه القمة كانت الآلية الدولية للالتفاف والانقضاض على استحقاقات الشعبين التونسي والمصري.

ولعل الخطوة الأولى والبديهية لفك الشفرة الأولى لهذا المسار المضاد لثورات “الربيع العربي”، هي حصيلة التجربتين التونسية والمصرية في المجال الاقتصادي لنقف عند نتائج رهيبة وخطيرة، يعيش على وقعها الشعبان التونسي والمصري، ويمكن اختزالها في مؤشرين اثنين:

مؤشرات بارزة

** فالنسبة للتجربة التونسية يكفي الاستشهاد بنسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي سقط في المنطقة الصفرية، ليروي قصة شعب تعمقت معاناته مع الفقر والخصاصة والبطالة والجوع والجهل والتبعية تجاه المؤسسات المالية الدولية والقوى الاستعمارية الجديدة القديمة.

** أما بالنسبة للتجربة المصرية، فيكفي أيضا الاستشهاد بانهيار قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، وبيع السلط المصرية لأصول وممتلكات الشعب المصري بكل أريحية،  تحت أنظار الشعب المصري من أراضي وجزر وشركات عمومية، تشكل مفخرة الاقتصاد المصري، كل ذلك تحت غطاء آلية تحويل الديون إلى استثمارات، بعد استدراج البلدين إلى فخاخ التداين الخارجي.

هذه النتائج الكارثية في المجال الاقتصادي، أعادت الشعبين إلى مربع الفقر والخصاصة لما قبل “الثورة”، وسط تجاهل السلط العمومية لعمق الأزمة وتداعياتها الخطيرة، ووسط مباركة المؤسسات المالية الدولية، وصمت المجتمع الدولي عن الانتهاكات الاجتماعية الناتجة عن تطبيق برنامج الإصلاحات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي في البلدين، واتفاقيات الشراكة المبرمة مع الاتحاد الأوروبي، باعتبار عضوية البلدين في مسار الشراكة الأورو ـ متوسطية.

قمة الثمانية.. وبداية الإنهيار

رحلة انهيار البلدين انطلقت بعد قمة الثمانية، قمة الالتفاف على ثورات الربيع العربي، والتزام البلدين، تونس ومصر، بما جاء في إعلان “دوفيل” للشراكة الذي دعا صندوق النقد الدولي إلى مساعدة البلدين في انتقالهما الديمقراطي والاقتصادي مقابل تعهدهما بمبدأ استمرارية الدولة، بما يعني عدم المس باتفاقيات الشراكة مع الشريك الأوروبي، وعدم المس بمصالح الشركاء الأوروبيين.

لقد كان التعهد بمبدأ استمرارية الدولة بمثابة السم الذي تجرعته الدولة الوطنية للقضاء على مقوماتها السيادية، وضمان استمرارية الدولة العميقة في تأمين مصالح المستعمر ومن يمثله في الداخل، بما في ذلك القوانين والتشريعات والمؤسسات السياسية والمالية والاقتصادية وأيضا اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، التي تسببت في تدمير كل مقومات الاقتصاديات الوطنية.

كما كان دخول صندوق النقد الدولي على الخط، لتأمين الانتقال الديمقراطي، بمثابة السقوط الإرادي في فخ المديونية الأبدي.

المعضلة مع صندوق النقد الدولي

ويمكن في هذا المستوى استحضار التجربة التونسية مع الصندوق، حيث كانت مصافحته الأولى بعد الثورة مع رئيس الحكومة بعد انتخابات 2011، السيد حمادي الجبالي الذي رفض الاقتراض من الصندوق أنذاك، باعتبار سلامة الاحتياطي التونسي من العملة الأجنبية، إلا أن الصندوق أصر على الدخول الى تونس من باب تقديم المساعدة الفنية لخبرائه، للإدارة التونسية، مساعدة، الغاية منها إحكام القبضة على الإدارة العميقة الساهرة على تسيير شؤون الدولة، وكان أول قرض تحصلت عليه تونس من صندوق النقد الدولي في سنة 2013 بقيمة 1.7 مليار دولار، مقابل شروط واضحة تتمثل في اتباع سياسة مالية عمومية، تستند إلى التقشف وتغيير النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي، وإقرار القانون الجائر لاستقلالية البنك المركزي،، والذي كان كارثيا على الاقتصاد التونسي،  وغيرها من الشروط التي فتحت الطريق لمزيد الاقتراض من الصندوق، باعتبار أنه كلما اقترضنا من الصندوق، كلما ازددنا فقرا، وهذا ما حصل لتونس بعد 14 سنة من اندلاع “ثورتها”، وحال مصر هنا، لا يختلف البتّة عن الوضع في تونس.

سوريا في مواجهة المصير التونسي والمصري

سوريا مهددة اليوم، رغم ضخامة تضحيات شعبها، بالاستدراج نحو نفس المصير، مصير مستنقع التبعية والمديونية والفقر والخصاصة، ولكن أمام سوريا اليوم محاذير لم تكن متاحة أمام من تسلموا السلطة أنذاك في تونس ومصر حيث كانوا مجردين من التجربة، والخبرة بمكايد الغرب والاعيبه للاستحواذ على مقدرات الشعوب. كما أن الشعب السوري على بينة اليوم من حقيقة الغرب الذي سقطت أقنعته في غزة، وهو مدعو إلى التعامل مع الأخر بحنكة ودهاء وحكمة، هذا الآخر المتمركز في الداخل والخارج.

فسوريا عضو في مسار برشلونة للشراكة الأورو متوسطية، الذي انطلق في سنة 1995 والذي يضم أيضا إسرائيل، وإعلان قمة “دوفيل”، تحدث عن سوريا في البيان الختامي الذي هدد سوريا “بتحرك دولي إذا لم توقف قمع التظاهرات”، كما حذر قادة مجموعة الثمانية من “أنه إذا لم تستجب السلطات السورية إلى هذا النداء، فسوف يدرسون تحركا في مجلس الأمن”.

ثلاثة عشر سنة مرت على هذا النداء، تراكمت خلالها المعاناة والتضحيات والخسائر، وعم الدمار الشامل على البلاد والعباد… ولم يتحرك مجلس الأمن… ولا مجموعة الثمانية لإيقاف الدمار والنزيف، ولكن هذه المجموعة ستتحرك اليوم وبكل سرعة للالتفاف على ثورة الشعب السوري، وتفعيل آليات إعلان “دوفيل”، الذي يعدّ فخا لثورات الربيع العربي، وامتصاص تطلعات الشعوب العربية للحرية والكرامة. وسيدق صندوق النقد الدولي أبواب الحكومة الانتقالية لتقديم المساعدة الفنية والمالية، وسيفرش الاتحاد الأوروبي السجاد الأحمر لرئيس الحكومة الانتقالية، لسلب كل سيادته وإرادته.

سوريا اليوم أمام امتحان الوطنية والتبعية، وبيدها أوراق التحرر الوطني الحقيقي، وما عليها إلا الاستماع إلى صرخات وصيحات الشعبين التونسي والمصري المحذرة من الارتماء في أحضان الغرب تحت غطاء قمة “دوفيل”، وإعادة إنتاج أساليب الإبادة والتفكيك التي مورست في تونس ومصر طوال العقد الأخير.

** كاتبة وخبيرة في الشأن الاقتصادي

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى