خطاب الصعود الإسلامي الجديد
بقلم / طارق الزمر
في ظل الفرص الكبرى والتحديات الراهنة التي تواجه العالم العربي والإسلامي، يبرز سؤال محوري: كيف يمكن أن يكون خطاب الحركات الإسلامية الذي يحمل مشروع استئناف الحضارة الإسلامية: مؤثرا، وجامعا، ومحققا لطموحات الأمة، ومتجنبا لسلبيات الخطاب السابق؟ الإجابة تكمن في تصميم خطاب جديد يعكس قيم الإسلام الأصيلة، ويربط بين العدالة، والحرية، والمقاومة والاستقلال، والوحدة، والتنمية، والهوية الإسلامية، والشراكات والتحالفات، في مسار متكامل يعالج تحديات الحاضر ويصوغ رؤى المستقبل.
فالخطاب الجديد هو الخطاب الذي يعيد تموضع الحركات الإسلامية في إطار التمهيد لمشروع استئناف الحضارة الإسلامية، كما يجب أن يكون شاملا ومتكاملا، يعكس القيم الأصيلة للأمة الإسلامية، ويواجه تحديات العصر برؤية مستقبلية واضحة. إنه خطاب يرسخ الكرامة الإنسانية، ويربط بين الهوية الإسلامية والشراكة الإنسانية، ليضع الأمة الإسلامية في موقع يتناسب مع تاريخها وإسهاماتها ودورها في تشييد الحضارية الإنسانية. هذا الخطاب له محددات يلزم التمسك بها مثل: وضوح الرسالة، والتركيز على القيم الأساسية، والتكامل بين الفكر والعمل، واستهداف الفئات المؤثرة:
** إنه الخطاب الذي يُبرز “العدالة” كقيمة محورية في نسق القيم الإسلامية، فالعدالة هي قلب المشروع الحضاري الإسلامي، وهي ليست مطلبا محليا فحسب، بل قيمة عالمية يتطلع الجميع لتحقيقها. الإسلام يقدم نموذجا يؤكد حقوق الإنسان، ويدعم الحرية، والمساواة في مواجهة الظلم والعنصرية والاستعمار، وفي هذا الإطار يجب أن يركز الخطاب الجديد على تقديم الإسلام كنظام عالمي ينشد تحرير الإنسان من كل أشكال الاستعباد والظلم.
** إنه الخطاب الذي يعلن ويعلي من شأن “المقاومة” كطريق للتحرر، فالمقاومة في الخطاب الجديد ليست مجرد عمل عسكري، بل هي تعبير حضاري شامل لتحرير الشعوب من الاحتلال والعنصرية والاستبداد. كما يجب وضع مقاومة المشروع الصهيوني العنصري ودعم الشعب الفلسطيني في إطارهما الصحيح، فهي ليست قضية خاصة بالعرب أو المسلمين فقط، بل هي قضية إنسانية لأنها تمثل أبرز وأشرف نماذج المقاومة دفاعا عن كرامة الإنسانية جمعاء. ومن هذا المنطلق، يصبح دعم المقاومة جزءا لا يتجزأ من إنسانية الشعوب، فضلا عن أنه ركن أساسي من مشروعنا للنهضة.
** التأكيد على قيم “الوحدة الإسلامية” في زمن تسود فيه الانقسامات الطائفية والعرقية، وتتسع مساحات تفكيك الدول والحروب الأهلية، حيث يحتاج الخطاب الجديد إلى الدعوة “لوحدة الأمة”، وهي الوحدة التي لا تلغي التنوع، بل تؤكد الهوية الإسلامية الجامعة، التي تركز على القضايا الكبرى مثل مكافحة الهيمنة ورفض التبعية والدعوة للاستقلال وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحرير فلسطين، وهو بالضرورة الخطاب الوطني الجامع الذي يحاصر الاستقطاب السياسي والأيديولوجي ويؤسس للتحالفات الوطنية، متجاوزا الخلافات الفرعية التي تستغرق الجهد وتشتت التركيز على الغايات الكبرى.
** إنه الخطاب الذي يرمم الصفوف ويلملم الخلافات والجراح ويقضي على الفتن والنزاعات في مهدها، وخاصة وقد أصبحت منطقتنا مفتوحة على مصراعيها لتحولات كبرى، كما تتميز مشكلاتها بالتقاطع الحاد والشديد، في ظل تناقضات عديدة، سياسية، وفكرية، واستراتيجية، فضلا عن العرقية، والطائفية، والتي أعد لها خصوم أمتنا مخططات كاملة لتفجيرها، والعمل على استغلالها في إطار استكمال مشروع هيمنتهم حتى نهاية التاريخ! علما بأن أخطرها هو التناقض الشيعي السني، الذي وُضعت مخططات تفصيلية لتفجيره، كما يعول عليه المشروع الأمريكي الصهيوني في إصابة المنطقة بالشلل، وذلك لإحكام القبضة على كل مداخلها ومخارجها!
** إنه الخطاب الذي يستخرج بُشريات المستقبل من بين أنياب مرارات الواقع، ويؤكد على الأمل برغم الألم، ويحاصر اليأس، ويطارد الإحباط، وينتصر على الأوجاع، ويستنهض الشعوب، ويستثمر كل طاقاتها.
** إنه الخطاب الذي يحض على “التكامل” بين الحركات الحية، فلا يمكن أن يتحقق المشروع الحضاري الإسلامي إلا بتكاملها بدلا من تناحرها وتآكلها، وهو ذات الخطاب الذي يحض على انخراط الحركات الإسلامية في نسيج مجتمعاتها والانغماس في مشكلاتها وهمومها، وذلك بتضافر وتكامل الجهود بين الشعوب والحركات الإسلامية. هذا التكامل يعكس رؤية تجمع بين مجهودات وأنشطة ومجالات عمل الحركات الإسلامية، وبين تطلعات المجتمعات وأهدافها باعتبارها جزءا أصيلا من النسيج الشعبي.
** إنه الخطاب الذي يقدم الإسلام كقوة للبناء وطاقة للعمران، فالإسلام ليس دينا للعبادات فحسب، بل هو دعوة شاملة لبناء الإنسان والمجتمع، ولهذا يجب أن يُبرز الخطاب الجديد الإسلام كقوة تدفع نحو النهضة والعمران والتنمية الشاملة، التي تعالج مشكلات الفقر، والتعليم، والصحة، فالتنمية ليست خيارا، بل شرطا أساسيا لتحقيق الكرامة الإنسانية.
** كما يجب ربط التنمية بالمقاومة، فالتحرر والتنمية هما وجهان لعملة واحدة، ولهذا فمقاومة الاحتلال والاستبداد تمهد الطريق لتحقيق تنمية مستدامة تضع المجتمعات على طريق التقدم، وهنا يصبح من الضروري تقديم مشاريع عملية تجمع بين دعم المقاومة وبناء المجتمعات.
** لا بد من استعادة خطاب الإسلام كحضارة إنسانية، فالإسلام يقدم نموذجا حضاريا يعالج مشكلات الإنسان، بعيدا عن الهيمنة والاستغلال، ويجب أن يتوجه الخطاب الجديد للعالم من هذا المنطلق، ويركز على القيم الإنسانية المشتركة مثل: العدالة، السلام العالمي، وحقوق الإنسان.
** ضرورة بناء الشراكات الدولية، فالحركات الإسلامية قادرة على أن تكون شريكا عالميا يدافع عن القضايا العادلة في مناطق العالم المختلفة، وهذا يتطلب دعوة القوى والحركات والأحزاب العالمية المناهضة للصهيونية والهيمنة الغربية إلى تحالفات نوعية، مما يستعيد موقع الإسلام كحاضنة للتعاون المدني والسياسي الدولي لمكافحة الظلم.
** ضرورة التجديد لمواكبة المستجدات والتصدي الكفؤ للتحديات، فالخطاب الجديد يجب أن يكون مرنا، يعالج القضايا المستجدة بأسلوب يناسب العصر، كما أن الشباب باعتبارهم الجمهور المستهدف الأكبر، يحتاجون إلى لغة حديثة تجمع بين الأصالة الإسلامية ومواكبة هموم العصر ومشكلاته.
** الوسطية والاعتدال كقيمة أساسية، فالإسلام دين وسط بين الأديان، كما أنه دين يوازن بين القيم الروحية والاحتياجات الواقعية. والخطاب الوسطي يعكس القيم الحقيقية للإسلام، بعيدا عن التطرف والغلو الذي يحاول الخصوم الصاقه بالإسلام لمحاصرة فاعليته، كما أن الوسطية تقدم الصورة الإيجابية الحقيقية للإسلام كقوة بناء لا هدم، وهو ما يلزم تبني موقف واضح تجاه الحركات المسيئة والمنسوبة زورا للإسلام مثل داعش.
** الشباب كقادة المستقبل، هم أهم المستهدفين بالخطاب الجديد، فالشباب هم العمود الفقري لأي مشروع حضاري، ويجب أن يتوجه إليهم الخطاب الجديد بلغتهم، ويربطهم بالمشروع الحضاري من خلال الثقافة، والتعليم، والتدريب، وإشراكهم في صنع القرار، فتمكين الشباب يعني تمكين الأمة.
وكما لا يمكن أن ينهض مجتمع بدون شبابه فلا يمكن أن ينهض بدون المرأة، وعلى هذا يجب أن يؤكد الخطاب الجديد على مكانة المرأة في المشروع الحضاري، ويبرز دورها كقوة دافعة للتغيير وبناء المجتمع.
** الهيمنة الصهيونية ليست خطرا على العالم الإسلامي فحسب، بل هي خطر على الإنسانية والسلم العالمي، فيجب أن يكشف الخطاب الجديد مخاطر الصهيونية على العالم، كما يكشف مدى ازدواجية المعايير الغربية في دعم العنصرية والعدوان الصهيوني. ويجب أن يستخدم لغة علمية وإعلامية لفضح هذه السياسات، كما يجب العمل على بث الوعي بالمخططات العدوانية الكبرى الموضوعة لأمتنا، حتى لا تستغرقنا التفاصيل ونجد أنفسنا نعمل على تنفيذها دون وعي، أو نكون مجرد أدوات لتمزيق أمتنا دون قصد.
كما يجب في هذا المقام طرح الرواية الفلسطينية باعتبارها رواية تحرر عالمي، وليست مجرد رواية تحرر قُطري، ويجب أن يتبنى الخطاب الجديد نهجا إعلاميا وثقافيا يدعم ذلك، ويربط قضايا أمتنا بقضايا التحرر الأخرى في العالم.
كما يجب التأكيد على أن الشعوب هم أهم شركاء التغيير، بل هم أصحاب هذا الحق الحصري، ولا يمكن أن يتحقق أي مشروع حضاري دونهم، وعلى هذا يجب على الحركات الإسلامية أن تقدم نفسها كممثلة لتطلعات الشعوب، وداعية إلى مشاركة الجميع في تحقيق العدالة والتنمية، وهذا الخطاب يجب أن يدعم قوة المجتمعات ويعيد إحياء دورها في قيادة التغيير.