لماذا يستعدي الغرب.. روسيا ؟؟ الأسباب والدوافع
بقلم / عبد الحميد المحفوظي
العداء الغربي لروسيا يعود إلى مجموعة من الأسباب التاريخية، السياسية، والاقتصادية. إليك بعض أبرز هذه الأسباب :
1 ــ أسباب معلنة
الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي
بعد الحرب العالمية الثانية، انقسم العالم إلى معسكرين رئيسيين : الغرب بقيادة الولايات المتحدة والشرق بقيادة الاتحاد السوفيتي. كان الصراع الأيديولوجي بين الرأسمالية والشيوعية أساسًا رئيسيًا للعداء، واستمر هذا العداء حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
التوسع الروسي والتدخلات الخارجية
تتهم العديد من الدول الغربية روسيا بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، سواء من خلال دعم أنظمة غير ديمقراطية، أو التدخلات العسكرية المباشرة كما حدث في أوكرانيا (ضم القرم عام 2014) والتدخل في سوريا وأوكرانيا حاليا..
المخاوف الأمنية
دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) تشعر بقلق من السياسة العسكرية الروسية وتزايد قدراتها العسكرية، خاصة في أوروبا الشرقية. تعزيز روسيا لقواتها المسلحة وتطوير أسلحة متقدمة يعتبر تهديدًا للأمن الأوروبي ولمصالحها في المنطقة
التوترات الجيوسياسية
التنافس على النفوذ في مناطق مثل الشرق الأوسط، القوقاز وقارة إفريقيا والمحافظة على علاقات متطوّرة مع الصين وكوريا الشمالية وإيران يخلق توترات مستمرة بين روسيا والغرب. تدخل روسيا في الصراعات الإقليمية أو دعمها للحكومات غير المرغوب فيها من قبل الغرب يؤدي إلى تفاقم العداء..
التضليل الإعلامي والهجمات السيبرانية
يتهم الغرب روسيا باستخدام التضليل الإعلامي والحروب السيبرانية للتدخل في الانتخابات الديمقراطية (دون القدرة على إثبات ذلك) وزعزعة الاستقرار الداخلي في العديد من الدول الغربية، آخرها إتهامها بالتدخل في الانتخابات الأمريكية عام 2016.
الاختلافات في القيم السياسية
يعتبر الغرب روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين نظامًا سلطويًا يعادي الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما الغرب يروج للقيم الديمقراطية، مثل حقوق الإنسان، وحرية الصحافة، والمساواة، كما يُنظر إلى روسيا على أنها تقمع الحريات الداخلية وتدعم الأنظمة السلطوية في الخارج..
هذه الأسباب مجتمعة تؤدي إلى استمرار التوتر والعداء بين روسيا والدول الغربية..
2 ــ أسباب غير معلنة
الإختلاف في القيم الحضارية والسوسيولوجية
يعتبر الغرب روسيا دولة محافظة ومعادية للتحرّر القيمي والمجتمعي مثل تقديسها للأسرة وتجريمها لكل الممارسات التي تسعى لتغيير الطبيعة البشرية مثل المثلية الجنسية والتفكك الأسري وهو ما رفضه بوتين بوضوح في خطاباته، وا لأهم من كل هذا، روسيا بعيدة كل البعد عن سلوكيات الغرب مثل الإستعلاء والعنصرية والإبتزاز والمساند الرسمي للشعوب المستضعفة على الأقل في المخيال الشعبي وهذا يضرب المشروع الغربي من جهة ويخلق تعاطفا وتقاربا مع الدول الإفريقية والعربية والإسلامية خاصة ويجمعهما في بوتقة واحدة، ولذلك يتجاهل الغرب جغرافية روسيا الأوروبية.
أحقاد تاريخية
لا يزال الغرب وخاصة فرنسا تجترّ مرارة هزيمة جيوش زعيمها التاريخي نابوليون بونابارت أمام الإمبراطورية الروسية رغم أن المسألة مرّ عليها أكثر من قرنين من الزمن (1812). بل وحتى إنتصار الإتحاد السوفييتي على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، لا ينظر إليه على أنه تخليص أوروبا من حالة دمار شامل، وإنما نصرا خالصا لروسيا سيستفيد منه نظام موسكو أكثر من أي طرف آخر.
التوازنات العسكرية والعلمية والجيوستراتيجية
لا شك أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية غير مرتاح للتطوّر العسكري المتسارع لدى روسيا وخاصة ترسانتها النووية الرهيبة وهو ما يلجم الطموحات والأطماع الغربية ويحدّ من هيمنتها، كما أن هناك تركيز على تعزيز القدرات التكنولوجية لروسيا في مجالات مثل الذكاء الإصطناعي والفضاء ، ويبقى سعي روسيا إلى الإنعتاق والتحرر من الهيمنة الغربية ولعب دور ريادي في السياسة الدولية أهم نقطة تؤرّق الغرب.
أطماع استعمارية
الأطماع الإستعمارية للغرب ليس بالأمر الجديد أو المخفي، فالأحداث تشير إلى تبنّي القوى الغربية لهذه السياسات والممارسات منذ القرن الخامس عشر وحتى القرن الواحد والعشرين ، بهدف التوسع والسيطرة على الأراضي خارج حدودها خاصة في الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحيث الدافع الرئيسي وراء هذه الأطماع هو الإستفادة من الموارد الطبيعية، فتح أسواق جديدة والحصول على العمالة الرخيصة، بالإضافة إلى تعزيز النفوذ السياسي والعسكري، إذ لا أحد بمنآى عن الأطماع الغربية، بما فيها روسيا التي تتمتع بثروات طبيعية هائلة تجعلها واحدة من أغنى دول العالم من حيث الموارد الطبيعية، وأهم هذه الثروات :
– النفط ، حيث تعدّ روسيا واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، وتعتبر حقول سيبيريا أبرزها.
– الغاز الطبيعي : تمتلك روسيا أكبر إحتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، وتعدّ المصدّر الرئيسي للغاز إلى أوروبا.
– الفحم : تعتبر روسيا أيضا واحدة من كبار منتجي الفحم أين تتوفر كميات ضخمة من هذه المادة في سيبيريا وأورال.
– المعادن : روسيا غنية بالمعادن مثل النيكل، الأليمنيوم، الذهب، الفضة، البلاتين والحديد وموطنها سيبيريا وأورال.
– الأخشاب : تغطّي الغابات مساحات شاسعة من أراضي روسيا، مما يجعلها مصدرا رئيسيا للأخشاب ومنتجات الغابات.
– الموارد المائية : بفضل أنهارها الكبيرة (أكثر من مائة ألف نهر) وبحيراتها الضخمة حيث بحيرة بايكال بسيبيريا، هي البحيرة ذات المياه العذبة الأعمق والأقدم على كوكب الأرض، وتحتوي على ما يعادل 20 بالمائة من الإحتياطي العالمي للمياه العذبة غير المتجمدة، وهذا ما يجعل من روسيا أغنى بلدان العالم في هذا المجال، مما يتيح لها إمكانية ضخمة لتوليد الطاقة الكهربائية..
هذه الثروات، تعزّز الاقتصاد الروسي، وتجعل من روسيا لاعبا رئيسيا في سوق الطاقة والمواد الخام العالمي.
– روسيا هي أكبر دولة من حيث المساحة وتغطّي أراضيها شمال آسيا نسبة 40 بالمائة من مساحة أوروبا.
الفكر البوتيني
أو قيصر روسيا الجديد. منذ صعوده علي رأس السلطة، قام بتنظيم وترتيب الأولويات وهي : إعادة الإعتبار لروسيا العظمى، تعزيز السيادة الوطنية وترسيخها واعتبار منع التدخل في الشؤون الداخلية أولوية قصوى، السعي لإعادة أمجاد الإتحاد السوفييتي، عدم الرضا بمرتبة روسيا الحالية على الساحة الدولية والسعي لأن تكون طرفا نافذا وشريكا حقيقيا في المشهد الدولي، تحديث وتطوير القدرات العسكرية لروسيا، الحفاظ على استقرار الاقتصاد الروسي، الحفاظ عل استقرار النظام السياسي الداخلي وتعزيز سلطة الدولة، رفض الهيمنة الغربية وخاصة الأمريكية ومعارضة القيادة الأحادية للعالم والسعي لإنشاء عالم متعدد الأقطاب..
وعليه، فإن جوهر الصراع بين روسيا والغرب، هو إختلاف قيمي وسياسي بالأساس تحرّكه عوامل تاريخية وأخرى معاصرة حيث ترفض روسيا الإنخراط في المشروع الغربي “غير المِؤهل” أخلاقيا وبدافع الحفاظ على هويتها التي دفعت من أجلها ملايين الشهداء، وحيث يريد الغرب روسيا دولة خانعة ومفككة الأوصال.
** كاتب ومحلل في الشأن الروسي،
وعضو “جمعية قدماء ضباط وزارة الدفاع الوطني”