ألغاز “القصر” وفضائح “القصبة”…
بقلم / د. شاكر الحوكي
عبّر رئيس الحكومة في حواره الأخير على “الوطنية الأولى”، عن استغرابه لعدم ختم رئيس الجمهورية على مشروع القانون المتعلق بجملة التنقيحات التي أدخلت على القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014المؤرخ في 26/5/2014 المتعلّق بالانتخابات والإستفتاء، مشددا على أنه كان في طريقه إلى اللقاء بالرئيس الراحل عشية نهاية “الاجل الدستوري”، قبل أن يتم إلغاء الموعد دون معرفة أسباب ذلك ومعرفة ما حصل تحديدا.. واصفا ذلك باللغز المحيّر.
والحق فلرئيس الحكومة، السيد يوسف الشاهد أن يستغرب مما جرى وحصل. فرئيس الدولة كان مطلوبا منه وفقا للدستور أن يختم القانون مباشرة بعد أن أقرت الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع دستورية القوانين بدستوريته، ولم يكن بوسعه في صورة اعتراضه عليها لا أن يردّه إلى مجلس نواب الشعب أو أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي.
لرئيس الحكومة حق الاستغراب أيضا، ذلك أن رفض رئيس الجمهورية الراحل محمد الباجي قايد السبسي، ختم القانون الانتخابي، يعني رفض القيام بصلاحية جوهرية أسندها له الدستور تتمثل في ختم القانون والإذن بنشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، وهو ما يمثل خرقا جسيما للدستور يضعه تحت طائلة الفصل 88 من الدستور الذي يفتح المجال لمجلس نواب الشعب لعزله، إذا ما تمت الموافقة على لائحة الإعفاء بأغلبية ثلثي أعضائه. وتم البت فيها من قبل المحكمة الدستورية التي لم تتركز بعد.
ولكن ما لم يقله رئيس الحكومة ولم يثر استغرابه، ولكنه أثار استغرابنا واستغراب المختصين في القانون، هو عدم نشره قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين في الرائد الرسمي إلى حدّ الآن بعد أن مرّ على صدوره مدة لا بأس بها تجاوزت الآجال المقررة والحال أن عملية النشر هي من أنظاره وصلاحياته المباشرة،علما وأن الفصل21 من القانون المحدث لهيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين قد نص على أن تـنشر قرارات الهيئة بالرائـد الرسمي للجمهورية التونسية، في أجل أسبوع من إصدار القرار.
أسئلة عديدة تطرح حينئذ بإلحاح: هل أن رئاسة الحكومة التي طالبت رئيس الدولة باحترام الدستور، يجوز لها خرق القانون؟ وماذا يعني ألا يتم نشر قرار الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع دستورية القوانين؟
هل أن الفقرة الواردة في الفصل 23 التي تنص على أن قرارات الهيئة ملزمة لجميع السلطات، هي سبب امتناع رئيس الحكومة عن الاذن بنشر قرار الهيئة في الرائد الرسمي مخافة إلزام نفسه بما لا يستطيع الالتزام به؟
وبأي معنى يمكن أن نفهم ضرورة أن تلتزم جميع السلطات بقرارات الهيئة؟
هل ثمة خرق ثابت للقانون لا يريد أحد أن يتحدث عنه؟
أكثر من سؤال مطروح يحتاج إلى ردّ مقنع، حتى لا يتحول اللغز الذي تحدث عنه يوسف الشاهد إلى ألغاز، بما يزيد في ضبابية المشهد السياسي والقانوني أكثر. ويصبح عدم نشر قرار “الهيئة” اليوم، مقدمة لعدم نشر قرارات أخرى قد ستصدرها الهيئة مستقبلا؟
واعتقادنا أن عملية نشر قرارات الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع دستورية القوانين، مسار يختلف عن المسار الاجرائي المتعلق بنشر القوانين، وأن عدم نشر القانون في الرائد الرسمي لا ينبغي أن يحجب قرار الهيئة من النشر. كما أن نشر قرار “الهيئة” بالرائد الرسمي لن يلزم أحدا بتنفيذه، طالما أنه لم يتم استيفاء شروطه الإجرائية بالختم. وأن ما ورد في الفصل 21 من أن قرارات الهيئة ملزمة لجميع السلطات، لا ينبغي أن يقرأ خارج مقتضيات الدستور الإجرائية، التي تستوجب ختم رئيس الدولة عل القوانين لتدخل حيز التنفيذ.
والثابت أن الاطلاع على فحوى قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، مسألة مهمة، ليس فقط من باب احترام المقتضيات الإجرائية، التي يقتضيها نشر قرارات الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بمجرد صدروها، ولكن لأن قرار الهيئة منذ صدوره، أصبح ملكا للقراء والباحثين ورجال القانون والمختصين وكل المهتمين بمعرفة المستندات والحجج، التي استندت إليها “الهيئة” لتبرير موقفها، ومعرفة كيف عالجت تلك المسائل الحارقة ذات العلاقة بمبدأ عدم رجعية القوانين والاقصاء والمساواة، والتوقيت الذي طرح فيه مشروع القانون والعتبة.. وغيرها من المسائل الخلافية خصوصا بعد النقد الشرس الذي طالها ومحاولات النيل من مصداقيتها.
إن الاطلاع على قرار “الهيئة”، من هذه المسائل لهو أمر ضروري لتطور القانون وفقه القضاء الدستوري التونسي، ومتابعة أهم محطاته. والعيب كل العيب أن يفتح، عدم نشره، المجال للحصول عليه بطرق أخرى.
أليس من العيب على من يدّعون أنهم رجال دولة، أن يفسحوا المجال “لثقافة” التسريب أن تنتعش للحصول على ما يحتاجون إليه؟
أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية
بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس