تدعم قيس سعيّد.. وتحرض على معارضيه: حسابات وهمية للتأثير على الرأي العام في تونس
تونس ــ الرأي الجديد
تزامنا مع إعلان موعد الانتخابات الرئاسية في تونس، تتزايد حدة الجدل والاستقطاب في مواقع التواصل الاجتماعي بين أنصار الرئيس قيس سعيد ومعارضيه، ويبرز إلى الواجهة تأثير الحسابات الوهمية التي تنشط بهدف التأثير على الجمهور عبر مواقع التواصل.
والحسابات الوهمية أو المزيفة تنشأ من قبل أشخاص أو دول تستخدم برمجيات إلكترونية، بهدف التلاعب بالرأي العام عبر الترويج لشخصيات بعينها واستهداف أخرى معارضة، ويتزايد أثرها في الاستحقاقات الانتخابية وفي البلدان التي تشهد توترات سياسية.
أداة لاستهداف التجربة الديمقراطية
وعند البحث في هذه الظاهرة تبين أن للحسابات الوهمية تأثيرا سلبيا على التجربة الديمقراطية في تونس، حيث انخرطت منذ سنة 2011 في حملات تلاعب واسعة أثرت في الرأي السياسي والخيارات الانتخابية.
وفي السياق ذاته، يرى خبير الاتصال السياسي كريم بوزويتة -للجزيرة نت- أن تطور فاعلية الحسابات الوهمية تم على مراحل في تونس، حيث بدأت بعدد قليل من الحسابات والصفحات المتخصصة في ثلب وتشويه الشخصيات السياسية، وتدار من أنصار الأحزاب السياسية أساسا، وقد تحولت بين 2014 و2019 إلى عملية أكثر احترافية تديرها شركات عالمية مختصة في التلاعب والتضليل مستهدفة التجربة الديمقراطية بشكل كبير.
وتعمل هذه الشركات، بحسب الخبير، على صناعة آلاف الحسابات الوهمية والصفحات والمجموعات على منصة فيسبوك التي تدار بشكل آلي، كما تنشئ أيضا مواقع إخبارية وهمية ومواقع تحقق من الأخبار الزائفة معتمدة قدرتها على تحليل البيانات الضخمة، وفق الخبير.
ويتوقع أن يزيد نشاط الحسابات الوهمية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية القادمة بحسب بوزويتة، مشيرا إلى إمكانية تدخل أطراف خارجية في عملية التضليل وصناعة الحسابات الوهمية.
حضور قوي بعد إجراءات جويلية 2021
وقد سبق أن أجرى مركز الشرق الأوسط للديمقراطية في يونيو/حزيران 2023 تقريرا حول “جيش قيس سعيد الإلكتروني” الناشط على موقع فيسبوك، في إشارة إلى عدد الحسابات الكبير الذي يدعم الرئيس، وأشار إلى أن هذه الحسابات بات لها حضور أقوى بعد إجراءات سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.
ونقل التقرير حينها عن الصحفي أمين السنوسي أن “غالبية مؤيدي سعيد الأكثر عدوانية عبر الإنترنت يختبئون وراء حسابات مجهولة مع عدد قليل من المتابعين، ومن المحتمل أن يكون بعضهم روبوتات”.
من جهة ثانية، نشرت منظمة بوصلة الرقابية المحلية بدورها بيانا في يوليو/تموز 2023 حذرت فيه من حملات أنصار الرئيس على مواقع التواصل منددة بما أسمته “الهجمات الممنهجة والقطيعيّة التي تغيّب العقل والنقاش الديمقراطي للأفكار وتعمد لإلغاء الرأي اعتمادا على مبدأ الترهيب والتهديد والتشويه”.
وبعيد قرارات 25 يوليو/تموز كشف ناشطون مختصون عن عملية تضليل عبر نشر 6800 حساب وهمي على تويتر و12 ألف تغريدة من خلال حملة منسقة لتصوير قرارات الرئيس على أنها ثورة تونسية شعبية ضد حركة النهضة.
ومن خلال فحص أنماط وسلوكيات الحسابات المشار إليها، يظهر تأثيرها القوي على الرأي العام والخطاب السياسي، كما تساهم من خلال حملات التفاعل الضخمة التي تقوم بها بشكل متواتر على ما ينشر بالصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية في خلق سردية إيجابية حول الرئيس.
وتجتمع في غالبية هذه الحسابات ميزات مشتركة منها ضعف التفاعل على ما ينشر على حائطها، وأيضا غياب صور شخصية أو معطيات متعلقة بالأشخاص المنتسبة إليها على غرار عملها والمؤسسات التعليمية التي درست فيها وعلاقتها العائلية مما جعل خبراء يجزمون بكونها حسابات وهمية.
أيضا تعتمد جل هذه الحسابات صور سعيد ومشاهد من الطبيعة بالإضافة إلى صور شخصيات كرتونية وعلم تونس.
ولإضفاء مصداقية على بعضها، منحت لها أسماء عربية وألقاب تمثل قبائل ومدنا تونسية مثل الفرشيشي والعياري والقروي بينما حملت حسابات أخرى أسماء مبهمة على غرار “الذئب الوحيد” و”خيل البوادي” و”زهور الأمل” ..
وبالتدقيق في بعض الحسابات الناشطة على صفحة رئاسة الجمهورية التونسية وعدد من الصفحات الأخرى التي تدعم سعيد، تبين أن عددا كبيرا منها يكون فيها الاسم واللقب نفسيهما:
أبو نواس ومحفوظ يدعمان سعيد
ومن الأساليب الأخرى المعتمدة في تسمية الحسابات الوهمية المعنية بدعم الرئيس، انتحال أسماء شخصيات تاريخية على غرار الشاعر أبو نواس والأديب المصري الراحل نجيب محفوظ وشخصيات ثقافية وسياسية عربية وعالمية بينها الممثل المصري أحمد حلمي وكذلك الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.
وبالعودة إلى نشاط هذه الحسابات، نجد أن أبو نواس يفتخر بأن سعيد رئيسه ومحفوظ يعلقان على صورة للرئيس بالدعاء له. أما الصفحة المسماة بأحمد حلمي فقد علق على فيديو نشر بصفحة الرئاسة بشكر الرئيس، بينما حرض حساب دا سيلفا في أكثر من تعليق على المعارضة مطالبا بمحاسبتها وتطبيق القانون على الجميع.
معطيات شخصية مضللة
وبالعودة إلى بعض الحسابات، نجد أنها أنشئت بمعطيات مضللة على غرار حساب باسم ألفة العياري وهو من أكثر الحسابات نشاطا، وباستثناء الاسم الذي اعتمد فيه لقبا متداولا بالشمال الغربي التونسي لم نجد معطيات إضافية تعرف بصاحبة الحساب ولا صورة شخصية لها، ومنذ نشأته لم ينشر الحساب سوى تدوينات وصور داعمة لسعيد بينما يتركز دوره في باقي الصفحات على التعليق دعما للرئيس وتشويها لخصومه.
ونجد حسابا آخر باسم ملاك غزواني ينشر تعليقات داعمة للرئيس سعيد، يدعي منشؤه أن صاحبة الحساب محامية وبالعودة إلى جدول المحامين المعتمد من قبل الهيئة الوطنية للمحامين لم نعثر على محامية تحمل الاسم المذكور.
حسابات منسوبة لجماهير الجمعيات الرياضية
ويمكن ملاحظة تركيز من قبل منشئي الحسابات الوهمية على نسب عدد مهم منها إلى جمعيات رياضية كبرى في تونس.
ومن الأمثلة نجد حساب أنشئ في أكتوبر/تشرين الأول 2020 يحمل اسم أحمد الرايس (خلقت لأعشق الأفريقي) وصورة حساب بشعار النادي الإفريقي التونسي قد انطلق بالنشاط الفعلي على فيسبوك في يونيو/حزيران 2021 بنشر مضامين رياضية، ثم بات يعلق وينشر بشكل يومي منذ 25 يوليو/تموز 2021 مضامين تشترك كلها في دعم سعيد وما يعلنه من إجراءات.
ويوجد حساب باسم “الترجي غول أفريقيا” يعلق بشكل متواتر في صفحات مختلفة تدعم سعيد، والأمر نفسه بالنسبة لحساب يحمل اسم نادي المكشخين 1919 أي أحباء الترجي الرياضي .
مهام الحسابات الوهمية
ومن خلال قراءة تعليقات هذه الحسابات وما تنشره بعضها من تدوينات، يفهم أنها نشأت للقيام بأدوار محددة أبرزها: التعليق إيجابا على صفحة رئاسة الجمهورية بما يوحي بوجود رأي عام كبير داعم لخيارات سعيد، وأيضا التحشيد للمظاهرات المنظمة من قبل أنصار الرئيس.
وفي مختلف المحطات التي عاشتها البلاد السنوات الأخيرة، عملت الحسابات الوهمية على إيجاد رأي عام داعم لخيارات سعيد انطلاقا من الانتخابات الرئاسية عام 2019 مرورا بإعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز وما يتعلق بها من أحداث -على غرار الاستفتاء على دستور 2022- وصولا إلى لحظة الإعلان عن انتخابات رئاسية جديدة في أكتوبر/تشرين الأول القادم.
وتشن الحسابات الوهمية حملات تفاعل سلبي مع المضامين الناقدة لسياسات رئيس الجمهورية، وبالاطلاع على تقرير جمعية “فالصو” تحت عنوان “حين تتآمر السلطة على الحقيقة” والتي كشفت من خلاله “تجاوزات” السلطة في قضايا التآمر على أمن الدولة، نجد أنه وإلى حدود كتابة هذه الأسطر وجود 170 تفاعلا تهكميا على المنشور بينها على الأقل 30 تهكما من حساب وهمي بينها حسابات صبحي صبحي وروضة روضة وسعيدة بوذراع.
موقف رسمي
ومن جهة أخرى، قال محمد التليلي منصري الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إن لديهم الولاية العامة على كل المسارات الانتخابية منذ سنة 2011 بعد إخراج الإشراف عن الانتخابات من مسؤولية وزارة الداخلية، وتقوم بتنظيم العملية الانتخابية وإدارتها ورقابتها وصولا إلى إصدار النتائج النهائية.
واستدرك قائلا للجزيرة نت “مع ذلك، تخضع هيئة الانتخابات لرقابة القضاء الإداري في كل قراراتها منذ بداية المسار الانتخابي إلى غاية إعلان النتائج، وحسب دستور 2022 وما قبله فإن كل مؤسسات الدولة تقدم المساعدة اللازمة لإعانة الهيئة في أداء دورها”.
وأشار إلى أن هناك تدخلا سريعا من الجهات القضائية ضد الحسابات الوهمية الموجودة داخل البلاد، وتصل إلى إيقاف المسؤولين عنها وإحالتهم إلى النيابة العمومية، أما التي تدار من الخارج “فلا نملك صلاحية التدخل ضدها”.
وبسؤاله: هل هذه الحسابات تستهدف خصوم الرئيس سعيد، أو أن الهدف منها ضرب العملية الانتخابية كاملة؟ أجاب “حقيقة لا أعلم، والأبحاث القضائية هي التي تثبت ذلك”.
الانتخابات الرئاسية: المهمة الجديدة
ومنذ أشهر انطلقت حملة إلكترونية على موقع فيسبوك بهدف مناشدة الرئيس سعيد للترشح لدورة ثانية في الانتخابات المزمع تنظيمها بالسادس من أكتوبر/تشرين الأول القادم.
وتشارك الحسابات الوهمية بشكل كبير في هذه الحملة بغية توسيع دائرة تأثيرها عبر نشر وسوم تدعو إلى دعم الرئيس في المجموعات المغلقة والصفحات المفتوحة، وفي المقابل تشن هجمات إلكترونية ضد عدد من المرشحين الآخرين.
يُذكر أن نحو 7 ملايين و700 ألف تونسي يملكون حسابات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بحسب تقرير نشرته مؤسسة “ميديا نات” التونسية بداية السنة الحالية.