باحث يهـ.و.دي بارز: إسـ.را.ئيـ.ل في مواجهة النسخة الثانية من “حـ.مـ.ا.س”.. وهي لا تفهم
الناصرة ــ الرأي الجديد
يشير باحث إسرائيلي بارز إلى أن إسرائيل لا تفهم حركة حماس كما يجب، محذرا الإسرائيليين من الاستخفاف بالآخر، وفرض منطقهم عليه يميزان النظرة الإسرائيلية إلى “حماس” قبل 7 أكتوبر، وأيضاً بعده.
ويقول ميخائيل ميليشتاين الذي شغل منصب مدير قسم الدراسات في الاستخبارات العسكرية، إنه عشية الحرب، اعتمدت النظرية الإسرائيلية على ثلاث افتراضات أساسية: حماس تحولت إلى حزب حاكم، ولم تعد مهتمة بالمغامرات الأيديولوجية، وهي تركز على تنمية القطاع المدني، وعموماً، تتجنب التصعيد.
على هذا الأساس، قدّر كثيرون في إسرائيل، أن في استطاعة الاقتصاد أن يطغى على الأيديولوجيا، ووُضعت خطة لتغيير الواقع في غزة وتحويلها إلى “سنغافورة الشرق الأوسط”.
كما يقول ميليشتاين إن ضربة السابع من أكتوبر، لم تؤد إلى اختفاء هذه النظرية الخاطئة، ولا سيما أن الذين وضعوا سياسة ما قبل الحرب يواصلون العمل حتى اليوم. ومن هنا يستنتج القول: “لهذا السبب، اعتمدت إسرائيل على الأمنيات خلال الحرب، أكثر من اعتمادها على التقديرات الواقعية. مثلا، إعلان أن حماس توشك على الانكسار، بسبب تفكيك أُطر كتائبها، أو لأنها خسرت سيطرتها على المجال العام. ويسود هذا النهج وسط صُنّاع القرار الذين يتشاجرون فيما بينهم بشأن النظام الذي سيقوم في اليوم التالي للحرب، بينما تستمر حماس، عملياً، في السيطرة على غزة، كما يسود هذا النهج أوساط المعلّقين الذين يقولون إن مكانة الحركة في تراجع، وأن الجمهور سينقلب عليها”.
هيمنة الاعتبار الأيديولوجي
يوضح ميليشتاين أنه عشية 7 أكتوبر، لم تفهم إسرائيل هيمنة الاعتبار الأيديولوجي على سلوك حماس، واستعدادها للتضحية بالحكم ورفاه الناس من أجل هذه الغاية. ويرى أنه تتضح صعوبة فهم قدرة الحركة على التأقلم، بالإضافة إلى التأييد الذي لا تزال تحظى به من كثيرين من الجمهور الغزّي.
كما يرى أن الحادثة القاسية التي وقعت في رفح، والتي سقط فيها 8 جنود إسرائيليين، تدل على نجاح حماس في الحفاظ على بقائها والعمل، بعد الضربات الشديدة التي تعرضت لها منظوماتها العسكرية. وتشنّ الحركة من خلال خلايا، أو “مقاومين” منفردين، حرب استنزاف تمنع الاستقرار، وتوضح للسكان مَن هو سيد البيت في غزة.
وطبقا لميليشتاين، فإن الواقع الناشئ في القطاع، يفرض نظرة نقدية حيال استراتيجية “المرحلة الثالثة” التي بدأت إسرائيل باعتمادها قبل نصف عام، وفي أساسها، الافتراض أن العمليات المحدودة من دون وجود دائم على الأرض المحتلة، يمكن أن يؤدي إلى انهيار سلطة “حماس” بالتدريج، وقيام نظام بديل.
القوة المستمرة لحماس
ويضيف: “الواقع فعلياً مختلف: لا تزال حماس القوة الأولى في القطاع، ولا تسمح بنشوء بدائل (بل تقوم بإحباط هذه البدائل، مثلاً المحاولة الإسرائيلية إقامة صلة بالعشائر، أو استقدام عناصر أمنية من السلطة إلى القطاع)، ويضطر الجيش الإسرائيلي إلى العودة مرة أخرى إلى المناطق التي احتلها في شمال القطاع خصوصاً”.
ويشير أيضا أنه ليس من المستغرب أن تظل حماس تحظى بتأييد شعبي، كما برز في الاستطلاع الذي نشره معهد خليل الشقاقي مؤخراً، وهو الثالث منذ بداية الحرب، ويشير إلى عدة توجهات أساسية: تأييد واسع النطاق لهجوم 7 أكتوبر، ولحركة حماس واستمرار حكمها في قطاع غزة، بالإضافة إلى إنكار جارف “للجرائم” التي ارتكبتها في يوم الهجوم. وكل هذا يجب أن يثير علامات استفهام بشأن الكلام الصارم الذي يطرحه المسؤولون رفيعو المستوى في إسرائيل فيما يتعلق بـ”القضاء على التطرف الفلسطيني”، الهدف الذي يتطلب تحقيقه نقداً ذاتياً ورغبة في التغيير غير موجودة حالياً.
ويقول إن العمل السياسي والعسكري لا يزال يعتمد على شعارات عامة، في طليعتها النصر المطلق والاقتراب من الحسم، إلى جانب نظريات ونماذج تبدو مضمونة في العروض والوثائق، لكن من الصعب تحقيقها عملياً. ويعود هذا بصورة أساسية إلى عدم فهم ثقافة الطرف الثاني، وهو الأمر الذي تسبب للأمريكيين بإخفاقات مريرة في فيتنام، والعراق، وأفغانستان.
الجمهور الغزّي يعاني.. لكنه لا يتنكر لحماس
ويتابع: “هذه الطريقة في التفكير تعكس خيبة أمل حيال صعوبة تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحرب، وعدم القدرة على استغلال التفوق الواضح وتحقيق الحسم، وهو مصطلح يتلاءم مع حرب ضد جيش، وليس ضد تنظيم هجين، مثل حماس”.
وضمن رؤيته النقدية، يوضح ميليشتاين أنه مع دخول الحرب شهرها التاسع، يتوجب علينا أن نسأل عمّا إذا أصبحنا، بعد صدمة 7 أكتوبر، أكثر فهماً لمنطق “حماس” والسلوك الفلسطيني عموماً: الجمهور الغزّي يعاني، لكنه لا يتنكر لحماس.
وعن ذلك يضيف: “الحركة مستعدة للاستمرار في حرب استنزاف تحصد ضحايا ودماراً واسعاً لنسيج الحياة في القطاع. إن تنظيماً أيديولوجياً متطرفاً دمج نفسه في المجتمع، وتسلل إلى عقول الناس، لا يمكن مواجهته من خلال الاحتلال الكامل للأرض والبقاء واقتلاع وجوده بصورة منهجية، وخصوصاً في المجال المدني. ونظراً إلى أن إسرائيل لا تمتلك، حالياً، القدرة أو الإرادة لتحقيق هذا الهدف، فمن الأفضل التفكير في صفقة تترافق مع وقف الحرب، وتشكل أرضية لإعادة بناء داخلي عميقة، وبلورة خطة جدية، هدفها تغيير الواقع في غزة.