الأبعاد والدلالات والرسائل الاستراتيجية في الـ.ر.د العسـ.كـ.ري الايـ.را.ني
بقلم / زهير مخلوف*
على إثر استهداف الكيان الصهيوني ل 7 قادة عسكريين ينتسبون للحرس الثوري الايراني في القنصلية الايرانية بسوريا وقيام الجمهورية الاسلامية بالرد على الكيان الصهيوني وذلك باستهداف جغرافيا الأراضي المحتلة وقصف قواعد ومطارات الكيان الصهيوني العسكرية (مطار رامون ونيفاتيم).
فقد تباينت ردود الفعل في مستوى الرأي العام الدولي الرسمي منه والشعبي إلى قسمين، قسم يرى ان الرد الايراني جاء ضعيفا ولم يكن في مستوى الانتظارات! ولم يحقق أية نتيجة حربية او عسكرية على الأرض! وقسم ثاني يرى فيه ردا مزلزلا قد حقق كل أهدافه المرسومة!
ونعتقد أن استنتاجات الطرف الأول قد انبنت على أحكام انطباعية وعاطفية واستندت لتقييمات متسرعة غير موضوعية أغفلت ما هو استراتيجي وعميق في ما سُمّيَ ب”استراتيجية هجوم النحل الايرانية”..
ويجدر بنا في هذا الصدد إلقاء نظرة موضوعية تتناول الابعاد الاستراتيجية للرد والهجوم الايراني على الكيان المحتل وتسليط الضوء على مجموعة الدلالات والرسائل الكامنة في عملية “الوعد الصادق” سواء في مستوى مكنوناته السياسية والعسكرية والنفسية او انعكاساته على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وما يمكن أن ينتج عنه من ارتدادات وتداعيات ونتائج منظورة وغير منظورة استوجب فهمها واستلهامها واكتناز اسرارها انتصارا للحقيقة وقطعا مع عمليات تعليب الأفكار وتجنّبا لكافة أشكال التلاعب بالعقول ودرئا لعملية الهيمنة الناعمة التي تقود حتما إلى السيطرة والتحكم بالجماعات والمجموعات البشرية.
فمنذ عملية 7 أكتوبر البطولية والتي تأكد فيها عجز وفشل الكيان الصهيوني استخباراتيا وعسكريا ولوجستيا وإعلاميا إزاء مقاومة أثبتت جدارتها وقوة استعدادها وصلابة قياداتها وصبر وجلادة شعبها.
ومنذ ذاك الحين،عمد العدو انتهاج سياسة الاستفراد والانفراد بحركات المقاومة قصد سحقهم وقطع دابر وجودهم واستئصالهم من جغرافيا أرضهم كما تأليب الأنظمة الرسمية الدولية ضدهم وتخويف كل المناصرين والداعمين لهم لتبرير شتى أعمال القتل والإبادة الجماعية وفرض الحصار الكامل على غزة بدعوى وجود حركة” ارهابية” تهدد وجود” الدولة الاسرائيلية”حسب مزاعم الصهاينة وحسب الموقف الرسمي الدولي المنحاز لهم.
فبعد ستة أشهر، وعلى إثر عجز المنظومة الرسمية الدولية على استصدار قرار لوقف الحرب وانهاء الحصار ووضع حد للإبادة الجماعية وبعد فشل المحتل الاسرائيلي على تحقيق اي من أهدافه المعلنة فقد حاول جاهدا توسيع دائرة الحرب للظهور بمظهر الضحية الذي يتآمر ضده الجميع وعمد حشر الأمريكي في لعبة الحرب الشاملة من خلال الاعتداء المباشر على الجمهورية الاسلامية بايران واستهداف قنصليتها وقتل قيادات حرسها الثوري في سوريا وذلك لاستدراجها لحرب شاملة ينخرط في المواجهة ضدها عسكريا الحلف الصهيو-أمريكي المعادي لمحور المقاومة.
وقد جاء الرد مسفها للغايات والأهداف التي رسمها العدو الصهيوني لنفسه ومناقضا لما كان يتوقعه، حيث أجهض الرد الايراني أحلام العدو وأثلج صدور الأحرار والمظلومين في العالم وكشف ضعف الكيان الفادح فضلا عن تفوق التخطيط والاستعداد اللوجستي والعسكريلجمهورية ايران الاسلامية.
ونلخص هذه النقاط ونتائج الرد الايراني العسكري ورسائله ومدلولاته الاستراتيجية في الآتي:
1/ إجهاض أحلام الصهاينة
– أجهضت الضربة الايرانية الموجهة في العمق الصهيوني أحلام العدو الهادف لتغيير قواعد اللعبة لصالح الكيان وذلك على إثر الفشل المذل في مواجهة حركات المقاومة بعد عملية 7 أكتوبر وكذا حرمانها من قلب توازنات القوة في المنطقة وأعادتها إلى حجمها الطبيعي وعمّقت أزمتها الوجودية وقلّمت أظافرها وقطعت أذرع وامكانات توسعها الموعودة.
2/ فرض قواعد اشتباك جديدة
فرض الرد الايراني قواعد اشتباك جديدة تقطع مع ما كان سائدا طيلة اكثر من 70سنة وعبر عنه سماحة الامام الخامنائي في خطابه الحاسم قبل توجيه الضربة بقوله لا مجال بعد اليوم للقاعدة المعتمدة اسرائيليا “اضرب واهرب”وهو بذلك يضع قاعدة استراتيجية جديدة قوامها لكل فعل ردة فعل مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الاتجاه.
3/الشرطي المزعوم والغلبة الواهية والموهومة
– أسقط الرد الايراني نظرية شرطي المنطقة المتربع بالشرق الأوسط والمتحكم في رقاب وأقدار الشعوب والدول ونال الهجوم من اعتبارية الجيش الذي لا يُقهر وخلخل المسلمة التي تسربت في العقول والقلوب واخترقت مناحي السياسات العربية والدولية والتي مفادها أن حماية المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة معقود ببقاء الكيان كقوة مخيفة في الشرق الأوسط كما ضرورة وحتمية بقائه والتطبيع معه.
وفي المقابل استعاد الهجوم الايرانيالمسلمة القائلة أنهذا الكيان هوكيان غاصب ومحتل وقتاله مباح ورحيله واجب وقد أضحى بقاؤه يمثل خطرا وتهديدا على مصالح الغرب كما أن الدفاع عنه اصبح ذا كلفة كبيرة في مستواه السياسي والاقتصادي والديبلوماسي والعسكري والمالي والأخلاقي وفي مستوى الشرعية والقضاء الدولي واصبح ينظر إليه ك”دولة مارقة “.
4/حياد القوى الكبرى وسقوط مسلمة التخويف
أسقط الرد الايراني مسلمة التخويف المنتهجة دوليا والتي اعتمدت قاعدة التحشيد واستعمال الترسانة العسكرية الدولية ضد كل من يهدد هذا الكيان مع تهديده بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال تم الاعتداء على جغرافيا هذا الاحتلال وبدأت محاولات التفصي من هذا الانخراط الأعمى وتحييد النفس في مثل هذه المعارك واعتبار كلفة الانحياز لذلك كبيرة وجب تجنب اعبائها وإكراهاتها بعد تأكد حاجة هذا الكيان للدفاع عن نفسه للقوة الأمريكية والبريطانية والفرنسية وفشله في الصمود عند المواجهة في أبسط المعارك وذلك على إثر دخول المارد الايراني وتهديد اي طرف ينخرط في لعبة المواجهة او المشاركة في الحرب ضدها،وقد فشلت القيادات الصهيونية في انشاء تحالف اقليمي ودولي في الغرض وعبر عنه غانتس حين قال “سنشكل تحالفا اقليميا وسنجعل ايران تدفع الثمن” وما موقف السعودية والامارات وتركيا بعدم السماح باستعمال القواعد العسكرية الأجنبية الموجودة في بلدانهم للاعتداء على ايران إلا دليلا على ذلك وهم الذين كان لهم موقف مغاير في الحرب على العراق في تسعينات القرن الماضي. ،حيث تجنبوا موقف الحياد وانخرطوا فعليا في العدوان والحرب عليه
5/سقوط نظرية الغول المعادي
أسقط الرد الايراني نظرية “العدوّ الغول” الذي طالما أرعبت به امريكا حلفاءها الخليجيين في كل المحطات التاريخية بزعم أن ايران هي العدو الذي يهدد عسكريا وجودهم وأرضهم وبقاءهم في الحكم وقد تأكدوا بعد الهجوم الثأري أن ايران ليس لها نوازع توسع او عدواة او نية تهديد لبلدانهم حتى وهي ترى تطبيعهم وانخراطهم المباشر مع العدو،وبدؤوا يتحسسون طريقهم في التحرر من عقدة التخويف والارتهان والتبعية للأمريكي والصهيوني،والتوجه نحو محاور وأحلاف دولية موازية ومتباينة معالحلف الأمريكي كما وابداء مواقف جريئة ومحايدة في الصراع بين ايران والحلف الصهيو-أمريكي.
6/ استبعاد جر حلفاء الكيان لحرب شاملة
أفشلت الضربة الايرانية استراتيجية “اسرائيل” القائمة على جر أمريكا وحلفائها لحرب شاملة ضد الجمهورية الاسلامية بايران قصد تفويت استكمال امتلاكها للقوة النووية الرادعة،كما فوت الردتظهير الكيان بمظهر الضحية وذلك بعد تجنّب ايران قتل المدنيين او الاعتداء على المنشآت المدنية ،وبذلك حرمت ايران “اسرائيل “من استعطاف الرأي العام الدولي الرسمي منه والشعبي وذلك للتنسية والتغطية والتعمية على جرائم الكيان الصهيوني في غزة والضفة وفلسطين المحتلةوالاخفاق في إظهار الجمهورية الاسلامية في ايران على أنها أكبر وأخطر من يهدد السلم والأمن والاستقرار في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص وكان ذلك مراد العدوّ المرتجى الذي أفشلته وأسقطته ايران بالضربة المحسوبة والمعلومة مسبقا..
7/ المعاملة بالمثل “حصار بحصار”
أبلغت ايران من خلال هجوم يوم 14 أفريل2024 رسائل حازمة ومضمونة الوصول للحلف الصهيو-امريكي تقضي بإعادة ترتيب خطواتهم القادمة سواء في ما يتعلق بحصار غزة أو بفلسطين المحتلة و بأنهم سيُعاملون بالمثل من خلال ضرب حصار عليهم اقتصادي وتجاري في البحر الأحمر والعربي وفي باب المندب وفي المحيط الهندي وفي مضيق هرمز ايضا بدلالة احتجاز سفينة “اسرائيلية” هناك وهددت بإمكانية تعرضهم للاستهداف المباشر والمنع من الابحار في هذه المناطق من طرف اليمنيين والايرانيين على حد سواء، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على التجارة الدولية وعلى وصول البضائع إلى الكيان المحتل وهو ما يعتبر إطباقا على حدود الكيان واقتصاده وتجارته الدولية.
8/ استعادة وهج التضامن الاسلامي وكسب ثقة المتحالفين
استعاد الرد الايراني في الدائرة الاسلامية وهج التضامن الاسلاميومكّن من كسب حلفاء رسميين وشعبيين مناهضين للإمبريالية الأمريكية والعنجهية الصهيونية سواء في أمريكا اللاتينية أو في منطقة شرق آسيا أو في كل رقعة من بقاع العالم، كما كسب ثقة المتحالفين مع المقاومة والمدعومين منها استراتيجيا وعسكريا في العراق ولبنان وسوريا واليمن وفي فلسطين،كما ساهم في درئ الأخطار عنهم واستبعاد امكانية شن حرب شاملة ضدهم، كما خفض من منسوب التصعيد في غزة ،واسقط نازع الخوف عن الأنظمة العربية المتأرجحة وكذا فرمل مشروع التطبيع وعطّل صفقة القرن وساهم في تأزيم العلاقات البينية بين الكيان الصهيوني والأنظمة والشعوب الغربية.
9/ قوة اقليمية مؤثرة وبطل قومي تحبه الشعوب
برزت ايران إثرردها وهجومها على الكيان كقوة اقليمية مؤثرة في المنطقة يُحسب لها ألف حساب عسكريا وسياسيا وديبلوماسيا وتأكدت حتمية وضرورة التنسيق معها في ما يتعلق بالقضية الفلسطينة وبقضايا الشرق الأوسط عموما وذلك بعد بروز تماسكها الداخلي وتناغم مواقف قياداتها المرجعية ومؤسساتها السياسية والديبلوماسية والحكومية والبرلمانية والعسكرية والاعلامية والاستخباراتية، وهو ما كرّسها ورسّخها كقوة تنظيمية وهيكلية سواء في الداخل أو في الخارج وذلك أثناء المحطات الحرجة التي تقود الدول للإنقسام والتناقض الحاد بينقياداتها عند زمن إعلان الحروب أو أثناء إدارتها.
وقد أضحى يُنظر لايران كبطل قومي تحبه الشعوب وتفتخر بانجازاته ومواقفه أصحاب النفوس الشريفة.
10/ مأزق التبرم من الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية
جر الهجوم الايراني الكيانالصهيوني نحو رقعة شطرنج الشرعية الدولية وذلك بعدما رفعت “اسرائيل “عقيرتها بالصياح لطلب التنديد بالعملية العسكرية واخفاقها في ذلك،بسبب عدم التزامها السابق بالعهود والمواثيق الدولية التي خرقتها في حربها على غزة او في اعتدائها على قنصلية ايران بسوريا وتم تسليط كافة الضغوطات عليها وحشرها في الزاوية وفي مآزق القانون الدولي والشرعية الأممية ،فضلا على أن الرد الايراني قد أحرج الدول الحليفة لاسرائيل والتي اعتادت على مدارات الكيان الصهيوني وتعمّدت بمعيته على خرق التعهدات والاتفاقيات والمواثيق والقرارات الأممية زمن تغاضيها عن إحالة ملف الاعتداء على القنصلية الايرانية إلى مجلس الأمن.
11/ اللاعب الأمريكي أضحى متحكما بالقرار السيادي والمصيري للكيان
وإذا تمعنا في النتائج المنظورة للرد الايراني على الكيان الصهيوني يبرز لنا جليا مسألة دخول اللاعب الأمريكي كمتحكم فعلي جديد في القرار السيادي للكيان وذلك بعد سلسلة التمردات التي حصلت من حكومة ناتنياهو ضد الاشتراطات والمقترحات الأمريكية زمن الاعتداء على غزة، حيث أضحى قرارهم بعد الرد الايراني رهين الاملاءات والاشتراطات الأمريكية و خاصة بعد تعرض أمريكا ومصالحها الاستراتيجية للتهديد والضرر سواء بعد استهداف قاعدة عين الأسد أو عند استهداف بقية القواعد الأمريكية في العراق وسوريا او بمناسبة استهداف اليمنيينلبوارج وسفن أمريكية في باب المندب وفيالبحر الأحمر والعربي وأيضا بعد عجزهم مجتمعين منع وصول صواريخ” خيبر”إلى القواعد المستهدفةوبذلك يتأكد أن الخيار” الشمشون” بات مرفوضا وغير مطروح أمريكيا
12/ إسقاط أكذوبة التحكم بالقدرات الايرانية ألكترونيا وعن بعد
دحض الهجوم الايراني الإدعاء الرائج لدى الأمريكي والصهيوني الذي زعم ويزعم دائما أنه قادر على شل القدرات الايرانية من خلال التحكم الألكتروني في آلياتها ووسائلهم العسكرية والجوية وطائرات ايران ومنصات صواريخها كما التشويش عليها قبل وأثناء انطلاقها وهو ما فشلت فيه أدق وأرقى وسائلهم المعتمدة في التشويش والاستهداف الألكتوني فعليا وعمليا قبل وأثناء الهجوم وهو ما شكل هزيمة استراتيجية تقنية وفنية وتكنولوجية للكيان خاصة أن ايران سبق أن أعلنت أن ردها سيكون محدودا وأعلنت عن موعده وعن أهدافها المرسومة والمرجوة منه وأنه سيأتي للدفاع عن النفس ومعاقبة كل من يتجرؤ على انتهاك السيادة الوطنية الايرانية وتهديد مصالحها في المنطقة وأن الرد سيستهدف فقط القواعد والمطارات التي جاء منها العدوان على القنصلية وهو ما حصل وشاهده كل العالم وتم تصويره بشكل واضح سواء في قاعدة “نتافيم” أو في مطار “آرون”مما جعل القيادات الايرانية تؤكد تحقيق الأهداف المضبوطة سابقا بشكل كامل وهي التي استعملت القليل القليل من تكنولوجيتها العسكرية وأخفت كل ما تملك من قدراتها المتطورة لساعة الصفر الموعودة.
وأكدت ايران بعد الهجوم أنها نجحت في كشف الأسرار الدفاعيةواختبار كافة قدرات العدو وتجهيزاته،في حين استمر العدو بتبجحه الترويج لمزاعم تافهة مفادها تمكّنه من إفشال الهجوم، وهو المدرك جيدا تلقيه صفعة قاسية وإصابته في مقتل سواء فيما حصلللقاعدة العسكرية أو للمطار القريبين من القاعدة الأمريكية “هار كيرين” ومن مفاعل ديمونة أيضا بالرغم من تجند أمريكا وبريطاني وفرنسا واستعمال كل إمكاناتهم وتكنولوجياتهم وقدراتهم العسكرية والتقنيةوالاستخباراتية للدفاع عن الكيان وحدود جغرافيته، وأضحت “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود ونظام (آرو(وكافة التجهيزات الأمريكية وراداراتها غير ذات جدوى في التصدي للهجوم الايراني،.
لهذا السبب وغيره من الأسباب نجزم قطعيا أنالكيان”الاسرائيلي” لن يرد مطلقا باستهداف الداخل الايراني،ولا تتعدى تهديداته مستوى نباح الكلاب على الطائرات المحلقة ولا تتعدىتهديداته رجع صدى الصيحات التي تنبعث من جوانب القفار الخالية..
13/ كلفة الحرب كبيرة ورعب جماهيري متعاظم
إن تهديد ايران بالردّ على الكيان قبل عشرة ايام قد أفقد “إسرائيل” أموالا طائلة وشل دورتها الاقتصادية والتجارية والمالية وقذف في قلوب المستوطنين الرعب والفزع والخوف الدائم وهز ثقة الاسرائيليين بدولتهم ودفعهم للهجرة الفورية والاختباء في المخابئوالملاجئ دون مغادرتها لمدة تجاوزت الأسبوع وكانت ليلة الهجوم أكبر كابوس عليهم ،ومثّل الهجوم صفعة لوعيهم الشعبي وكسرا لنفوسهم المنهارة وخلخلة حقيقية لثقتهم بدولتهم ولا نعتقد أنهم سينسونه بأي حال من الأحوال.
وحتما ستكون للرد الايراني ارتدادات وتداعيات عميقة قد تدفع تدريجيا بملايين الصهاينة لمغادرة البلاد خوفا وارتعابا وذلك بفعل فقدان الشعور بالأمن والأمان والاستقرار والسلام وعدم ضمان حياتهم ومستقبلهم واستدامة نجاعة ومردودية مشاريعهم الاقتصادية والتجاريةوالاستثمارية والمالية ،كما تكبدت حكومة الكيان خسائر مهولة جدا للتصديللهجوم المعلن وبلغت كلفة ذلك أكثر من 1.3مليون دولار بينما لم تتجاوز كلفته على الايرانيين عشر المبلغ.
14/ إسقاط قرار اقتحام رفح
بعد الرد الايراني تشكلت ملامح وتمظهرات واقعية تندّ عن إسقاط قرار اقتحام رفح نهائيا وهو ما يُتيح فرصا جديدة للمقاومة تمكّنها من المناورة أكثر، كما تسمح لها بترتيب بيتها وتجديد قدراتها وتشديد أعمالها المسلحة في شمال ووسط غزة مع الاستمرار في استنزاف الكيان وجيشه المتهالك بأكثر فعالية واقتدار وهذاالأمر كان من أهم الأهداف الاستراتيجية المحققة والمنجزة من وراء الردّ الايراني.
وساهم الهجوم في تحسين شروط تفاوض المقاومة وتخفيف الحصار عن أهل غزة بعدما تمّ إضعاف هذه الشروط التفاوضية من طرف الوسطاء العرب )مصر)ممن سلطوا ضغوطات مكثفة على حماس وذلك بعد مساهمة هؤلاء سابقا في تشديد الحصار على أهل غزة وتعمّد تجويعهم.
وحدث أنه وبعد الهجوم الايراني على الكيان فقد تغيّر خطاب الوسطاء و أصبحوايطرحون حلولا دائمة لإنهاء الحرب وفك الحصار ووقف التجويع ،وايجاد حل دائم للقضية الفلسطينية، وفوّت الهجوم في ذات الوقت على الكيان فرصة توحيد صفوف حكومته كما فوّت الفرصة على” ناتن ياهو”بالنجاح في استعطاف أهالي المحتجزين ومحاولة جرهمللانخراط معه في خطاب التصعيد والحرب بنيّة وضع نهاية لتحركاتهم الجماهيرية المتعاظمة.
15/ تذويب جليد الفتنة القابع في نفوس المسلمين
وضع حدّ ولو جزئيا لدائرة الفصام النكد الذي ضرب العقل العربي والاسلامي منذ أكثر من أربعة عقود والذي دأب على الاعتقاد بأن ايران هي العدو العقائدي والسياسي الأوحد لأمتنا العربية والاسلامية،بعد كل عمليات التقسيم الاستقطابي الذي تزعمته أنظمة العمالة والفتنة وبعد كل عمليات الدس الفقهي والشحن الطائفي من طرف مشائخ الوهابية الذين دسوا على الأمة وخربوا عقيدتها بمفاهيم التكفير والدوعشة، والولاء والبراء، والاجتباء والمغايرة، والتماثل والتمايز،إلى حدّ رفض وتعطيل الجهاد حتى وان كان ضد الاحتلال الصهيوني والقبول بالتطبيع مع المحتل الغاصب وقد سرى التكفير والفتنة والتشكيك والاحتراب فيما بين المسلمين حتى تغبشت مفاهيم الوحدة والتراحم والتضامن فيما بينهم، وأجلى الرد الايراني عديد الحقائق ومايز بين الصفوف المنحازة للمستضعفين ضد المستكبرين، وأضحى الاستقطاب قائما على أسس جديدة غير أسس الطائفية والمذهبية والقومية بل على مفهوم وثقافة الوحدة والتضامن مصداقا لقوله تعالى “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، وتقطّعوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ، فَمَنْ يَعمَلْ مِنَ الصَالِحَاتِ وَهْوَ مُؤمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإنّا لَهُ كَاتِبُون”..
ولم يطفر عن هذا النهج إلا أشباه المثقفين الذين استمرؤوا كل أشكال التلبيس واجتهدوا في تحريف الأنظار عن القضية المركزية للأمة وتعطيل سبل استنهاضها الحقيقي باعتماد أساليب دسّ السموم ودق كافة أسافين الفتنة بين أفراد الأمة الواحدة تأبيدا للمقولة التاريخية التحريفية القائلة” الصلاة خلف عليّ أتم، وسماط معاوية أدسم، وترك القتال أسلم”.
* النائب السابق بالبرلمان التونسي