محمد الناصر… رجل المهمّات “التاريخية” !
بقلم / صالح عطية
1
في النظام البرلماني..
رئاسة الحكومة هي “المجال الحيوي”،
والرئاسة في فترة “نقاهة دستورية”،
والبرلمان… العين الرقيب… والخيط النّاظم،
للدولة… والحكم… والمسار…
عندما تضعف الحكومة،
يلمع مجلس نواب الشعب،
يعيد توزيع أوراق “اليانصيب السياسي”..
أمّا في تونس الثورة..
فالرئاسة هي الخيط الرفيع،
ورئيس الحكومة، رجل في ثياب السهرة،
والبرلمان غرفة عمليات،
على مقاس قرطاج … ومونبليزير ،
باسم “الانتقال”… و”الديمقراطية الوفاقية” ..
**************
2
عايش محمد الناصر، تأسيس الدولة… وانهيارها،
تربّى في حزب الدولة… ودولة الحزب،
واكب “سياسة المراحل” ،
لكنّه تابع تفتّت الدولة “على مراحل”،
وعندما جاءت “مرحلة السابع”،
غادر الحكم… والحزب… والمسار..
اعتكف في مؤسسات “أممية” ،
منسّقا… ومستشارا… وخبيرا،
ففي فترات أزمة الدولة،
يختار الخبراء… “الراحة الإجبارية”..
اندلعت الثورة.. فعاد الوزير إلى الدولة،
والحزب القديم ــ الجديد ..
ليتنقّل بين باب بنات،
والبحيرة، وقصر البايات..
ثمّة سياسيون، يعرفون… توقيت الحكم،
والتلذّذ بسكّر السلطة…
**************
3
تداول محمد الناصر على الدولة،
بلون واحد، يميل إلى الإحمرار..
ديناصور الحكم… برتبة وزير..
دافع على الدولة… محاميا،
فكافأته، موظّفا فيها أبد الدهر..
يتعب… فتعيّنه “في الخارج”..
يرتاح… فتعيده للحكم، حارسا،
ضدّ “الشغب الاجتماعي”،
وضدّ أيّ دور للبرلمان،
ومع أحزاب بلا أدوار،
ونواب بأصوات مرتفعة، لكن متحكّما فيها..
المهمّ، أن تبقى الدولة… بأيدي “الحرس القديم”،
حتّى وإن مات جميع “الحرّاس الجدد”..
المفــتـــرضـــــــــــــــــــيـــــــــــــــــن…
**************
4
المجتمعات المتطورة… تقاس بقدرة حكوماتها،
على إدارة الصراع الاجتماعي،
وتاريخ الدولة التونسية… تاريخ خلافات لم تنته،
مع النقابــــيــــيـــــــن ..
نجح محمد الناصر في وضع “سياسة تعاقدية”،
تقوى… عندما تهيمن الدولة،
وتضعف… كلما أطلّت عفاريت الاتحاد..
استنجد بورقيبة بوزيره المستقيل… عام 78،
فاستأنف الحوار المعطّل… مع نقابات،
جزء منها في الشارع… وجزء في المعتقلات..
أخمد محمد الناصر نار فتنة… مؤقتا،
لكنّه لم يطفئ لهيبها إلى الأبد،
ظلّ الاتحاد… عود كبريت،
لسياسات اجتماعية باردة..
حرص بورقيبة على محاورة اتحاد،
أراده بلا قوة… وبلا حجة،
وعمل بن علي على تدجينه،
فـ “ضبّطه” لفترة … ولم يسكته طويلا..
لعبة الحكم في تونس… بين دولة،
تستخدم السياسة التعاقدية… رمادا لعيون دامعة،
ومنظمة نقابية… ترفض أن تكون،
مجرّد ممرّض في عملية جراحية،
يقودها أطبّاء متعبون..
ومرضى بلا أدوية لتسكين الآلام..
**************
5
في السياسة، الرهان على الرموز،
جزء من معادلة النجاح،
ومحمد الناصر… راهن على خطّ السبسي،
قـــلـــبـــا… وقـــالـــبـــا..
استعاد الملف الاجتماعي،
تمترس في قيادة النداء،
بخبرته الدستورية اليافعة،
وعندما تخاصم الكستناء مع الباذنجان،
انزوى في قصر باردو،
يبحث عن تعايش مطلوب،
بين نخب… فرقتهم السياسة،
والإيديولوجيا… وطموح الزعامة..
مشكل الثورة التونسية،
أنّها سلمت غرفة القيادة، لرجال من الأرشيف،
أعاد لهم شباب البلاد… بريقهم،
دون أن يكون لهم بريق..
أراد محمد الناصر، أن يغيّر التاريخ الجديد،
بفلسفة قديمة… وأسلوب متقادم،
فلا السياسيون الجدد… رضوا بذلك،
ولا رجال الأرشيف… اطمأنّوا له…
**************
6
أدرك محمد الناصر، أنّ البرلمان،
غرفة الحكم الأساسية… و”المخزن” الرئيسي،
وإذا ما استحوذ عليها… “أعداء الأمس” ،
انهارت الدولة… وتاهت المصالح،
استفاد من “نظام الكتل”… لمنع التكتلات ضدّ الحكم،
جعل حناجر “النواب”… في “بحّة” مستمرة،
دون أن يكون لصوتهم تأثير..
يصوّتون على قوانين… بلا أوامر تطبيقية،
يتنافسون… يتشاجرون… على كعكة،
بنكهة… النظام المخلوع…
كان “الناصر”… ضابط إيقاع،
في أوركسترا برلمانية،
يتحكم فيها “الرئيس”.. و”الشيخ”،
بسيمفونية “الثورة المضادّة”،
والإدارة العميقة، وسياسة “عفا الله عما سلف”..
**************
6
توفي الباجي.. فخلفه تلميذ الأمس،
ورفيق الدرب والدروب..
محمد الناصر… يستدعى عند الضرورة
ويتحول إلى ضرورة للحكم والمرحلة
رجل المهمات… الذي أعاده السبسي
وزيرا… ثمّ رئيسا… ثمّ رئيسا مؤقتا
حتى بعد أن ووري الثراء..
لكرسي الحكم… جاذبيته التي لا يعرفها
إلا من يجلسون عليه….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال في جريدة “الصريح” قبل أكثر من عام (بتصرف)
وسينشر قريبا في كتاب ضخم