تفاصيل قصة “وليد البلطي”.. و”مجموعة الــ 25″ في عمل استقصائي: اتهامات بــ “التآمر” و”التخابر” و”الإنقلاب”
تونس ــ الرأي الجديد
نشر الموقع التونسي “الكتيبة”، عملا استقصائيا مهما حول ملف رجل الأعمال المثير للجدل، وليد البلطي، الذي ارتبطت باسمه قضية التآمر على أمن الدولة، ومحاولة الإنقلاب على رئيس الجمهورية، فيما وصف بــ “مجموعة الــ 25″، المشتبه في كونها ضالعة في “التخطيط للإنقلاب” على الرئيس قيس سعيّد، وهي تضم عددا من السياسيين والأمنيين ورجال الأعمال والإعلاميين..
ووصف وليد البلطي بــ “رجل الظل” و”مهندس الإنقلاب المزعوم”، و”رجل التخابر” مع جهات أجنبية، وما تزال سيرته غامضة لدى الرأي العام التونسي إلى الآن، وسط تكتم كبير على دوره، بل على “مجموعة 25” المشتبه في تورطها المشار إليه..
في هذا التحقيق الإستقصائي، الذي حمل عنوان “وليد البلطي: قصّة السّقوط المدوّي لأحد رجال الرئيس”، من إنجاز الزميل معز الباي، وتحت إشراف الزميل محمد اليوسفي، ضمن هذه “الكتيبة” التي باتت متخصصة في هذا النوع من الأعمال الإستقصائية المعقدة والصعبة، في محيط من التكتم على المعلومة ومحاصرتها..
“الرأي الجديد” تنشر بعض تفاصيل هذا العمل المهم، تعميما للفائدة، وسيكون المقال مرفوقا برابط المقال لمن يرغب في التوسع أكثر في المعلومات مباشرة من موقع “الكتيبة”..
وفيما يلي مقتطفات من المقال..
سقوط وليد البلطي، صاحب أول شركة رهان رياضي الكتروني في تونس، والمقرّب من أغلب دوائر الحكم بعد الثورة في تونس، ومستشار الظلّ لدى رئيس الجمهورية قيس سعيّد وفق ما يصفه المقرّبون منه، أحدث موجة ارتداديّة سحبت في رجّاتها العديد من الشخصيّات السياسية والأمنية والإعلاميّة. فإذا كنت يوما ممّن تبادلوا التحيّة مع هذا الشخص، فقد تكون من بين المشمولين بقضيّة التآمر.
في الخامس والعشرين من نوفمبر 2022، اهتزّت الساحة السياسية والإعلاميّة على وقع فتح تحقيق واسع شمل عددا هامّا من الشخصيّات السياسية والإعلامية والأمنية، في قضيّة تتعلّق بالتآمر على أمن الدولة.
قبلها بأيّام، فوجئ رجل الأعمال ورئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي (وزير مالية سابق) بصدور قرار تحجير سفر في حقّه. في واقع الأمر فإنّ عبد الكافي كان قد تلقّى رسائل عبر تطبيق “واتساب” من وليد البلطي تحذّره من بعض الخصوم السياسيّين أو تحدّثه عن توقّعات سياسية، ولا شيء فيها يثير الريبة سوى أنّ مرسلها كان محلّ قضيّة تآمر وتخابر.
سقوط قطع الدومينو
وانطلقت القضيّة بإيقاف رجل الأعمال والمستشار السابق بوزارة الشباب والرياضة وليد البلطي. ففي أواخر شهر أكتوبر 2022، وقبل أن تنطلق قضيّة التآمر بأيّام معدودات، أدّى خلاف تجاري حول عائدات الرّهان الرياضي إلى الاستماع إلى أحد أطراف الخلاف، من قبل الحرس الوطني. وتمّ خلال الاستنطاق معاينة هاتفه الجوّال أين وقع العثور على مراسلة تشير إلى كون وليد البلطي هو من يقف وراء التسريبات الصوتيّة لمديرة ديوان الرئيس السابقة نادية عكاشة، وفق المحضر المحرّر في الغرض والذي اطّلعنا عليه. وكانت النيابة العمومية قد أعلنت منذ شهر ماي لتلك السنة عن فتح بحث تحقيقيّ حول تلك التسريبات وملابساتها، فكانت تلك فرصة مناسبة لصيد المسرّبين.
بعد أسبوع بالضبط على هذه الحادثة، تمّ استنطاق وليد البلطي من قبل نفس الفرقة بخصوص شركاته وشركائه وأمواله وممتلكاته، دون التطرّق إلى موضوع التسريبات، حسب محضر ثان اطّلعنا عليه. وكانت تلك فرصة لمعاينة هاتفه الجوّال وصيد المراسلات التي يحتوي عليها.
بعدها تمّ إيقاف البلطي وحجز هاتفه الجوّال وجملة من المعدّات والوثائق بشركته. حيث تولّى باحث البداية بناء على المعاينات المجراة على هاتف المتّهم وليد البلطي، توجيه 136 طلب أذون قضائية وتساخير عدلية ومكاتيب، منها ما تعلّق بالنشاطات المالية للمعني بالأمر وشركاته ومنها ما تعلّق بالاتصالات وتحجير السفر.
ووليد البلطي، هو رجل أعمال تونسي الجنسية، من مواليد 1976، شغل والده منصف البلطي خطّة نائب لولاية جندوبة في مجلس نواب الشعب زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من سنة 2004 إلى 2009 كان خلالها رئيس لجنة برلمانية (لجنة الصحّة)، قبل أن يخرج سنة 2009 خروجا وصفته الصحافة وقتها بالمدوّي. وربّما اكتسب وليد البلطي ولعه بالشأن السياسي في تلك الحاضنة العائلية.
ورغم تخصّصه في الاقتصاد وتخرّجه من كلية العلوم الاقتصادية والتصرّف بتونس (دفعة 2002)، فإنّ المقرّبين منه يؤكّدون ولعه الشديد بالتشريع والنصوص القانونيّة. شغل البلطي خطة كبير المراقبين الماليين صلب الشركة العالمية ديلويت Deloitte في تونس قبل الثورة، ثمّ التحق بالصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية في أواخر 2003، ليتدرّج في الخطط فيه من مراقب عمومي إلى مدير جهوي، حتّى سنة 2012، حين التحق بديوان وزير الشباب والرياضة آنذاك طارق ذياب كمكلّف بمأمورية، وممثل عن الوزارة صلب مجلس إدارة شركة النهوض بالرياضة “بروموسبور”، وهي مؤسسة عمومية تشرف على الرهان الرياضي وتحتكره.
في 13 ماي 2015 وقع إنهاء تكليف وليد البلطي من قبل وزير الشباب والرياضة ماهر بن ضياء الذي تولّى المسؤولية بعد طارق ذياب. قرّر البلطي حينها بعث مشروعه الخاص. تلك المرحلة فتحت أمامه آفاق تأسيس أول شركة خاصّة للرهان الرياضي الالكتروني في تونس، مستغلاّ في ذلك فراغا قانونيا في التشريعات المتعلّقة بالرهان الرياضي الالكتروني. يتعلّق الأمر هنا بشركة “كاجوال بيت” Casual Bet التي أسّسها البلطي في أفريل 2017، بالشراكة مع مدير مالي سابق بشركة “بروموسبور”. وتدير “كاجوال بيت” موقع الرهان الرياضي Bountou1X2.
وأثارت شركة “كاجوال بيت” اهتمام الجهات الرقابية منذ انطلاقها، وخضعت للتدقيق المعمّق في حساباتها تمويلاتها، وفق الاستجواب الأوّلي لوليد البلطي في قضيّة الرهان الرياضي خلال شهر نوفمبر 2022 الذي أشرنا إليه آنفا، خاصّة أنّ مؤسّسيها موظفان سابقان يفترض أنّ مدّخراتهما وحدها غير كافية لتمويل مثل هذا النشاط الذي يتطلّب سيولة مالية كبيرة، إضافة لطرق التصرّف في الأرباح وكيفيّة خلاص المنصّات الدولية بالعملة الصعبة. وقد كانت الشركة محلّ تدقيق مالي وتحقيق من قبل لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي.
كما أسّس البلطي المجمع المهني الوطني لشركات الرهان الرياضي التابع لمنظّمة كونيكت، في محاولة منه لخلق جبهة ضغط من أجل تقنين نشاطات الرهان الرياضي في تونس، والذّي تحتكره الدولة من خلال الشركة الوطنية للنهوض بالرياضة التي كان قد دخل في نزاع قضائي معها حول مسألة الرهان الرياضي الالكتروني. هل كان ذلك انتقاما منه لصفعة الطرد التي تلقّاها، أم استثمارا في مجال اكتشف أهمّيته وإمكانيّاته خاصّة وأنه غير مقنّن؟
من المؤكّد أنّ الإمكانيات التي أتاحها له مجال الرهان الرياضي، منحه نفوذا واسعة بفضل تدفّق الأموال من جهة، والعلاقات التي استثمر فيها عبر دعم الجمعيات الرياضيّة الصغرى خاصّة، ومكّنته من التعرّف على أشخاص مهمّين من بينهم كوادر أمنيّة واستعلاماتية من جهة أخرى.
مستشار الظلّ بقرطاج
لم يكن وليد البلطي يحظى بصفة رسميّة في الدولة، ولم يقع تعيينه بصفة واضحة كمستشار للرئيس إثر فوز قيس سعيّد، لكنّ جميع المؤشّرات والقرائن تشير إلى لعبه دور مستشار الظلّ وتقديمه لخدمات متنوّعة للرئاسة. ومن الواضح أنّه استفاد من هذه الوضعيّة للترويج لنفسه وسط معارفه كشخص له نفوذ ومقرّب من القصر.
وثّقت المعاينات الأمنيّة لهاتف وليد البلطي (وقع تسريبها وأكّدت لنا هيئة الدفاع صحّتها)، والتّي كانت أساس قضيّة “التآمر على أمن الدولة”، العديد من المراسلات والتقارير التي كان المعني يعدّها ويرسلها لمقرّبين من الرئيس سعيّد، تراوحت بين مقترحات تشريعيّة وسياسيّة ومخطّطات لاستهداف أشخاص بعينهم.
وفي رسالة وجّهها البلطي من سجنه بالمرناقية إلى أحد المقرّبين من الرئيس سعيّد، اطّلعنا عليها، يعبّر وليد البلطي عن خشيته من التلاعب بالحقائق وإخفاء مضامين هذه التقارير، خاصّة أنّ المعاينات الأمنية الأولية لم تشملها جميعا وفق تعبيره. طالبا من محمّد العش والي زغوان الحالي، وأحد المشتبه بهم في قضيّة “التآمر” وأحد أعضاء الحملة الانتخابية للرئيس سعيّد النشطين، أن يمدّ هيئة الدفاع بنسخ من تلك التقارير التي كان يتشاركها معه، ووجّه بعضها للرئيس عن طريقه.
ولئن اعتبرت مصادر من دوائر الرئيس، فضّلت عدم الكشف عن هوّيتها، أنّ تلك التقارير كانت مبادرة شخصيّة من وليد البلطي حاول من خلالها التقرّب من الحكم والإيهام بنفوذه، إلاّ أنّ مقاطعة بعض ما ورد فيها بالأحداث الوقائع، تبيّن بشكل واضح أنّ وليد البلطي كان قد لعب أدوارا محوريّة في بعض قرارات الرئاسة، حيث تزامنت بعض تلك القرارات مع تقارير ومراسلات حول نفس الموضوع تولّى البلطي مدّ الرئاسة بها.
يقول البلطي صلب البحث الأمني في قضيّة “التآمر” إنّه كان يلتقي الرئيس ومستشاريه المقرّبين في منزله في المنيهلة منذ نوفمبر 2019. وكان الرئيس سعيّد قد رفض الالتحاق بقصر قرطاج في بداية حكمه مفضّلا البقاء في منزله بالمنيهلة في ضواحي العاصمة تونس. ثمّ حين التحق الرئيس بقصر قرطاج، أصبح يلتقيه هناك أو يلتقي بعض مستشاريه ومديرة ديوانه آنذاك نادية عكاشة التي جمعته بها علاقة قويّة.
غير أنّ ماهر بالريّانة، مستشار الرئيس السابق للشؤون الاجتماعية، والذي كان على علاقة صداقة وجيرة بوليد البلطي، ينفي للكتيبة حضور البلطي تلك اللقاءات، مضيفا انّ الأخير كان يحاول التقرّب من الرئيس منذ الدور الثاني للانتخابات الرئاسيّة، وكان يتردّد لأجل ذلك على المقهى الذي كان يجمعهم. وعن تردّد وليد البلطي على القصر الرئاسي، قال بالريانة إنه شخصيا لم يره هناك (خلافا لادّعاء البلطي) وأنّ الدّخول والخروج من القصر كان يتمّ في تلك الفترة تحت الإشراف الكلّي لمديرة الديوان الرئاسي آنذاك نادية عكاشة، مستشهدا بطرفة وقعت له (أي بالريانة) حين نسي هاتفه الجوّال وعاد لاسترجاعه، فمنعه الأمن الرئاسي من ذلك حتّى حصل على موافقة مديرة الديوان المذكورة.
وتعود العلاقة بين وليد البلطي وماهر بالريّانة إلى سنوات خلتْ، وفق هذا الأخير، أساسها التقارب الوظيفي، حيث كان بالريانة مديرا جهويا للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بباردو في نفس الوقت الذي شغل فيه وليد البلطي خطّة مدير جهوي لصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية بنفس الجهة.
لم يكن بالريانة وحده صديق البلطي من دوائر الرئيس، فمالك الزاهي وزير الشؤون الاجتماعية الحالي، والناشط المقرّب في حملة الرئيس سعيّد الانتخابية جمعته أيضا علاقة صداقة وجيرة بوليد البلطي. ويؤكّد الزاهي للكتيبة أنّ علاقة صداقة وطيدة جمعته بالشقيق الأكبر لوليد منذ مقاعد الدراسة، لكنّ العلاقة بوليد لم تتجاوز حدود الجيرة ولم تأخذ بعدا سياسيّا، وفق قوله، معتبرا أنه (أي الزّاهي) تمّ الزجّ باسمه في الملفّ لأسباب سياسيّة. رغم أنّ وليد البلطي سبق وأن أرسل إليه مخطّطا “سرّيا” للعمل الواجب اتباعه في صورة تعيين الزاهي رئيسا للحكومة.
وفي الوقت الذي خلت فيه المعاينات الأمنيّة الأوّلية لهاتف وليد البلطي من أيّ مراسلة بين هذا الأخير ونادية عكاشة، يجمع أكثر من مصدر من دوائر القصر أنّ العلاقة الأبرز لوليد البلطي كانت مع مديرة الديوان الرئاسي السابقة.
مصادر متقاطعة من دوائر رئيس الجمهورية، طلبت عدم الكشف عن هوّياتها، أكّدت لنا أنّ علاقة البلطي بنادية عكاشة كانت تعود الى تاريخ شغلها خطّة مستشارة الشؤون القانونية لدى الرئيس. ويفسّر أحد المصادر تلك العلاقة بالاستفادة المتبادلة، حيث أنّ عكاشة لم تكن لها شبكة العلاقات المطلوبة لإدارة الحكم فاستعانت بالبلطي، وهذا الأخير استفاد منها للتقرّب من القصر والحصول على بعض النفوذ. نفوذ سنلاحظه في بعض التفاصيل التي سنعرضها لاحقا. لم نتمكّن من الحصول على تعليق من نادية عكاشة رغم محاولاتنا المتكرّرة للاتصال بها.
وفي إحدى المناسبات، كان القصر قد طلب من البلطي التحرّي في ثلاثة عقود ضغط وتأثير أُبرمَت بين تونسييّن ووكلاء ضغط أمريكيّين، انتشرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك قبل 25 جويلية 2021. ليكتشف وليد البلطي، حسب قوله، وجود عدد كبير من عقود اللوبيينغ الخاصة بتونسيين على موقع وزارة العدل الأمريكية، منها ما يخصّ نبيل القروي وألفة التراس، وأكثرها يخصّ حركة النهضة. يدّعي البلطي أنّه كان قد قام بتحرير تقرير مفصّل سلّمه لخالد اليحياوي المدير العام للأمن الرئاسي والمستشار الأمني للرئيس. ورغم أنّ اليحياوي تكرّر ذكره في قضيّة التآمر كحلقة وصل بين الرئيس ووليد البلطي، إلاّ أنّه لم يقع استنطاقه وسماع شهادته إلى اليوم، حسب هيئة الدفاع.
وكان وليد البلطي قد قام، مطلع سنة 2021، وفق مصادر متقاطعة، بالتدخّل لفائدة القضاة الـ81 المعزولين زمن نور الدين البحيري وزير العدل في حكومة الترويكا سنة 2012، وذلك بطلب من أحد القضاة المعزولين. حيث أنّ المجلس الأعلى للقضاء رفض تطبيق الأحكام الصادرة لفائدتهم باستعادة مواقعهم وإلغاء قرار العزل. بعد 5 أيام استقبل رئيس الدولة يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء وتطرّق الحديث إلى وضعيّة هؤلاء القضاة، وبعد حوالي أسبوع تمّت إعادة إدماج جميع القضاة المعزولين الذّين لم يبلغوا سنّ التقاعد (تمت إعادة 5 قضاة في مطلع أفريل 2021 من بينهم صاحب الطلب).
وفي أواخر شهر جويلية 2021، تمّ تعيين محمّد الشريف مديرا عاما للمصالح المختصّة (المخابرات الداخلية) خلفا للزهر لونقو الذي قام وزير الداخلية توفيق شرف الدّين بعزله في شهر نوفمبر 2021. قرار العزل هذا كلّف وزير الداخلية منصبه، فقد قام رئيس الحكومة آنذاك هشام المشيشي بعزل وزير داخليته قبل حتّى أن يأخذ هذا القرار مجراه التنفيذي (سيسترجع شرف الدين موقعه مع حكومة نجلاء بودن ثمّ يستقيل أو يُدفع للاستقالة منتصف مارس 2023). وقد وجد لزهر لونقو نفسه لاحقا مطلوبا في قضيّة “تآمر” أخرى تعلّقت بشركة “انستالينغو” لصناعة المحتوى، ووقع إيقافه من قبل السلطات الجزائرية وتسليمه لتونس بعد أن تسلّل إليها في محاولة للفرار.
وكان توفيق شرف الدّين قد سبق له أن أعفى لونقو من مهامه مديرا للمكتب الأمني للسفارة التونسية بباريس مطلع سنة 2021، ليعيده هشام المشيشي إلى منصبه مع ترقيته إلى مدير عام للمصالح المختصّة. وقد جاء هذا القرار على إثر زيارة قام بها هشام المشيشي إلى باريس.
وتفيد المراسلات التي وقعت معاينتها في هاتف وليد البلطي، أنّ هذا الأخير طلب من صديقه الفرنسي جون بيار مانجابان (سنعود إليه لاحقا بمزيد من التفاصيل) أن يراقب هشام المشيشي خلال تلك الزيارة، فقام بإرسال مجموعة صور توثق لقاء المشيشي بلونقو في أحد المقاهي بباريس. ويدّعي البلطي خلال التحقيق أنّ طلب التحرّي ورده من مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة، التّي أخبرته أنّ الرئيس سعيّد لا ينظر بعين الرضا الى تلك الزيارة. لم نتمكّن من الحصول على تعليق جون بيار مانجابان حول هذا الموضوع رغم محاولاتنا الاتّصال به.
خليفةُ لزهر لونقو على رأس المصالح المختصّة محمّد الشريف هو الآخر صديق لوليد البلطي، حيث أنّ البلطي وعده بمنصب قياديّ في الحكومة القادمة إذا وقع تشكيلها كما يريد، وفق مراسلة اطّلعنا عليها. كما أنّه أعلمه بتقديمه لمعلومات تخصّ موضوع اللوبينغ السالف الإشارة إليه.
25 جويلية: كواليس “انقلاب ناعم”
قد يكون الدّور الأبرز الذي لعبه وليد البلطي في لعبة الظلال هو ذاك المتعلّق بمنعرج الفصل 80 من دستور 2014. ففي الخامس والعشرين من شهر جويلية 2021، مستغلاّ حالة الطوارئ، كان الرئيس قيس سعيّد قد قرّر تعليق أنشطة البرلمان (تمّ حلّه لاحقا) وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وحلّ الحكومة، وتكليف نجلاء بودن برئاسة حكومة جديدة. كما قرّر الانفراد بالسلطة من خلال وضع اليد على السلطة التشريعيّة عبر مراسيم رئاسية غير قابلة للطعن، والسلطة التنفيذية عبر ترأس اجتماعات مجلس الوزراء. وكان سعيّد قد ذهب قتها الى أنّ الضرورة الملحّة اقتضت اتّخاذ هذه الإجراءات استنادا إلى الفصل 80 من دستور 2014 (الذي قام بتعليق العمل به ثمّ استبداله بدستور آخر لاحقا) والمتعلّق باتخاذ إجراءات استثنائية في صورة وجود “الخطر الداهم على الدولة”.
قبل بضعة أشهر، وتحديدا في ماي/مايو 2021، كان موقع “ميدل إيست آي” قد نشر تسريبا لوثيقة قال الموقع إنّها من مكتب رئيسة الديوان الرئاسي آنذاك نادية عكاشة، تتعلّق بتفعيل الفصل 80 وإرساء “ديكتاتورية دستورية”. وكانت الوثيقة قد أوردت بالتّفصيل البرنامج الكامل الواجب اتّباعه لتفعيل الفصل 80 من الدستور.
بيّنت المعاينات الفنّية لاحقا أنّ الوثيقة أنشئت في مكاتب شركة بيتا ميتود Beta Methods التابعة لوليد البلطي. وفي ردّه على أسئلة منظّمة “برّ الأمان” التّي كشفت ارتباطه بهذه الوثيقة، ادّعى وليد البلطي حينها عدم علمه بها ولا الأسباب التي تربطها به أو بشركته. لكنّ مراسلة بتاريخ 13 ماي/مايو 2021 لأحد شركائه تفضح العكس تماما، حيث قام البلطي بإرسال الوثيقة قبل نشرها من قبل موقع “ميدل إيست آي” بأيّام.
وتقرّ الصحفيّة شهرزاد عكاشة المقرّبة من وليد البلطي في تصريح للكتيبة إنّ هذا الأخير أطلعها على الوثيقة خلال زيارة لها في مكتبه خلال شهر رمضان (ما بين شهري أفريل/أبريل وماي/مايو لسنة 2021) أي قبل تطبيق الفصل 80 بثلاثة أشهر على الأقلّ.
الغريب في الأمر أن فكرة تفعيل واستغلال الفصل 80 من الدستور، لم تكن وليدة أفكار وليد البلطي على ما يبدو. ففي أواخر شهر نوفمبر 2020، قامت أسماء المحجوب، ابنة شقيقة ليلى بن علي زوجة الرئيس المخلوع، والتي قام وليد البلطي بانتدابها صلب شركته، باستفسار هذا الأخير عن الفصل 80 وسبل تفعيله ومدى صلاحيّات الرئيس وقدرته على تنفيذه، طالبة منه التكتّم عن هذا الموضوع، حسب مراسلة وقعت معاينتها وإدراجها من قبل الجهات الأمنية صلب محضر القضيّة الذي وقع تسريبه.
وأسماء المحجوب هي ابنة جليلة الطرابلسي شقيقة زوجة الرئيس المخلوع ليلى بن علي، اشتغلت مع وليد البلطي في شركته بيتا ميثودز Beta Methodes المختصّة في الاستشارات والهندسة المالية. وهي معروفة بدفاعها الشرس عن بن علي ومنظومته، وسبقت إدانتها ابتدائيا بالسجن 4 سنوات، في 2017، ضمن قضية فساد تعود تفاصيلها لمنظومة ما قبل الثورة، وكانت من بين الشخصيات المشمولة بمصادرة الأموال عقب الثورة.
علاقة البلطي بعائلة بن علي لا تتوقف عند هذا الحدّ، فإلى جانب انتدابه لأسماء المحجوب التّي لعبت دور حلقة الوصل بين وليد البلطي وليلى بن علي، وفق فحوى مراسلات بينهما تسنّى لنا الاطّلاع عليها، تولّى البلطي بطلب من كريم الغربي المكنّى K2Rim ، فنّان راب عالمي وزوج (آنذاك) نسرين بن علي ابنة الرئيس الأسبق بن علي، متابعة وضعيّة هذه الأخيرة لدى الإنتربول، بعد أن أدرجت فيما يسمّى القائمة الحمراء للمطلوبين دوليّا. ويبدو أنّ البلطي نجح في مهمّته، فقد سُحب اسم نسرين بن علي من تلك القائمة لاحقا.
وفي سياق ذي صلة، كان وليد البلطي قد أعلم زوجته عبر رسالة أنّه تلقّى مبلغا ماليّا ضخما (500 ألف دينار) من كريم الغربي، مقابل تدخّله في قضيّة تتعلّق بإنتاج فيلم بإيعاز من ليلى بن علي حول “آخر أيّام سقوط دولة القانون والمؤسسات” والمقصود بذلك آخر أيّام بن علي. وتشير المراسلات بينه وبين أسماء المحجوب إلى طلبه منها استفسار ليلى بن علي عن بعض المعطيات لتغذية سيناريو هذا الفيلم. نفى وليد البلطي لدى التحقيق هذه المزاعم ولكنّه لم ينف حكاية المال، مدّعيا أنّ المسألة تتعلّق بتدخّل لحلّ نزاع بين الغربي وشركة الإنتاج، في الإمارات العربية المتّحدة، حول فيديو كليب كان ينوي إنتاجه.
ويبدو أنّ البلطي لم يقف عند حدود التصوّر النظري و”الصياغة” القانونية لمشروع 25 جويلية، فقد تواصل مع القيادي بحزب “وطن عادل” عصام السلامي بهدف دعم مسار 25 جويلية من خلال المسيرات والمظاهرات، ودار حديث عن تمويل هذه التحرّكات في حدود 48 ألف دينار موزّعة حسب الجهات. حيث ادّعى السلامي أنه نجح في تجنيد أشخاص في 21 ولاية، وطلب من البلطي مدّه بالتمويلات اللازمة، حسب المراسلات التي اطّلعنا عليها.
ينفي البلطي خلال استنطاقه أن يكون موّل هذه التحرّكات مدّعيا أنّه لجأ للمماطلة والتسويف مع عصام السلاّمي الذي كان قد عرّفه به أنيس المقعدي الناطق الرسمي السابق باسم الأمن الرئاسي، حسب قوله.
لم تشفع لوليد البلطي علاقاته السياسية القويّة ولا خدماته المسداة إلى القصر ودوائره، فقد أصبح مجرّد ذكر اسمه مرتبطا بأحد الشخصيات السياسية وصمة تحاول الأخيرة تفاديها، حسب ما وقفنا عليه. فأغلب من تحدّثنا إليهم من دوائر القصر وسياسيي الرئيس فضّلوا كتمان هوّياتهم، ومن قبلوا الكشف عن أسمائهم كانوا يسوّقون إلى علاقة سطحيّة تجمعهم بالبلطي. نهاية مأسويّة لقصّة هذا الرجل الطموح.
البلطي … ومفدي مسدّي
خلال عمله مستشارا بوزارة الشباب والرياضة، تعرّف وليد البلطي على مفدي المسدّي الذي كان يشغل خطّة ناطق رسمي باسم رئيس المجلس التأسيسي (أوّل برلمان بعد الثورة) وناطقا رسميا باسم وزارة النقل، قبل أن يصبح لاحقا المستشار الإعلامي ليوسف الشاهد (رئيس حكومة 2016 – 2020). وكانت فرصة للرجل ذي الطموح الجامح أن يحقّق حلمه بالتقرّب أخيرا من أجهزة السلطة الحاكمة، وهو ما أكّده مفدي المسدي في تصريح للكتيبة.
خلال شهر ماي/مايو 2017، تلقّى مفدي المسدّي، الناطق الرسمي باسم حكومة يوسف الشاهد ومستشاره الإعلامي، من وليد البلطي معطيات تخصّ ياسين الشنّوفي، قام بجمعها ضابط استعلامات من معارف وليد البلطي، حسب المراسلات التي عاينّاها.
وياسين الشنّوفي هو رجل أعمال تونسي برز اسمه حين ترشّح للانتخابات الرئاسية سنة 2014، قضّى عشر سنوات في الديوانة (الجمارك) التونسية قبل أن يستقيل ويؤسّس شركاته الخاصّة. بعد أيّام معدودات، وقع إلقاء القبض على ياسين الشنوفي واتّهامه بالفساد والرشوة والاعتداء على أمن الدولة، ووضع تحت الإقامة الجبرية، ليحكم لاحقا بالسجن 5 سنوات ونصف.
لم تكن تلك الخدمة الوحيدة التي قدّمها وليد البلطي لمفدي المسدّي ولحكومة يوسف الشاهد، فقد وضع خطّة عمليّة للإطاحة بعدد من الشخصيات.
قائمة أهداف وليد البلطي لم تقف عند هذين الشخصين فحسب، بل تجاوزتهما، وفق المراسلات والمحاضر المسرّبة، إلى سعيد بن رمضان، مدير سابق لديوان التونسيين بالخارج وسفير تونس السابق في إيران، الذي وجّهت له تهمة ارتكاب تجاوزات مالية زمن بن علي، لكنّه أنكر التهم الموجّهة ضدّه، وقد أوقف القطب القضائي المالي إجراءات التتبع لاحقا (ماي/مايو 2021) بموجب الصّلح الإداري. وأيضا غازي الجريبي الذي شغل خطّة وزير دفاع في حكومة المهدي جمعة ثمّ وزير عدل في حكومة يوسف الشاهد الأولى. وكذلك سهام بن سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة التي كلّفت بالإشراف على مسار العدالة الانتقالية.
وفي آخر شهر ماي/مايو 2017، تراسل مفدي المسدّي ووليد البلطي بخصوص خطّة مفصّلة للإطاحة برجل الأعمال المثير للجدل شفيق الجراية، المتّهم حاليا في قضايا فساد ورشوة وتآمر على أمن الدّولة. وشملت الخطّة إقالة وإبعاد عدد من الكوادر الأمنيّة التي كانت على صلة بالجرّاية. ينفي مفدي المسدّي للكتيبة ذلك مصرّا على عدم علمه بمراسلات وليد البلطي، حيث يقول إنه يتلقّى في اليوم الواحد عشرات الرسائل بحكم عمله وأنه لا يقرأها كلها.
خدمات الظلّ المفترضة التي قدّمها وليد البلطي لحكومة يوسف الشاهد لم تقف عند هذا الحدّ، بل تضمّنت المقترحات والنصائح السياسية. وكان البلطي يتباهى دائما أمام أصدقائه ومعارفه بسعة نفوذه وشبكة علاقاته الواسعة، ولا يتوانى عن إثبات ذلك من خلال تمكينهم من مراسلات تضمّ استشارات ونصائح يقدّمها لمن في الحكم.
توصّلنا إلى بعض تلك المراسلات التي وجّهت لحكومة يوسف الشاهد عن طريق مستشاره الإعلامي المقرّب مفدي المسدّي، ومن بينها مراسلة تخصّ هيكلة ديوان رئيس الحكومة، وذلك أيّاما معدودات قبل أداء حكومة يوسف الشاهد اليمين الدستورية. من جهته، كان مفدي المسدّي يوجّه بدوره مراسلات تتضمّن مشاريع قوانين (تهمّ إحداث مؤسسات في الإعلام والاتصال) إلى وليد البلطي، يبدو أنه يستشيره في خصوصها.
تدفعنا العلاقة بين وليد البلطي ومفدي المسدّي للحديث عن جانب رماديّ من الخدمات والمتمثّل في التأثير على الرأي العام من خلال موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك. وكان أشرف بربوش الذراع الإعلامية المشتركة بين الطرفين.
اشتغل بربوش في موقع “الجريدة” الذي أسّسه نور الدين بن نتيشة من 2011 الى 2013، ثمّ كلّف بمأمورية في وزارة التربية من 2015 إلى أواخر 2016، ثمّ وزارة الشباب والرياضة من 2017 إلى 2018، وعمل بشركة النهوض بالرياضة سنة 2018. وفي أواخر 2018 شغل خطة بمكتب الإعلام والاتصال في رئاسة الحكومة، حيث وقع التفطّن إلى إمكانياته وتأثيره في الرأي العام من خلال صفحات الفايسبوك التي يشرف عليها.
تمّ إيقاف عقد خدمة أشرف بربوش في عهد الياس الفخفاخ (ينفي بربوش لدى باحث البداية هذه النقطة ويؤكد البقية) ثمّ أعيد في عهد حكومة هشام المشيشي من طرف مفدي المسدي من جديد، ليتم إيقاف عقد العمل مرة أخرى في جويلية 2021.
ويشرف بربوش على عديد الصفحات في الفايسبوك يتجاوز عدد متابعيها المليون وستمائة ألف متابع. رصيد يعتبره رأسماله الرمزي والفعلي، ويضعه على ذمّة من يطلبون خدماته بمقابل، كما هو الحال مع وليد البلطي.
وفي واقع الأمر، لا نعلم إن كان مفدي المسدّي هو من اقترح على وليد البلطي الاستعانة بخدمات أشرف بربوش أم أنّ البلطي، الذي كان يعرف بربوش منذ فترة عمله صلب وزارة الشباب والرياضة، هو الذي بادر بانتدابه، إلاّ أن البلطي وبربوش يعترفان بوجود علاقة شغليّة بينهما، حيث يتولّى البلطي خلاص أجر شهري لبربوش بقيمة 1000 د مقابل وضع الأخير لصفحاته على ذمّة البلطي ينشر فيها ما يشاء، وذلك منذ سبتمبر 2021. كما طلب بربوش من البلطي تمكينه من 1500 د لشراء 3 صفحات على فايسبوك، ولا نعلم إن كان قد اشتراها فعلا، لكنّنا نعلم أن وليد البلطي مكّنه من بطاقة دفع الكترونية خاصة به لخلاص الدعم والإشهار على الفايسبوك. ولم يتوان البلطي عن استغلال هذه الصفحات لنشر مقالات وتدوينات تهاجم شخصيّات رسميّة من بينها رئيسة الحكومة الحالية نجلاء بودن أو تدعم شخصيّات أخرى مقرّبة منه، وفق المعاينات الأمنية لمراسلات وليد البلطي.
يقبع بربوش حاليا بسجن المرناقية، حيث أنّه موقوف على ذمّة قضية أخرى (قضيّة “انستالينغو”).
قصّة “التخابر” المزعوم
لا بدّ لنا من الوقوف في هذه المرحلة على دور أنيس المقعدي في الحكاية. وكان المقعدي قد شغل خطّة ناطق رسمي باسم جهاز أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية، وكان مسؤول الاستعلامات بقصر الرئاسة بقرطاج، وإحدى حلقات الوصل بين وليد البلطي ورئيس الجمهورية قيس سعيّد، حسب ادّعاء البلطي.
بصفته تلك كان وليد البلطي يرسل له في كثير من الأحيان معطيات تهمّ أمن الدولة قصد التحرّي فيها، كما يدّعي البلطي. لكنّ الخدمات لم تكن في اتجاه واحد. فعلى إثر إحالة لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي لتقرير عن شركات الرهان الرياضي الالكتروني إلى النيابة العمومية، شعر وليد البلطي بالتهديد الذي يلاحق شركته، فحاول الحصول على نسخة من التقرير بكلّ الوسائل المتاحة.
إحدى هذه الوسائل كانت اللجوء الى صديقه أنيس المقعدي إذ طلب منه في أواخر شهر سبتمبر 2021، الاتّصال برئيس اللجنة قصد الحصول على نسخة من تقرير “إعلام بتصريح شبهة” المتعلّق بنشاطه في مجال الرهان الرياضي، وذلك بكلّ الوسائل المتاحة حتّى إن لزم الأمر الادّعاء بكون الرئاسة هي التي ترغب في الحصول عليه.
لا نعلم إن كان المقعدي قد استجاب لطلب البلطي أم لا، لكنّ الواضح أنّ وليد البلطي قام بعد أشهر معدودات، وخلال شهر مارس تحديدا، بحجز تذكرة سفر إلى نيس بفرنسا لفائدة أنيس المقعدي، مع حجز بأحد النزل لمدّة شهر، كما عرض عليه تمكينه من مبالغ مالية بالعملة الصعبة، وذلك وفق الأبحاث الأمنية الأوّلية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد راسل وليد البلطي صديقه وربّ عمله في شركة “ميلينيوم كونساي” جون بيار مانجيابان Jean Pierre Mangiapan، من أجل استقبال أنيس المقعدي وتعريفه على بعض الأشخاص في نيس من أجل الاستفادة من خبراته وتشغيله، وناقش معه مسألة حصول المقعدي، الذي كان ينوي تجاوز مدّة الإقامة الممنوحة له، من الاستفادة من اللجوء السياسي لفرنسا، وهو الأمر الذي تراجع عنه المقعدي لاحقا.
علاقة البلطي بمانجيابان كانت السبب الرئيسي لاتهامه بالتخابر مع دولة أجنبية، ففي نظر الادّعاء يعتبر مانجيابان ضابطا فرنسيا تبادل معه البلطي معلومات عن تونس وحاول التأثير في القرار السياسي التونسي من خلال شبكة نفوذ وليد البلطي.
وتعود العلاقة بين الطرفين إلى الفترة التي شغل فيها البلطي خطّة مكلّف بمأمورية في وزارة الشباب والرياضة. وكان مانجيابان يتفاوض وقتها مع الوزارة حول صفقة لإعادة تعشيب الملاعب الرياضيّة. توقّفت الصفقة بعد حلّ الحكومة إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي، ما دفع مانجيابان إلى تصفية بعض شركاته في تونس والاستعانة بالبلطي من أجل ذلك في أفريل 2014.
لكن ما علاقة جون بيار مانجيابان بالتخابر والمخابرات؟ في واقع الأمر فإنّ مانجيابان ينتمي إلى جيش الاحتياط الفرنسي برتبة عقيد، كحال العديد من الفرنسيين. ويتكوّن جيش الاحتياط الفرنسي من متطوّعين يلتزمون بدعم وتنفيذ المهام العسكرية بضعة أيّام كلّ سنة بمقابل. لكن من العسير الوقوف على ارتباط بين مانجيابان والمخابرات الفرنسية.
وهذا رابط المقال في موقع “الكتيبة” لمن يرغب في مزيد من المعلومات..
https://alqatiba.com/journaliste/moez/