في خطوة جريئة وغير مسبوقة في إفريقيا: مالي تتهيّأ لإلغاء اللغة الفرنسية.. واعتماد العربية
باماكو (مالي) ــ الرأي الجديد
كشفت تقارير إعلامية عن توجّه في مالي لتعويض اللغة الفرنسية التي تعتبر اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد، بلغات وطنية أخرى على رأسها العربية و”البامبارا” التي يتحدّث بها غالبية سكان البلاد، مع إمكانية اعتماد اللغة الإنجليزية ضمن تمشٍّ للحدّ من هيمنة الفرنكوفونية.
وخلال جلسات البرلمان الانتقالي التي انعقدت في الآونة الأخيرة، طالب عديد النواب المنتمين إلى كتل سياسية كبيرة ووازنة، بضرورة اعتماد لغات رسمية جديدة لمالي بدلا من الفرنسية، مثل الإنجليزية والعربية التي تصنّف ضمن اللغات الوطنية.
المطالبات البرلمانية، تزامنت بدورها مع مبادرات تقدّمت بها جهات دينية وسياسية، مثل المجلس الإسلامي الأعلى إلى الرئيس الانتقالي، العقيد آسيمي غويتا، بضرورة تصنيف العربية لغة رسمية للبلاد، نظرا إلى كونها لغة القرآن الكريم والمسلمين، الذين يشكّلون الغالبية المطلقة من سكّان مالي، فضلا عن علاقتها الوطيدة بالتراث والتاريخ المشترك مع العالم العربي والإسلامي.
مناقشات هامة
وكان النقاش قد انطلق في الأوساط الإعلامية والنّخب الجامعية والثقافية المالية بشأن مكانة الفرنسية، بعد أن تضمّنت مسودّة الدستور الجديد، الذي طرحه المجلس العسكري الحاكم، فصلا وحيدا بصيغة فضفافة بشأن اللغة الرسمية، مع إلغاء التنصيص على مكانة الفرنكوفونية على المستوى الثقافي والتاريخي.
وهيمن النقاش على كامل المجتمع، واخترق الجدل بشأن “دسترة اللغة الوطنية”، جميع المنابر الإعلامية ومنصّات التواصل الاجتماعي، وأصبح السؤال الأكثر إلحاحا، هو: “هل من الطبيعي أن تكون الفرنسية، بعد 60 عاما من الاستقلال، هي لغتنا الرسمية الوحيدة”؟
وتدافعت عديد الشخصيات والفعاليات الدينية والسياسية والمجتمعية المالية في خضم هذه النقاشات، عن الاعتراف بمكانة اللغات الأخرى وترسيخها في الثقافة الوطنية، مثل العربية والبامبارا التي يتحدّث بها أكثر من ثلاثة أرباع مواطني البلاد.
رسائل ودلالات سياسية
ويكتسي إلغاء الفرنسية دلالات سياسية مباشرة -وفق مراقبين- إذ تكرّس توجّه السلطة العسكرية الحاكمة إلى الانسلاخ الكامل عن فرنسا الحليف الاستعماري السابق اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، على وقع اتّساع هوة الخلافات بين الطرفين، والتي كانت آخر مظاهرها سحب باريس قواتها العسكرية من شمال مالي عقب قطع العلاقات الدبلوماسية.
دعوات القوى السياسية والهيئات الدينية والمجتمعية الموجّهة إلى تضمين العربية ولغات وطنية أخرى في مسودة الدستور الجديد، تأتي كذلك عشية انعقاد القمّة الفرنكوفونية في جربة، ما يشكّل رسالة إلى باريس بمضي باماكو في فكّ الارتباط مع الفرنسية التي تحتلّ مكانة رئيسيّة منذ الاستقلال.
ويرجّح المتابعون أن يقع إقرار العربية إلى جانب الإنجليزية بالإضافة إلى لغة “البامبارا”، باعتبارها لغات رسمية في مسودة الدستور الجديد، والذي سيعرض للاستفتاء في العام القادم.
يشار إلى أنّ نقد فرنسا والعلاقات الفرنسية الإفريقية، نشطت بكثافة خلال السنوات القليلة الماضية، وسط انتقادات لهيمنة اللغة الفرنسية على الشأن الثقافي والاجتماعي والإعلامي في عدّة بلدان إفريقية ناطقة باللغة الفرنسية، وتطورت الانتقادات، لتشمل العلاقات الاقتصادية والسياسية القائمة لعقود بين جزء كبير من إفريقيا وفرنسا، وعمليات النهب التي خضعت لها ثروات القارة من قبل “المستعمر القديم”، والتي تستمر إلى اليوم بأشكال مختلفة.