بين تطبيعين ومكيالين (الحلقة الثانية)
امحمد الهلالي*
عندما كانت متتالية التطبيع والهرولة تجرف الدول والانظمة بدءا من الامارات والبحرين والسودان وانتهاء بالمغرب، في انتظار التالي، كانت بيانات حركة حماس المذكرة بالثوابت والقيم الجامعة تشكل صرخة في وجه الضمير الجمعي للامة والانسانية، وتحذيرا من تداعيات هذا المسلسل على القضية الفلسطينية وثوابتها ومقدساتها، وكذا على حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال واقامة دولته المستقلة فوق ارضه وعاصمتها القدس، وقد اسهمت هذه المواقف في المحافظة على انحياز الحركة الى الامة في اختياراتها في مواجهة مواقف الخذلان التي سقطت فيها هذه الانظمة.
والاجمل في الخطاب المبدئي الصادر عن حماس هو عدم مجاملتها لجميع الانظمة بما فيها تلك التي تجمعها بها علاقات متميزة مع بعض التمييز غير المنصف مع بعضه.
وقد ركز خطاب ادانة ومناهضة التطبيع الذي انتجته حماس على جملة من الحجج منها انه يمثل طعنة في ظهر المقاومة وخذلانا للشعب الفلسطيني ولحقوقه العادلة وتناقضا بين الادعاء بدعم فلسطين واقامة علاقات شراكة مع عدو يوغل في حربه وعدوانه على المقدسات الفلسطينية أرضا وشعبا وحقوقا ويمعن في جرائمه المتواصلة.
واستنكرت عن حق، ان تتم الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، على حساب حقوق الأمّة في القدس والمسجد الأقصى المبارك، وعلى حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، ورفضت ان يتم تحقيق المصالح الخاصة على حساب قضية الشعب الفلسطيني. واعتبرت مشاهد التوقيع مع الكيان الصهيوني خروجا عن المبادئ والأدبيات الدَّاعمة والمؤيّدة لفلسطين وشعبها المقاوم، وكسرًا للمواقف المجمعة على رفض التطبيع مع الاحتلال، كما اعتبرت أنَّ المبادئ لا تتجزأ، وإنَّ المصالح الآنية والمكاسب السياسية لا يمكن أن تكون على حساب قضية الأمَّة الأولى .
ان هذا الخطاب وهذا الوضوح هو ما شكل سلوى وعزاء لمناهضي التطبيع وخاصة في البلدان المطبعة، لكننا اليوم وامام هذا الموقف الذي اتخذته حماس بالتطبيع من نظام ارهابي وقاتل وعلى حساب شعب جريح هو الشعب السوري، فان كل الحجج التي رافعت بها حماس في مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، تصدق من باب أولى على تطبيعها مع نظام الفساد والاستبداد في سوريا، لأنه قاتل لشعبه وليس لشعب محتل أجنبي عنه .
إن تطبيع حماس مع النظام الارهابي في سوريا يثير اكثر من سؤال حول المبدئية والمصداقية في خطاب حماس من التطبيع وهي تضع يدها في يد نظام مجرم لا تقل جرائمه عن جرائم الكيان الصهيوني، بل ويتفوق عليه في الوحشية والاجرام دونما مراعاة لتاريخ الشعب السوري الحافل بدعم قضية فلسطين ولا مراعاة لتطلعاته الى حقه في العيش بكرامة وحرية وعدالة اشواقه في مقاومة الاستبداد والتحرر من الطغيان .
ان تطبيع حماس مع نظام القتل والتشريد والتهجير الذي هو نظام بشار الاسد، لا يقل عن جرائم التطبيع التي تهرول إليه أنظمة صفقة القرن لان القتل واحد والاجرام لا ملة له، سواء كان مصدره الاحتلال او الاستبداد، ولا مفاضلة بين المجرمين الا في ظروف التشديد، كما انه لا تمييز بين الانسان الفلسطيني والانسان السوري المتساويان في أصل الخلقة، والمتناظران في الحقوق الشرعية والانسانية وكذا في منظومة الحقوق والواجبات الفطرية والكونية (لا تمييز ) إلا في تاريخ الآلام وتراكماته.
من هنا يكون تطبيع حماس مع نظام بشار الاسد معادل للتطبيع مع الكيان الصهيوني ان لم يكن أسوأ منه في بعض الجوانب.
* ناشط سياسي ومفكر مغربي
ــ يتبع ــ