راشد الغنوشي للـ”القدس العربي”: “تونس تعرّضت لعملية تدمير منذ 25 جويلية وتحتاج لانقاذ وطني”
تونس ــ الرأي الجديد
قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في حوار لصحيفة “القدس العربي”، اليوم الاثنين 18 أفريل 2022، ان تونس لا تعيش “تنازع شرعيات” وإنما “انقلابا كامل الأركان”، معتبراً أن مشروع رئيس الجمهورية قيس سعيد “يُشكّل خطراً على تونس ويُهدد الاستقرار في المنطقة عموماً”.
وأكد الغنوشي على ان تونس تعرضت لما أسماه بـ”عملية تدمير”، خلال حكم سعيّد وعلى انها تحتاج لمشروع إنقاذ وطني.
وأضاف قائلا: “تونس لا تعيش اليوم تنازع شرعيات وانما انقلابا واضح المعالم وكامل الأركان وما قام به الرئيس سعيد بإعلان حل البرلمان هو في الحقيقة إزالة لما بقي من مساحيق على وجه الانقلاب… ليس في تونس برلمانان… العالم لا يعترف إلا بالبرلمان الذي صدر قرار غير دستوري بحله وتتعامل معه برلمانات العالم: العربي والإفريقي والأوروبي والكونغرس الأمريكي”.
وأشار راشد الغنوشي في نفس التصريح إلى أن “الرئيس وصل لمنصب الرئاسة بفضل انتخابات حرة ونزيهة وبفضل قانون انتخابي وفي إطار نصوص دستورية، وكذلك البرلمان، ولحد الآن لم يبادر البرلمان للدعوة لسحب الشرعية من الرئيس رغم أن نص الدستور يخول له ذلك إن توفر النصاب لقراره بينما قيّد الدستور فعل الرئيس وحصره في ما له علاقة بالبرلمان والحكومة كالدفاع والعلاقات الخارجية، ولا سبيل دستورياً لدى الرئيس لحل أو تجميد البرلمان”.
وأضاف “وقد بادر قيس سعيد لاعتماد ما يسميه الإرادة الشعبية المطلقة كأساس لقراراته التي تعتمد في الحقيقة على سلطة الإكراه، وبينت الأحداث أن سعيد لا شارع له باستثناء من خرجوا يوم 25 ثم تبخروا، إذ بينت الأشهر الثمانية الأخيرة أن الشارع في الحقيقة ضد سعيد الذي تولى بنفسه حشد الشارع لنصرته ليلة 14-1-2022 فلم يلبّ نداءه غير بضعة عشرات، كما بينت الاستشارة الإلكترونية عزوف عموم الشعب عن سعيد وعن برنامجه وفضح هذا العزوف والتزييف الذي تقوم به بعض مؤسسات سبر الآراء حقيقة مواقف التونسيين”.
وأكد رئيس حركة الهضة على أن البرلمان لا يعترف بقرار حله من قبل سعيد وانه لا يسعى أيضاً لسحب الثقة منه قائلا”: “لا تُنتزع شرعية إلا بطرق شرعية. وهذا ينطبق على الرئيس قيس سعيد، أي أن يسحب منه البرلمان الثقة، وهذا ليس مطروحاً كسياسة من قبل معارضي سعيد، أو أن يتقدم لانتخابات رئاسية ولا ينال ثقة أغلبية الشعب. ونفس الأمر ينطبق على البرلمان وغيره من مؤسسات الدولة مثل المجلس الأعلى للقضاء أو الهيئة العليا للانتخابات. ويمكن القول إن الطرف الذي ينازع الجميع شرعيتهم هو في الحقيقة قيس سعيد، فالدولة لا تتلخص في منصب الرئيس، بل في كل مؤسساتها التي من المفروض أن تتضامن في إطار القانون المنظم للسلطات”.
وفي تقييمه لفترة التدابير الاستثنائية قال الغنوشي: “لقد فشل قيس سعيد وفي وقت وجيز في الإيفاء بوعوده التي قدمها للشعب التونسي وبرر بها انقلابه، وهو اليوم يقود الشعب في اتجاه حالة من اليأس ويقودهم نحو التفرقة والانقسام بين التونسيين، ويقود البلاد قبل ذلك في اتجاه الإفلاس والعزلة عن العالم ومن ثمة ارتهان شعبها وإرادتها للخارج أو دفعها في اتجاه الفوضى بعد أن يفكك كل كياناتها الجماعية”.
وأضاف: “لقد أصبحت تونس محل تقارير مراكز الأبحاث الدولية، بما هي منطقة شديدة المخاطر، وبأنها لا قدر الله مقدمة على حالة فشل للدولة. وبالتالي نعم مشروع قيس سعيد هو خطر على الدولة ليس لأنه يؤسس لنظام دكتاتوري فقط ولكن لأنه يقود إلى انهيار الدولة وتفكيكها وإفلاس الاقتصاد وتفقير المواطنين، وتقسيم المجتمع بإثارة النعرات والكراهية بين أبنائه، وهذا كله سيؤدي إلى وقوع البلاد في الفوضى. وبناء على هذا نعتبر أن ما يقوم به سعيد في تونس هو تهديد للاستقرار وفتح الباب لمزيد المخاطر على الشعب التونسي وعلى الدولة التونسية وعلى الاستقرار في المنطقة عموماً”.
وأشار الغنوشي الى أن الفصل 72 من الدستور الذي اعتمده سعيد لتبرير قرار حل البرلمان “لا يخول له احتكار السلطات ولا حل البرلمان مضيفا “بنى المشرعون الدستور التونسي على أساس توزيع السلطات، وبناء مؤسسات رقابية مستقلة، وعلى تحصين مؤسسات الدولة واستقرارها وتضامنها. ولذلك فإنه ضيق من إمكانية المس بها وإرباكها تجنباً لأي فراغ مؤسساتي. وبخصوص البرلمان فإن الحالة الوحيدة التي يمكن بها إعلان حله تكون في حال فشله لمرتين متتاليتين في التصويت على الحكومة، وفي هذه الحالة يبقى المجلس في حالة تصريف أعمال وتتم الدعوة وجوباً لانتخابات في سقف تسعين يوماً”.
واعتبر أن ما يسعى الرئيس للقيام به في خرقه المتكرر للدستور والقوانين المعتمدة والإجراءات المعمول بها هو “هدم مؤسسة أخرى من مؤسسات الدولة وإحداث فراغ مؤسساتي وهو الأمر نفسه الذي قام به أولاً مع الحكومة ومع الهيئة العليا لمقاومة الفساد ثم مع المؤسسة القضائية، فالبرلمان في خطوة ثانية بعد تجميد أعماله بالقوة في مشهد يذكرنا بما فعله يلتسن مع مجلس الدوما، وهو اليوم يعلن حربه على الهيئة العليا للانتخابات باعتزامه التحكم في عضويتها، وهذا مسار نقدر أنه لو سمح له بالتواصل فإنه لن يتوقف حتى يحول الشعب التونسي لمجموعة من الذرات المتناثرة بحيث ينتهي كيان الدولة التونسية لا قدر الله، وانتصاراً للفوضوية”.
وأكد على أن “إعلان الرئيس حل البرلمان مثله مثل مراسيمه كلها بداية من أدائه تفعيل الفصل ثمانين من الدستور، كلها إجراءات باطلة ولا شرعية لها إلا شرعية القهر والإكراه. ولذلك فان واجب البرلمان وواجب كل مؤسسات الدولة احترام القانون والدستور وتسعى لاستدامة آخره في الواقع، ومن ذلك أن يحشد البرلمان طاقته للقيام بواجبه إلا أن تمنعه قوة قاهرة”.
وبخصوص التحقيق مع نواب على خلفية عقد جلسة عامة قال الغنوشي ” التحقيق مع النواب خطوة أخرى من خطوات الاعتداء على المؤسسة القضائية من خلال التعامل معها كتابع للسلطة التنفيذية خارج إطار القانون، وتوجيه تعليمات لها وتكييف للأحداث بحسب الإرادة السياسية للرئيس، وهو أمر لم تشهده تونس في تاريخها الحديث. إذ كيف تتهم إحدى مؤسسات الدولة بالعمل على تغيير صبغة النظام، بينما هي دعت لإلغاء الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس والتي أدت لتغيير صبغة النظام وتهدد بتفكيك مؤسسات الدولة من أجل بناء نظام آخر على أساس فردي ومسار إقصائي استبدادي”.
وتابع : “لنا ثقة في القضاء العادل ولم تعمل المؤسسة التشريعية إلا ضمن نص الدستور والقانون. كما أن في هذا الإجراء المزيد من التشويه لصورة تونس وسمعتها في العالم بما يزيد من تعميق غياب ثقة المؤسسات الدولية في دولتنا وتخليها عن دعمها اقتصادياً، الذي تعمقت واتسعت أزمته بسبب إجراءات الرئيس سعيد اللا دستورية”.
.
وواصل : “صحيح أن النهضة هي الحزب الوحيد الذي نجح في أن يحافظ على وجوده ومؤسساته لذا من المفهوم أن تحمله بعض الأطراف المسؤولية، وذلك أن الناظر عندما يبحث لا يكاد يجد الفاعلين الذين انتخبهم الشعب بعد انتخابات 2012، ولا الذين انتخبهم الشعب في 2014، ولا يكاد يرى إلا النهضة. إلا أن وجود النهضة وبقاءها يجب أن لا يغفل دور تلك الأطراف التي كان لها تأثير حقيقي على سير الدولة واستقرارها وسياساتها. ولذلك فإن الذين يحملون النهضة المسؤولية هم في الحقيقة نفس الأطراف الذين فشلوا في الحفاظ على وجودهم وفي الإيفاء بالوعود التي قدموها للشعب التونسي”.
وفي ما يتعلق بتفاعل اتحاد الشغل مع الأزمة الحالية قال الغنوشي: “الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة وطنية عتيدة كانت لها أدوار مؤثرة في جميع المناسبات الوطنية الهامة، ولكنه لا يستطيع إلا أن يكون في مقدمة أصوات المدافعين عن خبز الشغالين. فالاتحاد كان شريكاً أساسياً لكل الحكومات خلال السنوات العشر الماضية، وقاد الحوار الوطني في 2013الذي أنقذ البلاد من الأزمة السياسية التي مرت بها وتحصل بذلك على جائزة نوبل للسلام. وقد قدم الاتحاد للرئيس مبادرة للحوار الوطني منذ أكثر من سنة وكنا قد دعمناها في وقتها ولكن الرئيس هو الذي لم يستجب لها بعد مماطلة وتلكؤ”.
وقال “لا يمكن للاتحاد أن يوافق على مشروع البناء القاعدي الذي يريد الرئيس فرضه أحادياً على البلاد ونخبها. فلدى الاتحاد تاريخ طويل ممتد قبل الاستقلال وله علاقات ممتدة وسط النخبة التونسية بأحزابها وشخصياتها، ولكن الرئيس لا يتحمل ممثلي هذه المؤسسات الاجتماعية والسياسية الوسيطة لأنه مصر على أن يحكم وحده بينما اتحاد الشغل لا يستطيع إلا أن يكون شريكاً”.
وأضاف: “الرئيس مصمم على محو الأحزاب والمجتمع المدني والمنظمات والثورة، ويريد أن يبدأ تاريخ تونس مع انقلابه في 25 جويلية 2022. هذا ملخص مشروع الرئيس للبناء القاعدي: مسح كل تاريخ تونس الغني وإزالة كل الأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات وطنية ومؤسسات مستقلة، ليبقى الزعيم وشعبه فقط. ولا أظن أن الاتحاد يمكن أن يقبل بهذه الرؤية لتونس وتاريخها ومستقبلها”.
ويرى الغنوشي أن تونس “بعد عملية التدمير التي يقوم بها الرئيس سعيد، تحتاج اليوم لمشروع إنقاذ وطني. وهو مشروع وطني يقوم على أساس حوار واسع لا يقصي أحداً، ولا شك أن الشعب الذي يتهدد الجوع يحتاج لحكومة شرعية تعتني أساساً بالملفات الاقتصادية والاجتماعية وتستمد شرعيتها من برلمان منتخب، ولذلك فلا بد أن يعود البرلمان للقيام بهذا الدور في اتجاه انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها”.