تقرير: الصراعات في ليبيا تزيد من إرباك المستثمرين في تونس.. وتزعج العمال والتجار
طرابلس (ليبيا) ــ الرأي الجديد
تربك الأزمة السياسية في ليبيا تعاملات الكثير من الفاعلين الاقتصاديين في تونس، الذين علقوا آمالا كبيرة على استقرار الجارة الجنوبية لإعادة النشاط إلى أعمالهم التي تعثرت كثيرا خلال السنوات الماضية.
وتونس أقرب الدول للعاصمة الليبية طرابلس التي تبعد عن حدودها نحو 175 كيلومترا.
ويرى الكثير من المسؤولين ورجال الأعمال أن انفراج الوضع الاقتصادي في بلدهم متعلّق بالبوابة الليبية التي تعد العمق الاستراتيجي لتونس، رغم تأثر الاقتصاد البيني خلال العقد الأخير بشكل كبير بالتوترات الأمنية في ليبيا ثم الجائحة الصحية خلال العامين الماضيين.
وتتبادل حكومتان متصارعتان في ليبيا الاتهامات حول التسبب في الأزمة السياسية الحالية.
ولم تتمكن حكومة فتحي باشاغا، التي أدت اليمين قبل شهرين أمام مجلس النواب من دخول العاصمة طرابلس بسبب رفض حكومة عبد الحميد الدبيبة تسليم السلطة إلا لجهة منتخبة، بينما يزيد من تعقيد الصراع الحكومي، نزاع آخر يتزامن بين مجلسي النواب والدولة، ولم يحسم الخلاف فيه حول آلية وموعد إجراء الانتخابات القادمة.
وضع سياسي متوتر
ويعرب رئيس المجلس الأعلى لرجال الأعمال التونسيين والليبيين عبد الحفيظ السكروفي، عن أمله في أن تسير الأمور في الجارة الجنوبية لتونس نحو التهدئة وألا ينزلق الوضع نحو العنف خدمة لاقتصاديات البلدين.
ويقول السكروفي، إن مجموعات اقتصادية كبرى في قطاعات الإنشاء والأشغال العامة حصلت على عقود في ليبيا في إطار خطة إعادة الإعمار، غير أن الوضع السياسي المتوتر هناك يحول دون اندفاع أكبر للمستثمرين التونسيين من أجل بحث فرص شراكة في ليبيا.
ويؤكد أن حصة تونس في السوق الليبية تبقى مضمونة رغم المنافسة الشديدة من الدول الأخرى، وذلك بفضل عمق العلاقات بين البلدين ولا سيما مدن الغرب الليبي.
ويشير إلى أن الأمر لا يقتصر على الاستثمار والحصول على عقود الإنشاء والتجارة وإنما هناك أيضا 50 ألف تونسي حصلوا على عقود عمل في ليبيا خلال الأشهر الماضية.
وفي وقت سابق عبّر عدد من رجال الأعمال التونسيين عن قلقهم من خسارة تونس لموقعها في السوق اللبيبة أمام التقدم المصري، فضلاً عن زحف السلع التركية على السوق الليبية لتزويد الأسواق بالمواد التموينية الأساسية.
وتسبب إغلاق المعبر الحدودي البري بين تونس وليبيا وتعليق رحلات الطيران في حالة إحباط عامة للمتعاملين الاقتصاديين وللعمالة التونسية، التي كانت تستعد للسفر إلى ليبيا من أجل بحث صفقات إعادة الإعمار أو التشغيل.
ونتيجة تفشي فيروس كورونا في تونس، قررت السلطات الليبية بصفة أحادية غلق حدودها أمام التونسيين في يوليو/ تموز الماضي، ليستمر الغلق لمدة ثمانية أسابيع عرفت خلالها الأجواء التونسية الليبية توتراً استدعت تدخلات سياسية على أعلى مستوى.
عودة المناطق الحدودية
وكشف تقرير حديث للبنك الدولي أن تونس تخسر نحو 800 مليون دولار سنويا كتأثير مباشر للأزمة الليبية بين استثمارات وصادرات، وشملت هذه الخسائر، وفقًا لدراسة أعدها البنك الدولي عن “تونس ـ ليبيا”، رقم معاملات المؤسسات التونسية المستثمرة في ليبيا والمصدرة والمؤسسات غير المرتبطة اقتصاديًا بصفة مباشرة مع ليبيا بسبب غياب مناخ الاستثمار على المستوى الإقليمي.
غير أن فتحي الجريء، مسؤول المعبر الحدودي الرئيسي في رأس الجدير ذكر في تصريح إعلامي، إن وتيرة الحركة على البوابة الحدودية البرية عادت بشكل جيد منذ إعادة فتحها قبل أشهر، مضيفا أن ” وضع تدفق السلع حاليا جيد جداً”.
وقبل التوتر السياسي الأخير بين البلدين وغلق الحدود في يوليو/تموز الماضي، قادت منظمات الأعمال المشتركة جهوداً كبيرة من أجل تنظيم فعاليات اقتصادية وتجارية بهدف إعادة التعاون بين البلدين إلى مستويات ما قبل عام 2010.
وبخلاف توتر الوضع في ليبيا، تتصاعد مخاوف قطاع الأعمال في تونس من فقدان صفقات إعادة إعمار ليبيا، بعد تضييق السلطات التونسية على رجال الأعمال عبر إجراءات تقييد السفر، بينما تتزايد تحركات المنافسين، لا سيما الشركات المصرية من أجل الحصول على أكبر قدر من كعكة الإعمار التي تقدر قيمة مشاريعها بأكثر من 110 مليارات دولار.
كما أن المحافظات الجنوبية في تونس تعد الأكثر تأثراً بالوضع في ليبيا والعلاقات بين البلدين.
ويقول الخبير والباحث المتخصص في الشأن الليبي، حمزة المؤدب، إن المشهد الاجتماعي في الجنوب التونسي بات أكثر تأثراً من أي وقت مضى من اضطراب التجارة مع ليبيا التي تمثل أهم مصدر دخل للسكان هناك، مشيرا إلى تصاعد الهجرة غير المنتظمة نحو إيطاليا انطلاقا من سواحل الجنوب بسبب البطالة هناك.
ويؤكد المؤدب أن المناطق الحدودية في الجنوب التونسي كانت تنتظر “عودة الروح” إلى الحياة التجارية والاقتصادية هناك بعد خسائر كبيرة راكمها التجار في المنطقة التجارية المغاربية نتيجة تواتر غلق المعابر منذ عام 2011 وبدرجة أشد منذ 2015.
المصدر: موقع “العربي الجديد”