الأوساط التربوية والتعليمية تفقد محمد بن فاطمة… القامة المعرفية التربوية البيداغوجية الكبيرة
تونس ــ الرأي الجديد / صالح عطية
غادرنا إلى الرفيق الأعلى، العالم الجليل، الأستاذ الدكتور محمد بن فاطمة، المتخصص في علوم التربية، وأحد أبرز الرجال الذين كونوا نخبا تونسية تربوية كثيرة، على امتداد نحو 4 عقود كاملة دون كلل أو ملل.
برع المرحوم بن فاطمة، رحمه الله في البيداغوجيا وعلوم التربية وتقييم النظم التربوية والتعليمية، ووضع التصورات لمشاريع التربية في المؤسسات التونسية، وكان “الدينامو” لكل عملية إصلاح تربوي، أقدمت عليها تونس منذ عقود، سواء مع محمد الشرفي أو منصر الرويسي، أو أحمد فريعة، أو غيرهم ممن تداولوا على وزارة التربية.
بقدر قامته الفارعة، كانت قامته التربوية وإسهاماته بنفسى الحجم، فأفاد أجيالا من المربين،
وساهم في تشكيل وعي نخب من المربين والاساتذة بقيمة التربية والبيداغووجيا وأشكال التقييم التي عرفتها المؤسسة التربوية على امتداد أكثر من أربعين عاما.
كان لي شرف تشريك الرجل في برنامج تلفزيوني قبل بضع سنوات، وما زلت أذكر تلك القدرات العجيبة التي يتميّز بها، وفطنته الكبيرة، ودقة ملاحظاته، وقبل ذلك، سعة اطلاعه، وتقديره لمختلف أنماط التربية والبيداغوجيا، وعمليات الإصلاح وجدواها وهندستها..
كان حضر هذا “البلاطو” سياسيون، ووقفوا مشدوهين لقدرات الرجل، العالم في تواضع كبير، بابتسامته العريضة والأنيقة، التي كانت ترافق تدخلاته، في هدوء يفرض عليك معه، أن تنصت إليه، وتحترمه، وتجلّ معرفته الواسعة بما يتحدث..
أصدقاؤه وزملاؤه يتحدثون بنوع من الإفتخار، عن جهوده في إرساء مناهج تربوية جديدة، وهو الذي شارك في محطات أساسية من إصلاح المنظومة التربويّة التونسية، كما يؤكدون أنّه هو من أدخل بيداغوجيا الأهداف في التسعينات، ورافق المقاربة بالكفايات كباحث ودارس ومنظر وصاحب التقييم الدقيق والمنفتح.
وشارك محمد بن فطيمة في إصلاح نظم تربوية متعددة، في عدّة دول عربية، بينها المغرب والبحرين وسلطنة عمان وغيرها، مستفيدا من مخالطته لفطاحلة العلماء والمنظرين في مجال تخصصه الذي أفنى عمره فيه.
كان لوحده “أمّة”، بعلمه وثقافته، واطلاعه المتعدد على المنظومات في الشرق والغرب، وحرص بعد الثورة التونسية، أن يدفع باتجاه القيام بإصلاح تربوي شامل وعميق، رأى أن تونس تحتاجه بلا ريب، ما يفسّر مساهماته الواسعة في منتديات وملتقيات وورشات عمل في كامل التراب التونسي، منخرطا بين الأساتذة والخبراء، ومندمجا مع منظمات المجتمع المدني بشكل لا هوادة فيه.
وترك الرجل إصدارات كثيرة في مجالات التربيه والتعليم والبيجداغوجيا، سنعود إليها لاحقا.. لأنها تستحق التوقف والإطلالة عليها بإذن الله..
وعسى أن تخصص له وزارة التربية، شارعا أو منتدى أو مؤسسة تربوية أو إحدى القاعات البارزة للوزارة تحمل اسمه، وتذكره الأجيال الحالية والقادمة، اعترافا من الدولة وشعبها بهذه القامة التي تفتقدها تونس اليوم بكل ألم وحسرة..
رحم الله فقيد المؤسسة التربوية، وأسكنه فسيح جناته…
و”إنَا لله وإنا إليه راجعون”..