بين الغنوشي وخصومه… المصلحة الوطنية بميزان العقل
بقلم / بحري العرفاوي
الذين يطالبون الأستاذ راشد الغنوشي بالتنازل عن رئاسة البرلمان، أو رئاسة “جلسة تحدي الانقلاب”، بدعوى المصلحة الوطنية، هم في الحقيقة يطلبون ما لا يحق لهم طلبه، ليس فقط لكون الرجل منتخبا، وإنما لكونهم قادمين من ضفة مهزومة يريدون صناعة نصر في ضفة تقترب من انتصارها.
برأيي المراجعات أمر جيد ومحمود، حتى وإن قام بها مساندو انقلاب ساذج، عودة مساندي الانقلاب إلى التجريب الديمقراطي، هو محل ترحيب، ولا يكون مجال محاسبة ومحاكمة، ولا يضيق بهم مسار الاستئناف و”التصحيح” ، فالقبول بعودة المراجعين، علامة وعي وطني وإرادة تجميع وتوحيد من أجل مستقبل بناتنا وأبنائنا.
ولكن تلك المراجعات يفترض أن تكون مبدئية لا مخاتلة متحيلة، فالعودة الى المسار الديمقراطي تقتضي “الاستئناف” من حيث توقف ثم تكون التنازلات لاحقا.
تنازل الغنوشي ليس أمرا جديدا، وليس يضيره شيئا ألا يكون رئيس برلمان، بل كان عليه ألا يذهب أصلا هناك (كنت نصحت بعدم ترشحه، وربما كان استشرف لحظة وقوفه وحده قبالة مدرعة سعيد تسد باب البرلمان)، الغنوشي لا يستمد قيمته من مكان بل يستمدها من مكانة، مكانة نضالية ومعرفية وتاريخية وعلائقية، إنه يمتلك سلطة المعنى او سلطة النص أو سلطة التجربة، فلا يحتاج أن يكون رئيس برلمان لكي يكون “راشد الغنوشي”.
رحابة الصدر وكبر القلب صفتان محمودتان في بيئة مفعمة بالقيم والمبادىء والتواضع، ولكن في بيئة ملوثة، يتحول الصدر الرحب في أعين المخاتلين إلى “خرابة” ينكلون فيها بمن يتنازل لهم.
الذين يستعجلون “تنحيه”، إنما يمنون أنفسهم برؤية “خصم” في وضع يتأولونه “انتصارا” لهم، و”هزيمة” له، وهزمه يريدون من خلاله، هزم المسار الديمقراطي وأشواق الثورة، وتحديدا وهو الأهم، هزم إيديولوجيا ظلوا يقارعونها عقودا.
بنظري، الغنوشي لن يتنازل عن رئاسة “جلسة الاستئناف”، لرمزيتها، وقد يتنازل بعدها، وينزل من القطار دفعة واحدة حين يراه انطلق..
الغنوشي يمكنه امتطاء المعنى.. يستحضر محطات كان أدركها حين كان “خصومه” يتحسسون مساربهم نحو “محطة”.