أحب الحياة… ولكن..
بقلم / فاطمة كمون
كثيرا ما نسرد بعض الأخبار التي تتناقلها المواقع الإلكترونية دون تمحيص أو تأمل، وغالبا ما تكون تافهة لأنها لا تنخرط بفعالية في تشريح موطن الداء من أجل استئصاله، وتأتي بعد ذلك بعض التعاليق التي تدعو إلى ثورة فكرية، يختزلها في شتم بعض الوجوه السياسية، معتقدا أنها منبع الشر والطغيان، ومن ثم وجب فضحها وملاحقتها.
بهذه الطريقة الارتكاسية، لن نغير شيئا أبدا، سيستمر الظلم، وسنموت غيظا، ونحن نسير إلى الأسوإ، لأن الاكتفاء بالنباح في وجه الظالم، من موقع الضعف، يغذي منابع الظلم ويكسبه مناعة أقوى. ربما نحتاج إلى بعض السخرية في طرح بعض الإشكاليات، مع التكرار بأساليب مختلفة، علّها تحقق المرجو …
أسلوب محمد ماغوط في التقطيع والتجريح وتكسير ركاكة الخطاب المباشر، للخوض في قضايا مهمة، يبقى مدرسة لا بد من أن تدرس بعمق، علّها تكون مدخلا في بناء فكري جديد، لنقد بعض الظواهر التي غدت متفشية في مجتمعاتنا، لا بد لنا من تغيير في أسلوب التواصل، ولنبدأ بتأمل ذواتنا المتشرذمة، ونحاسبها كي تتطابق ما نصبو إليه ..
نتحدث عن التعاسة والانحلال والأزمات القيمية في فضاء بعيد عن المعنيين بالخطاب، وحتى إن تجرأت وسألت أحد المعنيين عن سبب هذه التعاسة أو الانتكاسة في مسار حياته اليومية، غالبا ما يكون جوابه بسيطا لا يتعدى معدته وأسفل سرته، هذا وإن تنازل ومدك بجواب، إذ أن أغلب العابرين في زحمة الحياة العاصفة بالأحلام، صامتون لأن رؤوسهم ثقيلة، تملؤها الضجة التي تخلفها عملية شحن تلك السلوكات المتكررة والمملة..
صامتون لأنهم يشعرون بألم على مستوى بطونهم الفارغة، وجيوبهم المثقوبة، والصرخات الثكلى لمن تركوهم وراءهم من عوائلهم.. صامتون لأن أحلامهم مهدورة، وما بقي منها أعدّوا لها المشانق … صامتون لكنهم يعون حجم مآسيهم، صامتون لأنهم ملوا الصراخ الذي فقد الصوت والصدى… فكل كلمة ينطقونها تسبب لهم ألما خفيا، لا يكلفون أنفسهم عناء شرحه لبعضهم البعض.
صامتون لأن النهار أنهكهم بمتطلباته الكثيرة، وهم عاجزون .. لأنهم يخشون فقدان الدوار اللذيذ من وهم، أو خمر ، أو حتى نوع مخدر…
صامتون لأن مشاريعهم الوهمية التي يشيدونها بوعي الحلم الواهم، تنتهي بانتهاء الليل عند رنة المنبه، للركض مجددا في متاهات الحياة العاصفة.. كما أنهم يخشون عدوهم النهار، فاضح تلك الأوهام التي لا تعشش في رؤوسهم سوى في الظلام، تكبر وتنمو وتزهر وتموت أو تغتال عند أول خيط ضوء…
ربما يكررون بأسلوبهم ما قاله “ماغوط ” يوما أيها النساجون، أريد كفنا واسعا لأحلامي.