بعد قرابة 50 سنة على وفاته: لائحة إتهام ضدّ “فريد الأطرش” !!!
تونس ــ الرأي الجديد (مقالات)
الكاتب رشاد أبو داود، نشر مقالا، يوجه فيه جملة من التهم ضدّ الفنان فريد الأطرش، فرغم مرور 48 عام على وفاته، إلاّ أنه يرى أن ما فعله بالنفوس يستوجب محاكمته، فالتهم الموجهة ضدّه لا تسقط بالتقادم ولا بالموت.
لو كان حيّاً، لرفعت عليه دعوى قضائية. لائحة الاتهام تتضمن: بث الحزن، الكآبة، الإحباط، السوداوية لدى أجيال على مدى عشرات السنين. وضع أصبع صوته على الجروح، فراح ينكأ بها حفراً، ويرش عليها الملح، فتسيل دموع مرة من قلوب المحبين والسيئة حظوظهم.
غاص فريد الأطرش في مساحات الحزن في الحياة، حتى إنه لعن اليوم الذي ولد فيه، وغنى “عدت يا يوم مولدي / عدت يا أيها الشقي”. كان يترجم أحاسيسه في ألحان مميزة، جعلته أحد عمالقة الغناء والموسيقى العربية.
لكن تلك الألحان كانت تخرج من نفس الجرح العميق في نفسه، حاملاً رائحة حالة انكسار لازمت حياته، خاصة بعد وفاة شقيقته أسمهان، التي كانت منافسة قوية لأم كلثوم، وغنت له “ليالي الأنس في فيينا”، “نويت أداري آلامي”، “فرق ما بينا ليه الزمان”، وغيرها من الأغاني التي خرجت من نفس بيت الحزن.
انقسم جيل الأربعينيات والخمسينيات بين حزب محمد عبد الوهاب، صاحب الصوت الهادئ المثقف، وحزب فريد الأطرش. أتذكر حين كنت صبياً، أبو محمود زعيم حزب الأطرش في حارتنا، كان يسرح شعره إلى الخلف، ويرفع بنطاله إلى وسط البطن. يصحو على صوت فريد، يغني بصوت فريد، وينام بحزن فريد. لكأنه تلبّسه جن فريد، يغني أغانيه في أي وقت، وفي أي مكان…
عندما دخل عبد الحليم حافظ على الساحة الفنية في الخمسينيات، تشكل حزب ثالث، وهو جيلنا. كانت أولى أغنياته “صافيني مرة”، وغنى لنا “في يوم في شهر في سنة”، “وحياة قلبي وأفراحه”، “موعود”، “على قد الشوق” وغيرها.. وتماهى مع تطور الزمن، وغنى “سواح”، “زي الهوا”، “قارئة الفنجان”، “الهوا هوايا”، وغيرها من الأغاني التي جعلت له جمهوراً عريضاً من الجيل الجديد حينها، ومنهم أنا…
هزمنا حزب عبد الوهاب وفريد. فالأول كان يغني لزمنه بحس مرهف، وصوت دافئ، كلمات وقصائد عميقة، والثاني فريد، كان يعبّر عن الحزن، ويبكي جيله معه. أما عبد الحليم، فكان حين يتألم يعبّر عن ألمنا، يوجعنا، لكن برفق من دون بكاء. ثمة فرق بين أن تتألم وتستسلم، وبين أن تتألم وتتحمل وتواصل الحياة، التي لا تستقيم على وتيرة واحدة. فلا فرح يدوم، ولا ألماً يبقى.
أعتذر لفريد الأطرش وعشاقه، فقد كان صادقاً في أحاسيسه، وكان أحد عمالقة الغناء والموسيقى، لكنه لم يستطع أن يرى كل الوردة، بل الشوك في الوردة.
المصدر: الدستور الأردنية (بتصرف)