ما الذي حصل لوزير الخارجية حتى يغيّر تغريداته المثيرة؟؟.. عندما يقفز الجرندي من القارب…
تونس ــ الرأي الجديد / صالح عطية
تغريدة وزير الخارجية، عثمان الجرندي، التي نشرها على تويتر السبت، ماتزال تثير الكثير من التساؤلات، وتتسبب في جدل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من أنّ الرجل سحب التغريدة، وكتب بدلا عنها تغريدة ثانية، قبل أن يغرد قائلا: “للأوطان حرمة لا يبيعها إلا الأنذال”، وهي العبارة التي تساءل حولها كثيرون.
ـــ من يقصد الجرندي بــ “الأنذال”؟
ـــ وماذا يعني بــ “حرمة الأوطان”؟
ـــ وما الذي يقصده وزير الخارجية التونسي، بــ “البيع”، المرتبط بــ “الأنذال”؟
وتزامنت هذه التغريدة بمفرداتها المستعملة، مع ثلاث أحداث مهمة:
** استقالة مديرة الديوان الرئاسي، نادية عكاشة من مهمتها، وهي التي كان لديها “سوابق” مع وزير الخارجية بالذات، حيث يتردد أنّها كانت شديدة معه في بعض المواقف أو القرارات ذات علاقة، إما بتعيين سفراء، أو بالموقف الدبلوماسي، أو بالعلاقات التونسية مع بعض البلدان، وهو ما واجهه وزير الخارجية ببراغماتية، يلومه عليها سفراء من داخل الوزارة، الذين يعتبرون مقام وزير الخارجية، أعلى من مديرة الديوان الرئاسي، في تقديرهم، وبالتالي غير مسموح له بأن يسكت عما اعتبره البعض “إهانات” لحقت رئيس الدبلومسية التونسية في فترة سابقة.
** المكالمة الهاتفية للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مع الرئيس قيس سعيّد، التي تضمنت الكثير من “النصائح” إلى “ساكن قرطاج”، في علاقة بإدارة المشهد التونسي، خاصة فيما يتعلق بتعيين توفيق شرف الدين رئيسا للحكومة، بدلا من نجلاء بودن، وترتيب حوار وطني، يصفه البعض بكونه “على المقاس الفرنسي”.. وهي المكالمة التي قد تكون غيرت من تفكير وزير الخارجية إزاء مجريات الأحداث في تونس.
** المكالمة الهاتفية للرئيس الفرنسي مع الوزير الجرندي بالذات، والتي يترددد في الكواليس المحيطة بالسيد الجرندي، أنها كانت من الأسباب الرئيسية وراء تغريدة وزير الخارجية، في مشهد بدا وكأنّ عثمان الجرندي، أراد بتغريدته أن “يقفز من القارب” قبل فوات الأوان، في وقت يبدو هذا القارب، بين أمواج عاتية، أو أنّه مهيأ لثقب، قد تؤدي به إلى وضع محمول على الكارثة.
ومع ذلك، يبقى نص التغريدة معرضا لأكثر من استفهام، خاصة فيما يتعلق بمسألة “البيع”، و”الأنذال”، والعلاقة بين المسألتين شديدة الحساسية، خاصة وأنّ وزير الخارجية ربط فعل البيع، بالوطن، وهو ما يحيل على الخيانة العظمى، دستوريا وقانونيا وسياسيا وأخلاقيا أيضا.
وتزداد هذه التغريدة أهمية، عندما نضيف بأنّ وزير الخارجية، كتب تدوينة ثانية، بدت وكأنها تصحيح لما ورد في التدوينة الأولى التي قدم فيها استقالته، أي إنّ التغريدة الثانية، حصلت تحت ضغوط، لا يعلمها إلا الجرندي، وهو ما يترجمه نص التغريدة ذاتها، التي جاءت بعد 6 ساعات من محو التغريدة الأولى، حيث كتب: “عندما يعمل رئيس الجمهورية ليلا نهارا للدفاع عن سيادة هذا الوطن وحرمته، وعندما لا تدخر الحكومة جهدا من أجل الحفاظ على كرامة التونسي ومجابهة كل التحديات، فإن هذه التغريدة هي نداء للبعض لصون حرمة الوطن، والكف عن الترويج للادعاءات الباطلة والمضللة. تونس بخير وستظل أجمل أمهات الأرض”..
إنها التغريدة التي كتبت بصيغة التصحيح للتغريدة السابقة المحذوفة، تلك التي عبر فيها عن حقيقة تفكريه، لذلك نص فيها على استقالته، وهو الذي كتبها خارج البلاد، عندما كان يتهيّأ لاجتماع وزاري عربي في الجزائر، أي إنّ الرجل خضع لضغوط، وربما مطلبا بكتابة تغريدة، من شأنها تخفيف ما ورد في الأولى.. وهو ما فعله السيد الجرندي..
اللافت في تغريدات وزير الخارجية، أنها جاءت لتعبّر عن إرباك تعيشه مؤسسات الدولة، ومسؤوليها، خصوصا في هذه المواقع الحساسة، على غرار وزارة الخارجية، إذ لا يكفي أنه كتب بنبرة عاية وواضحة، بل إنه اضطر ــ على ما يبدو ــ إلى التراجع عنها تحت ما “الإكراه” بمعنى ما، لأنّ بين هذه التغريدات، مسافات وأحاسيس وقناعات، لا رابط بينها، سوى انّ ثمة شيئا ما أضطره إلى ذلك..
يبقى معنى “أنذال” الذي ذكره الجرندي، ويبدو أنه لا يمكن أن يفصح عن معناه إلا وزير الخارجية، الذي ينبغي أن يسأل فعلا عن المعنيين “بالأنذال”، سيما ونحن نتحدث عن شخصيات مسؤولة في الدولة.. فمن يقصد الجرندي بذلك؟؟
على وزير الشؤون الخارجية أن يجيب، وهذا واجب عليه، وإلا تحولت كل الحكومة إلى “أنــ …….”، وهو ما يعني أننا بإزاء توصيف شديد الخطورة، لم يكن ينبغي أن يصدر عن شخص في حجم الرجل، ولا في طبيعة مهمته، كدبلوماسي، بل قائد أوركسترا الدبلوماسية التونسية، إن كانت لنا هذه الدبلوماسية أصلا اليوم؟؟
وهذا موضوع آخر…