الاستشارة الإلكترونية: هل انقلب السحر على “الساحر”…
تونس ــ الرأي الجديد / أبو سعيد
أورد موقع “البوابة الالكترونية للاستشارة الوطنية”، أنّ عدد المشاركين في الاستشارة الوطنية، بلغ نحو 113 ألفا و736 مشاركا، بعد مرور أسبوعين على إطلاقها، وإلى حدود منتصف نهار أمس الأحد.
وتعكس هذه الأرقام الفشل الذريع لهذه الاستشارة، التي طالب السياسيون والمجتمع المدني، والمحللون والخبراء بإلغائها، لعدم جدواها بالشكل الذي طرحه رئيس الجمهورية، واعتبروا أنّ التعويل على استشارة إلكترونية، دون أي تفاصيل، حول من يديرها، ومن يشارك فيها، وسط شكوك في وجود عملية انتقاء للمشاركين، كل ذلك، يجعل منها مضيعة للوقت على التونسيين الذين ضيعوا بطبيعتهم الكثير من الوقت، سواء خلال السنوات العشر الماضية، أو بالأساس خلال الأشهر الستة الماضية، منذ انقلاب الرئيس قيس سعيّد على الدستور، وعلى المسار الديمقراطي في البلاد.
وكان تصريح الرئيس قيس سعيّد، بشأن النتائج الأولية للاستشارة الإلكترونية، مثيرا لانتقادات عديدة من قبل معارضيه.
فقد أفصح رئيس الدولة، عن وجود 82 بالمائة من التونسيين يرغبون في النظام الرئاسي، و81 بالمائة طالبوا بنظام الاقتراع على الأفراد، إلى جانب كثيرين لم يذكر الرئيس أعدادهم، طالبوا بتصحيح وضعية المجلس الأعلى للقضاء.
ولا شك، أنّ استشارة بمائة و13 ألف شخص، لا يمكن ان تكون دليلا لتغيير نظام سياسي، ولا نظام الإقتراع في الانتخابات، ولا الحكم على المجلس الأعلى للقضاء، ولا غير ذلك، حتى مما هو أبسط من هذه القضايا الجوهرية.
إنّ الأرقام التي أفصح عنها رئيس الجمهورية الاربعاء المنقضي، تطرح أمورا عديدة، لعلّ أهمها:
ــــ أنّ الإستشارة فشلت، وانتهى أمرها، ولا يمكن أن تقدّم صورة عن وجهة نظر التونسيين.. لقد فقدت قيمتها السياسية والإجرائية، وبات كل ما قاله، وسوف يقوله رئيس الجمهورية عنها، فاقدا لأي مصداقية أو مفعول نفسي أو سياسي لدى الرأي العام في بلادنا، فضلا عن المتابعين للشأن التونسي.
ــــ أنّ ما سمي بــ “الحصيلة الأولية” للإستشارة، وهذا اللافت للنظر، لم تكن في حجم تلك الشعبية المزعومة لرئيس الجمهورية، إذ كان يفترض أن نجد على الأقل مليون أو أكثر في غضون الأسبوعين الماضيين، لكنّ الرقم المقدّم إلى حدّ الآن، يترجم بوضح، بأنّ شعبية رئيس الدولة، في تراجع مذهل، إن لم نقل في هبوط متدنّ إلى أبعد الحدود، نتيجة قراراته، ومواقفه، وطريقة إدارته للدولة التونسية، فحتى أنصاره المزعومون، لم يستطيعوا أن يتجاوزوا المائة وعشرون ألف شخص في أسبوعين..
وهذا يحيلنا على عمليات سبر الآراء التي تقدّم لنا رئيس الجمهورية، في صدارة الرئاسية، بما يبرر شكوك الكثيرين حول هذه العمليات، التي ما فتئت تلعب دورا سياسيا مشبوها في البلاد، وخاصة في المشهد السياسي والانتخابي..
ــــ ومن ثمّ، فإنّ المدافعين عن رئيس الجمهورية، والمقتنعين به، ليسو سوى تلك الانفار التي خرجت بأعداد قليلة يوم 25 يوليو، أو تلك الموزعة على صفحات “مخادعة” على فيسبوك، لأأما رقم المليونين و800 ألف مصوّت له، فقد باتت بلا معنى حاليا، بعد أكثر من عامين من مدّة رئاسته للبلاد، التي يفترض انها تمتدّ إلى غاية العام 2024.
ــــ إنّ استبدال الحوار الوطني، باستشارة إلكترونية، ليس بدعة سياسية وإجرائية فحسب، إنما هي أيضا شكل من أشكال “الوعي الزائف”، الذي اختارته رئاسة الجمهورية، لتجاوز “التنميط الديمقراطي”، كما يقول حلفاؤها ومساندوها، إلى “تنميط إلكتروني”، لكنّه للأسف خارج سياق المنظومة الديمقراطية الحديثة، وخارج سياق الفكر السياسي الحديث أيضا.. لذلك بدا دفاع مسانديه عنها، كمن يدافع عن بيت خرب، في منتجع سياحي..
فهل لهذا السبب، خرج الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، ليطالب بحوار وطني يشمل الجميع؟
هل وصل اتحاد الشغل إلى قناعة، بأنّ هذه الإستشارة، باتت من الماضي، وبالتالي حرص الطبوبي على أن ينقضّ على هذه الفرصة، لكي يبادر بطرح مسألة الحوار الوطني، دون أية تفاصيل، من النوع التي يذكرها مساندو الرئيس، حول من يحضرها، ومن يقصى منها؟؟
في كل الأحوال، فقد أكدت الأرقام بشأن هذه الإستشارة، أنّ تونس لا يمكن أن تدار باسشارات لضبط إيقاع الحكم، وتغيير وضع سياسي ودستوري في حجم الملفات المطروحة من ناحية، وبالقفز ثانيا، عن الطبقة السياسية والمنظمات الاجتماعية وأطر المجتمع المدني..
الأهم من كل ذلك، أن الرئيس قيس سعيّد، بات مطالبا، بأن يغيّر من أسلوبه وفلسفته، فأول الحصون التي شيدها، يبدو أنها سقطت قبل أن يبدأ في استغلالها..
فهل يتعظ رئيس الجمهورية، أم يستمر في نهجه الذي سيجر البلاد إلى مصير غير معلوم الملامح، وبلا أفق مستقبلي ؟؟