كاتب بريطاني: مخابرات السيسي في قصر قرطاج… حطب الثورات جفّ.. لكنّ جمرها مستمر
لندن ــ الرأي الجديد (ديفيد هيرست)
تحت عنوان “ربما انتصر الطغاة العرب في المعركة، لكن الصراع لم ينته بعد”، أكد الكاتب الصحافي البريطاني ديفيد هيرست في موقع “ميدل إيست آي” (عين الشرق الأوسط)، الذي يحرره، أن الموجة الأولى من احتجاجات الربيع العربي، التي اندلعت في عام 2011، قد تكون مرت، لكن جمره لا يزال يحترق في تلك الشوارع وفي قلوب وذكريات الملايين..
واعتبر أن هذا العام (2021) كان بمثابة الجنازة الرسمية للربيع العربي، حيث شهدت تونس والمغرب الإطاحة بآخر الحكومات والبرلمانات التي إما هيمن عليها أو دعمها الإسلاميون، الذين وصلوا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.
وفي الصيف الماضي، وقعت تونس تحت نفس الظل الاستبدادي الذي حاولت الخروج منه خلال العقد الماضي، حيث عزل الرئيس التونسي قيس سعيد، رئيس الوزراء وجمد البرلمان، وأعلن أنه سيحكم من خلال مراسيم رئاسية في خطوة وصفها مستشاروه بـ “انقلاب دستوري”… ووجد الإسلاميون في تونس أنفسهم منبوذين ومعزولين ويعاملون بازدراء، خارج أبواب البرلمان المغلقة.
جيل جديد من الطغاة
ماذا دار بين سعيّد والسيسي في هذه المحادثة ؟
وأشار إلى أنه كان هناك قلة من معارضي سعيد العلمانيين، مستعدين في البداية للخروج إلى الشوارع من أجلهم. وقال الكاتب إنه بعد أن ظهر أن الرأي العام انقلب ضدهم، اعترف راشد الغنوشي، زعيم النهضة، بمسؤولية حركته عن جزء من الفشل في معالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد. ثم انطلق الجميع في كتابة نعي الربيع العربي.
وتنفس الغرب الصعداء، بحسب هيرست، حيث لم يتوقف عن الخلط بين الإسلام السياسي والراديكاليين العنيفين. وكان الغرب يعتبر أن الربيع العربي تحول إلى شتاء إسلامي. أما الروس فقد رأوا أن الربيع العربي بمثابة ثورة ملونة أخرى دبرتها وكالة المخابرات المركزية، مثل تلك التي حدثت في يوغوسلافيا السابقة وجورجيا وأوكرانيا، وكانت تلك الثورات قوية بما يكفي لتفكيك الإمبراطوريات. كما رأى الصينيون في هذا الانهيار الديمقراطي تبريرًا لحملتهم المستمرة ضد الإيجور. بينما كانت علاقة الإيرانيين معقدة بالإخوان المسلمين، لكنهم لم يرحبوا أبدًا بالإخوان الذين يتحدون ادعاء الجمهورية الإسلامية بأنها الممثل الوحيد للإسلام.
وأخيراً وليس آخراً، هناك أمراء عرب أنفسهم، كما يؤكد الكاتب. وكانت تونس آخر مشهد في عرض الديمقراطيات التي تمكن هؤلاء الأمراء العرب من تخريبها، بحسبه. واعتبر أن ذلك كان انتصارًا كبيرا لجيل أصغر من الطغاة، وهم الأمراء الذين بدا حكمهم ميكافيليًا جدًا بشكل يفوق آباءهم وأعمامهم بشكل كبير. ومنذ ذلك الحين، لم يبق سوى نموذج واحد فقط للدولة العربية حاكم مطلق، عسكري أو ملكي على رأس كيان يتشكل من الشرطة السرية والقوات الخاصة والصحافيين المأجورين، يحكمون شعوبهم من خلال مزيج تام من السيطرة على العقول والقمع، فهم الذين أصبح الإنترنت في أيديهم أداة للرقابة الجماعية. وأما المعارضة، فسواء كانت علمانية أو إسلامية، فهي في غياهب السجون ومات كثير منهم هناك. وبحسب الكاتب فأولئك الذين لم يتمكنوا من الفرار ينتظرون الإبلاغ عنهم من قبل جيرانهم، حيث أن تغريدة واحدة ستكون كافية لتقرير مصير الواحد منهم. وأولئك الذين فروا أصبحوا أسرى القلق على مصير عائلاتهم التي تركوها في الواقع كرهائن.
السيسي يصدر الانقلابات
النصائح المصرية للبرهان
ويشير الكاتب إلى أنه خلال هذا العام، وفي عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، تواصلت سياسات عبد الفتاح السيسي، الديكتاتور المصري المفضل لدى ترامب. وأعرب بايدن عن خالص امتنانه للسيسي على دوره في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين خلال حرب غزة الأخيرة في ماي الماضي. وبعيدًا عن كونه منبوذًا دوليًا، أصبح الديكتاتور المصري نموذجًا يحتذى به في المنطقة، يلجأ سعيّد في تونس واللواء عبد الفتاح البرهان في السودان إليه لطلب النصيحة.
ويؤكد الكاتب أنه كان أفراد من المخابرات العسكرية المصرية في القصر الرئاسي في قرطاج عندما تولى سعيّد السلطة، وأن رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، كان في السودان قبل أيام من انقلاب البرهان في أكتوبر. وبحسبه يمكن القول إن السيسي يقوم حاليا بتصدير الانقلابات العسكرية بعد نجاحه فيها. ولا تزال واشنطن تسانده بالرغم أن بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بعدم إعطائه المزيد من الشيكات على بياض.
هل انتهت لعبة الربيع العربي ؟
ويتساءل الكاتب: إذن، هل انتهت بالفعل لعبة الثورة التي اجتاحت العالم العربي عام 2011؟ هل كل تلك الآمال والأحلام المفعمة بالحرية والكرامة تبخرت في الهواء؟ هل كانت مغامرة شجاعة لكنها محكوم عليها بالفشل في النهاية؟
يقول هيرست ارتكب كلا الطرفين في ميدان التحرير، من العلمانيين والإسلاميين، أخطاء فادحة، وكلاهما وضعا ثقتهما في جيش خدعهما الواحد تلو الآخر. ويضيف لنأخذ الخطأ الأخير، دعم حزب النهضة ترشيح سعيد. كان بإمكانهم أن يتعمقوا قليلاً في تاريخه. فكل المعلومات موجودة هناك. وفي مصر استمرت التجربة لمدة عام.
وبالرغم من كون محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب، فإنه لم يكن في السلطة أبدًا. استمرت تجربة تونس عبر حل وسط تلو الآخر لمدة 10 سنوات، لكن في معظم ذلك الوقت، لم يكن حزب النهضة في المنصب ولا في السلطة. ومع ذلك، تم لومه على الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات الأخرى. ويرى الكاتب أنه في ظل الاندفاع لتحميل الضحية المسؤولية على الجريمة، غاب عن المحللين نقطة بارزة وهي أنه بغض النظر عما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين قد ماتت ودفنت، فالدولة العربية نفسها في حالة من التردي، بل ويمكن أن أقول إنها تتجه إلى حتفها، فالذين دبروا الانقلابات غير قادرين على حكم بلادهم، فهم ببساطة لا يعرفون كيف يحكمونها، وليسوا مؤهلين لذلك.
ويكتب هيرست: تذكروا المطالب الثلاثة التي رفعتها ثورة “يناير” في مصر: عيش حرية عدالة اجتماعية. ففي كل واحدة من هذه المطالب، باتت مصر في عام 2021 أضعف مما كانت عليه، عندما نفذ السيسي انقلابه العسكري ضد مرسي في عام 2013.
مصر تزداد تراجعا
خلاف أميركي مع سعيّد
ويتناول هيرست حالة مصر من الناحية الاقتصادية، والتراجع المذهل للنمو الاقتصادي، وارتفاع حجم الديون، وازدياد حجم الفقر والخصاصة والحرمان، لينتهي بعد سرد الأرقام المدللة على ذلك، إلى أنّ السيسي أفقر 9 ملايين مصري على الأقل. ولا عجب إذن أن تنشأ في محافظات الصعيد، التي يتفشى فيها الفقر، مافيا قوارب التهريب التي تنظم رحلات الهجرة الخطرة إلى ليبيا ومن هناك إلى إيطاليا. وأصبح ساحل البحر الأبيض المتوسط الآن مسرحًا لمآس متواصلة. وبينما ينفق السيسي الأموال على مشاريع بنية تحتية مشكوك في جدواها الاقتصادية، مثل توسيع قناة السويس أو جسر روض الفرج المعلق (يتم الترويج لها محليا من خلال الزعم أن العالم يتحدث عنها)، فإن فقراء شعبه يهاجرون. كل هذا بعد أن تم ضخ عشرات المليارات من الدولارات في خزائن مصر وجيوب الجيش من قبل السعودية والإمارات والكويت.
تباينات عربية فاحشة
يؤكد الكاتب أن المنطقة تعاني بأسرها من سوء الحكم.
ففي 2020، كشفت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن 69 مليون شخص يعانون من الجوع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نتيجة الأزمات المتزايدة والاضطرابات الاجتماعية، وانعدام المساواة، وتغير المناخ، والتداعيات الاقتصادية للجائحة، والتفاوتات بين الشعوب والمجتمعات، على خلفية التفاوت في ثروات الدول العربية وطريقة حوكمتها.
لينتهي إلى إقرار أنّ هذه التفاوتات الفاحشة، هي الأشياء التي تصنع منها الثورات.
ويضيف:
“بعد مرور 10 سنوات، أصبح الحطب الذي أشعل ثورات 2011 أكثر جفافًا، لكن جمرها لا يزال يحترق في قلوب وذكريات الملايين. وما حدث قبل 10 سنوات، ليس سوى الفصل الأول من صراع هائل وطويل. وهناك فصل آخر قادم بالتأكيد”.