محادثات الوفد الأميركي مع قيس سعيّد: رواية قصر قرطاج.. ورواية البيت الأبيض
تونس ــ الرأي الجديد / سندس عطية
مرة أخرى، يجد الرأي العام المحلي والدولي، المتابع للشأن التونسي، نفسه إزاء روايتين لنفس الحدث، والحدث هذه المرة، هو المحادثة التي أجراها الوفد الأميركي مع الرئيس، قيس سعيّد، أمس، وفحوى رسالة الرئيس الأميركي، جو بايدن إلى نظيره التونسي.
فقد جاء نص البيت الأبيض، الذي أصدره أمس، مختلفا قلبا وقالبا، عن مضمون البلاغ الرئاسي.
ففي البلاغ الرئاسي التونسي، جاء ما يلي:
“أكد رئيس الجمهورية قيس سعيّد، مساء اليوم الجمعة 13 أوت 2021 بقصر قرطاج، خلال استقباله وفدا رسميا أمريكيا ترأسّه جوناثان فاينر، مساعد مستشار الأمن القومي، الذي كان محمّلا برسالة خطية موجّهة إلى رئيس الدولة من قبل جوزيف روبينيت بايدن، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بأن التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها تندرج في إطار تطبيق الدستور وتستجيب لإرادة شعبية واسعة، لا سيّما في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستشراء الفساد والرشوة.
وحذّر رئيس الدولة من محاولات البعض بث إشاعات وترويج مغالطات حول حقيقة الأوضاع في تونس، مبيّنا، أنه لا يوجد ما يدعو للقلق على قيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي تتقاسمها تونس مع المجتمع الأمريكي.
وأشار رئيس الجمهورية إلى أنه تبنى إرادة الشعب وقضاياه ومشاغله، ولن يقبل بالظلم أو التعدي على الحقوق أو الارتداد عليها، مؤكّدا على أن تونس ستظل بلدا معتدلا ومنفتحا ومتشبثا بشراكاته الإستراتيجية مع أصدقائه التاريخيين”.
أما في البلاغ الصادر عن البيت الأبيض، فقد تضمّن الآتي:
“كشف البيت الأبيض اليوم، عن تفاصيل زيارة نائب الرئيس، مستشار الأمن القومي، جون فينر، برفقة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة، جوي هود، إلى تونس ولقاءه بالرئيس قيس سعيد.
وقال البيت الأبيض في بلاغ له، أن المستشار الأمريكي، قدم رسالة من الرئيس بايدن يؤكد فيها “دعمه الشخصي ودعم إدارة بايدن ــ هاريس للشعب التونسي، ويحث على العودة السريعة إلى مسار الديمقراطية البرلمانية في تونس”.
كما ناقش النائب الأول لمستشار الأمن القومي، فينر مع الرئيس سعيّد، الحاجة الملحة إلى تعيين رئيس وزراء مكلف لتشكيل حكومة قادرة على معالجة الأزمات الاقتصادية والصحية العاجلة التي تواجه تونس.
وأوضح “إن تمكين حكومة جديدة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، سيخلق أيضًا مساحة لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة، استجابة للمطالب التي أعرب عنها العديد من التونسيين على نطاق واسع، لتحسين مستويات المعيشة، بالإضافة إلى الحكم الصادق والفعال والشفاف”.
كما التقى النائب الأول لمستشار الأمن القومي فينر بقادة المجتمع المدني، ونقلوا دعم الولايات المتحدة لمشاركة المجتمع المدني النشطة، في بناء مستقبل ديمقراطي ومزدهر لجميع التونسيين.
مضمون الرواية التونسية
في الرواية التونسية، ثمة نقل لوجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، التي تتضمن تطمينات للجانب الأميركي بوجود احترام للدستور التونسي، من خلال التدابير الاستثنائية التي اتخذها، المنصوص عليها في الدستور، وأنها مستجيبة لمطالب الشعب التونسي، معرجا على أنّ ذلك كان بسبب الفساد والرشوة، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة في تونس..
ورغم كل المخاوف الصادرة عن المجتمع المدني والأحزاب والشخصيات السياسية التونسية، من مآلات الوضع، في ظل انفراد سعيّد بالقرار دون بقية المؤسسات (الحكومة ــ البرلمان ــ السلطة القضائية…)، فإنّ الرئيس سعيّد، أبلغ الأميركيين بأن ما يروج من أحاديث تخص الحقوق والحريات والديمقراطية، ليست سوى “إشاعات ومغالطات”…
المقاربة الأميركية
لكنّ الرواية الأميركية، جاءت لتكشف معطيات أخرى دار الحوار حولها بين الطرفين، من بينها، “العودة السريعة إلى مسار الديمقراطية البرلمانية في تونس”، و”الحاجة الملحة إلى تعيين رئيس وزراء مكلف لتشكيل حكومة قادرة على معالجة الأزمات الاقتصادية والصحية العاجلة التي تواجه تونس”، إلى جانب الدعوة إلى “حوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة”.
والحقيقة أنّ بين الروايتين، بون شاسع في الأهداف والمقاربة والتصور للوضع التونسي، والسؤال المطروح، هو: لماذا لا تنقل لنا الرئاسة التونسية، حقيقة المحادثات، وهو ما يتكرر مع الولايات المتحدة، دون سواها ؟؟
وهل تتحرج الرئاسة من مقولات الديمقراطية البرلمانية، والحوار حول الإصلاحات… ؟؟ أم أنّها تبدي من خلال ذلك، عدم رضاها بما يعتبره البعض: “تدخلا خارجيا في الشأن التونسي”، أم هو واجب التحفظ على مثل هذه اللقاءات؟ أم أنّ رئاسة الجمهورية، تتفاجأ كل مرة بنصوص تصدر عن الولايات المتحدة، كما لو أنها محاولة لتصحيح الرواية التونسية، أو على الأقل، تقديم رواية مختلفة، تتماشى والقناعات الأميركية، بل مع حسابات البيت الأبيض ؟؟