استنفار جزائري بشأن الوضع في تونس: غضب من الدور الإماراتي.. وتفاهمات “على المقاس” مع مصر
كتب صالح عطية
في أقل من أسبوع على “انقلاب” الرئيس قيس سعيّد على الدستور، كما يوصّفه خبراء في القانون الدستوري، كانت الجزائر، أكثر البلدان العربية اتصالا بالرئيس سعيّد، سواء عبر التواصل الهاتفي، أو من خلال الزيارات واللقاءات المباشرة..
كان الاتصال الأول، غداة “الانقلاب” من قبل الرئيس عبد المجيد تبون، ساعات قليلة بعد إعلان الرئيس سعيّد التدابير الاستثنائية، وخاصة تجميد البرلمان، وإقالة الحكومة، وإعلان نفسه مسؤولا أولا على السلطة التنفيذية، ورفع الحصانة عن نواب البرلمان، طبقا لمقتضيات الفصل 80 من الدستور، التي اتضح لاحقا، أنها خرق فاضح للدستور.
غير أنّ المكالمة الهاتفية للرئيس الجزائري، وما رشح لديه من معلومات لاحقا، لم تطمئنه حول مجريات الأمور في تونس، التي نجحت الجزائر في إدارة شأنها الداخلي باقتدار زمن الثورة التونسية، ورياحها التي هبّت على عواصم مغاربية (ليبيا)، ومشرقية أخرى (مصر وسوريا واليمن).. وهي من ثمّ معنية بما يدور في الجارة الجنوبية..
لذلك أوفد وزير خارجيته، رمطان لعمامرة، الذي قدم إلى تونس بعد يوم من الانقلاب، حيث أبلغ ــ وفق المعلومات والتسريبات التي توصلنا إليها ــ رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، بأنّ الجزائر منزعجة مما يجري في تونس، وبخاصة من التدخل الإماراتي المصري في شأن جارة شقيقة للجزائر، ويعنيها ما يدور فيها من تقلبات وتطورات سياسية وأمنية بالخصوص.
وواضح أنّ “بلد المليون شهيد”، لا يرتاح للوجود أو الأعمال التي تقوم بها الإمارات في الإقليم، خصوصا بالنظر إلى علاقاتها بإسرائيل، التي تتوجس الجزائر منها أيما توجّس، لذلك عندما علم بالدور الإماراتي فيما حصل في تونس، تحرك بلا هوادة، لتعديل البوصلة. فالجزائر، الخارجة للتو من انتخابات برلمانية عسيرة، أنهت حراكا شعبيا، كاد يؤدي إلى ثورة داخلية، مع ما يعني ذلك، من بحثها حاليا عن استحقاقات الاستقرار السياسي والاجتماعي، ومتظلباتهما التنموية، تلبية لانتظارات الشارع الجزائري المترقب، تستيقظ يوم الأحد 25 جويلية، على وقع مجريات جديدة في تونس، يمكن أن تلقي بظلالها عليها، سياسيا واجتماعيا، وفي مستوى خريطة العلاقات الدبلوماسية، وتوازنات الإقليم..
من هنا كانت زيارة لعمامرة، ليست لمعرفة ما يجري، إنما لتبليغ رسالة إلى الرئيس التونسي، بأنّ ما حصل كان لا ينبغي أن يحصل دون استشارة الجزائر، المعنية باستقرار تونس، مثلما هي معنية بأي هزة يمكن أن تحصل لتونس، لا قدر الله..
أمضى وزير الخارجية الجزائري، 3 أيام في تونس، وفق البلاغ الرئاسي أمس، ثمّ توجّه إلى مصر لمناقشة الدور المصري، واتجاهات الرؤية المصرية لما يجري في تونس.
ووفق المعلومات التي حصلت عليها “الرأي الجديد”، فإنّ وزير الخارجية الجزائري، أبدى كذلك امتعاض بلاده من الدور الإماراتي في المنطقة، ولا يبدو أنه اطمأنّ إلى التطمينات المصرية، فالجزائر التي دخلت منذ الساعات الأولى من الانقلاب في حراك دبلوماسي كبير، انطلق من تونس، واتجه غربا إلى ليبيا، ثم فرنسا، مرورا بتركيا، وسط تنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، لم يتوقف إلى اليوم، أدركت أنّ قطار الانقلاب (الذي لا تسميه انقلابا طبعا)، لن ــ ولا ينبغي ــ أن يتجاوز نهاية الشهر الجاري، وهو توقيت الثلاثين يوما التي حددها الرئيس قيس سعيّد للعودة إلى المنظومة الدستورية.
ومع تسارع وتيرة الرفض لما حصل في تونس، على النطاق الإقليمي والدولي، رغم اختلاف التعبيرات والإيحاءات والمطالبات، كان رمطان لعمامرة على موعد جديد مع الرئيس التونسي، أمس الأحد، “ليؤمن للدور المصري، خروجا معقولا”، وفق تعبير محلل جزائري مقيم في تونس، تعليقا على مساعي وزير خارجية بلاده بين تونس ومصر، والاتصالات المكثفة مع فرنسا والولايات المتحدة وتركيا، على اعتبار أنّ العقل السياسي والأمني الجزائري، لم يهضم “حركة الانقلاب”، أولا، لكنّه لم يتفهم مطلقا “الأدوار المفاجئة” للقاهرة وأبوظبي في تونس، “من وراء ظهر الجزائر تحديدا”..
لم ينته الأمر عند هذا الحدّ، بل إنّ الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عاود الاتصال بالرئيس قيس سعيّد، هاتفيا في مكالمة، قيل من مصادر جديرة بالثقة، أنها استمرت زهاء الــ 35 دقيقة، مع ما يعني ذلك، من جدية المكالمة، التي يتجاوز أفقعها المجاملات المعهودة بين رؤساء الدول.
واكتفت رئاسة الجمهورية في تونس، بالقول، إنّ الرجلان، “تباحثا خلالها في الأحداث الأخيرة التي عاشتها تونس، حيث طمأن رئيس الجمهورية قيس سعيد، نظيره الجزائري، بأن تونس تسير في الطريق الصحيح لتكريس الديمقراطية والتعددية، وستكون هناك قرارات هامة عن قريب”، وهي العبارات التي تشير بوضوح إلى الانشغال الجزائري، ولغة الطمأنة التي تحدث بها الرئيس التونسي لنظيره الجزائري..
لا شك، أنّ الجزائر، ما تزال منزعجة مما حصل في تونس، ولا يبدو أنها قد تلقت ما يجعلها تطمئن على الوضع الجديد في الجارة الشقيقة، لكنّها ــ وفق المعطيات الحاصلة لدينا ــ تتحرك بلا هوادة، دون أن يكون ذلك تدخل في الشؤون الداخلية لتونس، من أجل تحجيم الدور الإماراتي، واستعادة المبادرة في علاقة بتونس، لأنّ كل تطور غير محسوب العواقب في تونس أو في ليبيا، يمكن أن يؤثر سلبيا على الجزائر، التي كانت تردد دائما منذ أكثر من 30 عاما، بأنّ “أمن الجزائر من أمن تونس، والعكس صحيح أيضا”، وهو ما ثبت عليه الزعيم الحبيب بورقيبة، وكرسه عمليا، الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، بل استمر عليه الرئيس الأسبق، المنصف المرزوقي، ومن بعده خلفه، المرحوم، الباجي قايد السبسي.
فهل يغيّر قيس سعيّد البوصلة باتجاه الإمارات ومصر، بديلا عن الجزائر؟
والسؤال الأكثر خطورة، هو: هل يجرؤ الرئيس التونسي فعلا على هذا “التجاوز” للجزائر، بما تمثله من ثقل إقليمي ودولي هائل، وأدوار معقدة، هنا وهناك، أم يضطر إلى تعديل بوصلة علاقاته الخارجية، بشكل يعيد ترتيب أوراقه من جديد ؟
الأيام المقبلة ستقدّم لنا الجواب أو إرهاصات جواب ممكن، على الأقل، طالما أنّ الغموض إلى الآم، هو المهيمن على قرارات ومواقف السيد رئيس الجمهورية.