ما قصّة الوثيقة “المسرّبة” من القصر الرئاسي حول “الإنقلاب” في تونس … ومادخل نادية عكاشة فيها ؟
تونس ــ الرأي الجديد (مواقع إلكترونية)
نشر موقع “عربي21″، نصّ وثيقة مسرّبة، من مكتب مديرة ديوان رئيس الجمهورية، نادية عكاشة، يعود تاريخها إلى 13 ماي الجاري، تتحدث عن اعتقال سياسيين كبار، وتدبير انقلاب في تونس.
وقد نشر “عربي 21″، الوثيقة التي سرّبها موقع “ميدل إيست آي”.
وفيما يلي النصّ كاملا:
الحمد وحده
تونس في 13 ماي 2021 السيدة الوزيرة مديرة الديوان الرئاسي
الموضوع: حول تفعيل الفصل 80 من الدستور
تعيش الجمهورية التونسية منذ تكليف السيد هشام المشيشي بشرف تكوين الحكومة، إلى تاريخ الساعة، ظروفا اجتماعية واقتصادية صعبة، جراء السياسات المعتمدة من قبل الحكومة الحالية والتأثيرات السياسية للحزام السياسي الداعم لها، أدت كلها في جملتها إلى تواجدنا في ظروف استثنائية لمنطوق الفصل 80 من دستور جانفي 2014، وهو الوضع الغير عادي الذي تكون فيه الدولة في حالة خطر داهم مهددا لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها وينتج عن هذا الخطر تعذر السير العادي لدواليب الدولة، بحيث يكون في ظل هذا الوضع من دور رئيس الجمهورية دستوريا تجميع السلطات بيده، ليكون بذلك مركز سلطة القرار التي تجعله مستأثرا بمطلق الصلاحيات التي تخوله حسب سلطته التقديرية أن يتخذ التدابير الترتيبية أم التشريعية، من أوامر وقوانين، للتصدي للخطر الداهم، ليتحول بذلك رئيس الحكومة في هذه الحالة إلى وزير أول تتقلص دائرة مهامه في صلاحيات تنفيذية ولا تقريرية لكل التدابير التشريعية والترتيبية التي يتخذها رئيس الجمهورية.
1- الحالة الاستثنائية التي تعيشها البلاد :
تعبر الحالة الاستثنائية أداة لتركيز جميع السلط بيد رئيس الجمهورية وهي حالــة الاســتثناء ويعبر عليها بالديكتاتورية الدستورية، وهي حالة قانونية قصوى افترضها دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية (الفصل 16) وأخذ بها الدستور التونسي لسنة 1959 (الفصل 46) وحافظ عليها المجلس التأسيسي عند صياغة الفصل 80 في دستور جانفي 2014.
وفي هذا السياق يمكن ملاحظة العديد من المؤشرات المؤثثة للحالة الاستثنائية المنصوص عليها بالفصل 80 من الدستور، وهي التالية:
– نص الفصل 38 على أن الصحة حق لكل إنسان، مضيفا أن الدولة تضمن الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن وتوفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية علاوة على العلاج المجاني لفاقدي السند، ولذوي الدخل المحدود والحق في التغطية الاجتماعية طبق ما ينظمه القانون، غير أنه ما لوحظ بعد تفشي وباء الكورونا بتونس وبالرغم من الإعانات التي تمتعت بها الدولة التونسية في هذا الصدد وتعهد رئيس الحكومة الحالي بضمان علاج التونسيين بالمستشفيات العمومية وعمله على تسخير المصحات الخاصة لذلك الصدد، لم يتم العمل به وراح ضحية التقصير الحكومي وعدم ضبط الأولويات للتصدي لداء الكورونا أكثر من 10000 مواطن تونسي، بالإضافة إلى عدم تعميم إجراءات التلقيح نظرا للتراخي في ذلك، ووجود ضبابية في السياسية الصحية للحكومة التونسية الحالية، وهو ما كان سببا من الأسباب في عدم تطبيق الفصل 38 المذكور.
-سوء التصرف في الموارد المالية التي رصدت لمقاومة وباء الكورونا، وتمويل الإجراءات المصاحبة لحماية المؤسسات الاقتصادية والفئات الاجتماعية الهشة، لم تكن ذو نجاعة، وأدت إلى إفلاس العديد من المؤسسات الاقتصادية وتفقير الطبقات الاجتماعية، وهو ما تعكسه المؤشرات الاقتصادية على غرار تراجع معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع نسبة البطالة، وارتفاع نسبة التضخم بالإضافة إلى تردي الوضع المعيشي للمجتمع، من حيث ارتفاع نسبة الفقر، وهو دليل إضافي على فشل المنوال التنموي، ومن ذلك سوء تطبيق المحطة الثالثة من الفصل العاشر للدستور: “تحرص الدولة على حسن التصرف في المال العمومي وتتخذ التدابير اللازمة لصرفه حسب أولويات الاقتصاد الوطني وتعمل على منع الفساد وكل ما من شأنه المساس بالسيادة الوطنية” – كشفت دائرة المحاسبات، أن تونس ستسدد، بداية من عام 2021 وحتى عام 2025، دفعات قروض بقيمة ألف مليون دولار سنويًاً، وهو ما يعكس معضلة الدين الخارجي، الذي تورطت فيه الحكومات المتعاقبة في البلاد بعد 2011، وتقدر الإحصائيات، نصيب كل فرد تونسي، من الديون الخارجية للدولة، في حدود ثمانية آلاف دينار(،2.6 ألف دولار)، ومن المتوقع أن تبلغ نسبة المديونية وفق مشروع قانون المالية لعام 2021، نسبة 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي حوالى 100 مليار دينار (30.3 مليار دولار) وتحتاج تونس هذا العام ( 2021)، حوالى 6.5 مليار دولار من القروض، بينها قروض خارجية في حدود4.5مليار دولار، وقروض داخلية في حدود ملياري دولار وتكشف هذه المؤشرات حجم الأزمة المالية، التي تتخبط فيها البلاد، وهو ما ينذر بإفلاس الدولة وانتهاك سيادتها الوطنية خاصة في ظل رفض عديد الدول والصناديق العالمية إقراض تونس لعدم التزامها بالإصلاحات العميقة في جميع المستويات.
-نص الفصل 19 من الدستور أن الأمن الوطني أمن جمهوري قواته مكلفة بحفظ الأمن، والنظام العام، وحماية الأفراد والمؤسسات والممتلكات، وإنفاذ القانون، في كنف احترام الحريات وفي إطار الحياد التاّمّ والحال أنه بالرغم من ذلك فقد عجز على تنفيذ بطاقة الجلب التي أصدرها قاضي التحقيق العسكري في حق عضو مجلس الشعب، علاوة على تجرأ البرلمان في مسائلة مقنعة لوزير الدفاع بوصفه رئيس مجلس القضاء العسكري حول ملابسات إصدار بطاقة الجلب وفي ذلك انتهاك للفصلين 102 و109 من الدستور.
-تعطل سير المرفق القضائي بالنسبة لتهم منسوبة لنواب شعب، ناتج عن عدم عرض المجلس النيابي في شخص رئيسه (توازنات ومصالح حزبية) لعديد مطالب رفع الحصانة على اللجنة المختصة بات سببا من أسباب عدم المؤاخذة وتكريس سياسة الإفلات من العقاب، وخرقا للفصل 21 من الدستور.
– معاينة العديد من الأخطاء الدستورية التي قامت بها الحكومة الحالية فيما يتعلق بالتحوير الوزاري مثلا والانصياع وراء رغبات الأحزاب في المصادقة على قوانين لا تخدم مصلحة البلاد والعباد، علاوة على التعيينات الحزبية في الوظائف المدنية العليا.
-معاينة حالات العصيان المدني في عديد من جهات البلاد على إثر الإعلان عن الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة في خرق حظر الجولان أو عدم الامتثال للحجر الصحي العام، وغلق المحلات والأسواق إلخ
2- الإجراءات المزمع اعتمادها في تفعيل الفصل 80 من الدستور
-الدعوة لانعقاد مجلس أمن قومي مستعجل (قبل تصريح الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين حول مآل عريضة الطعن في مشروع قانون المحكمة الدستورية) للتباحث في الوضع الصحي والاجتماعي والاقتصادي والأمني وتدارس المالية العمومية والمديونية الخارجية، ويدعى للجلسة علاوة على التركيبة المنصوص عليها بالفصل الثاني من الأمر الحكومي عدد 70 لسنة 2017 مؤرخ في 19 جانفي 2017 يتعلق بمجلس الأمن القومي، محافظ البنك المركزي التونسي، مدير عام أمن رئيس الدولة وحماية الشخصيات الرسمية، رئيس اللجنة المالية بالبرلمان وكل من يرى رئيس الدولة فائدة في حضورهم من خبراء اقتصاديين.
-على إثر تدارس المواضيع المذكورة، يتولى رئيس الدولة إعلام رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب الحاضرين بجلسة مجلس الأمن القومي بضرورة تفعيل الفصل 80، لاحترام شرط استشارتهما، دون توفر شرط موافقتهما من عدمه على تفعيل الفصل المذكور، باعتبار أن الدور الاستشاري غير ملزم للقرار الجمهوري الذي يخضع للسلطة التقديرية لرئيس الدولة، ويتم غض الطرف عن الإعلام بتفعيل الفصل 80 من الدستور لعدم وجود المحكمة الدستورية.
-ترفع الجلسة بعد ذلك، دون السماح للحضور بمغادرة قصر قرطاج، مع جعل منطقة القصر الرئاسي بصفة قبلية وبعدية مفصولة بصفة مؤقتة عن شبكة الاتصالات أو الإنترنت، ويتولى رئيس الدولة التوجه بكلمة للشعب بحضور رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة للإعلان على التدابير الاستثنائية التالية:
أ-تكليف السيد العميد خالد اليحياوي بالإشراف على وزارة الداخلية بالنيابة، علاوة على مهامه كمدير عام للإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية.
ب-تعليق خلاص معاليم الكهرباء والماء والهاتف والإنترنت والقروض البنكية والإيجار المالي ومعاليم الجبائية والمساهمات الاجتماعية لمدة 30 يوما
ت- التخفيض في سعر المواد الأساسية والمحروقات بنسبة 20 %
ث-الإعلان على تكوين لجان قارة وظرفية طبقا لأحكام الفصل السادس من الأمر الحكومي عدد 70 لسنة 2017 مؤرخ في 19 جانفي 2017 يتعلق بمجلس الأمن القومي تتكون من مستقلين وأعضاء مجلس نواب ومختصين لبلورة الحلول الاقتصادية والاجتماعية لتطويق الخطر وضمان استمرارية المرافق العمومية.
ج-تفعيل الأمر عدد 50 لسنة1978، مؤرخ في26 جانفي 1978، يتعلق بتنظيم حالة الطوارئ على خلفية صدور الأمر الرئاسي عدد 164 لسنة 2020 مؤرخ في 23 ديسمبر 2020 يتعلق بتمديد حالة الطوارئ والقاضي بتمديد حالة الطوارئ إلى غاية 23 جوان 2021، بما في ذلك منع كل إضراب أو صد عن العمل حتى ولو تقرر قبل الإعلان عن حالة الطوارئ.
ح- نشر القوات العسكرية بمداخل المدن وتأمين المنشآت السيادية والحيوية على كامل تراب الجمهورية التونسية في إطار دورية مشتركة بين الجيش الوطني والحرس الوطني والأمن الوطني.
خ- يتم الإعلان لاحقا على تعيينات في الخطط العليا المدنية والعسكرية المتصلة بالأمن القومي على غرار (مدير عام المصالح المختصة، رئيس المركز الوطني للاستخبارات، وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري).
وفي المناسبة ذاتها، يتم توجيه خطاب طمأنة الشعب التونسي وللوفود الأجنبية والسفارات المتواجدة بالتراب التونسي، على التزام الدولة بتأمين سلامة الأفراد والممتلكات وقمع كل أشكال الجريمة.
I. يتولى السيد رئيس الجمهورية إعطاء التعليمات التالية للسيد العميد خالد اليحياوي وزير الداخلية
بالنيابة :
-تبعا للفصل الخامس من الأمر عدد 50 لسنة1978، مؤرخ في26 جانفي 1978 يتعلق بتنظيم حالة الطوارئ، يتولى السيد وزير الداخلية بالنيابة وضع سياسيين (من حركة النهضة على غرار نور الدين البحيري، رفيق عبد السلام، عبد الكريم الهاروني، السيد الفرجاني، نواب كتلة الكرامة، غازي القروي، سفيان طوبال، رجال أعمال، مستشارين بديوان رئيس الحكومة الخ ) تحت الإقامة الجبرية، وبحراسة مشتركة من قبل قوات من الجيش الوطني والأمن الرئاسي.
-اتخاذ إجراء حدودي في كل النواب والسياسيين ورجال الأعمال وأصحاب النفوذ. (الاستشارة قبل المغادرة)
-إعفاء كل الولاة المنتمين لأحزاب سياسية وتكليف الكتاب العامون بالولايات لتسيير الولايات.
-القيام بتحويرات على رأس الإدارات العامة بوزارة الداخلية بعد استشارة رئيس الجمهورية.
– التنسيق مع وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري، فيما يتعلق بوضعية السياسيين موضوع تتبع أو شكايات مودعة لدى النيابة العمومية العسكرية لغاية تحت الإقامة الجبرية إلى تاريخ استدعائهم من قبل قلم التحقيق العسكري.
-التنسيق المشترك مع القوات العسكرية صلب خلية عليا لإدارة الأزمات
II . يتولى السيد رئيس الجمهورية القيام بتحوير وزاري شامل مع الإبقاء على رئيس الحكومة لا غير
III. يتولى السيد رئيس الجمهورية دعوة وزير العدل (رئيس النيابة العمومية)، لإصدار البطاقات القضائية في شأن الأشخاص المتهمين في قضايا والذين فقدوا صفتهم كنواب شعب بعد 2019، وتنفذ من قبل القوة العامة تحت إشراف وزير الداخلية بالنيابة
IV. يتولى السيد رئيس الجمهورية، إمهال رئيس مجلس النواب مدة وجيزة باعتبار الانعقاد الدائم لمجلس النواب، لرفع الحصانة على النواب المباشرين لمهامهم حاليا والمطلوبين لدى القضاء والموضوعين بصفة مسبقة تحت الإقامة الجبرية، بموجب قرار صادر عن وزير الداخلية بالنيابة
V. يتولى السيد رئيس الجمهورية ترأس كل المجالس الوزارية، وسن الأوامر والقوانين الضرورية.
هذا وباعتبار عدم توفر دراية لي في المجال القانون الدستوري فيما يتعلق بإمكانية تعليق العمل بالدستور من عدمه، فإني ألفت أنظاركم لما يلي:
-إن عدم تفعيل الفصل 80 بعد تصريح قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين فيما يتعلق في عريضة الطعن في مشروع قانون المحكمة الدستورية، والذي يفترض أن يكون رفض الطعن شكلا ( مجرد احتمال يستوجب الدراسة)، سيضع السيد رئيس الجمهورية في وضعية الختم الوجوبي، لان قرارات الهيئة المذكورة ملزمة لكل السلطات طبقا للفصل 21 من القانون الأساسي 14 لسنة 2014.
-يمكن للسيد هشام المشيشي باعتباره وزير الداخلية بالنيابة، أن يقوم بوضع بعض الشخصيات المقربة لرئيس الدولة تحت الإقامة الجبرية لغاية الإحراج، ولئن كان ذلك شبه مستحيل لمعرفتكم السابقة بالشخص، غير أن هذه النوعية من القرارات تكون مسندة من الحزام السياسي الداعم لحكومته، وتحت تأثيرات كبيرة، لا يمكن الاستهانة بها.
-فرضية المرور نحو تفعيل التحوير الوزاري الذي حظي بثقة البرلمان، بعلة أن تسيير الدولة لا يحتمل الفراغ الحالي في هاته المناصب وسيكون ذلك فترة تواجد السيد رئيس الجمهورية بفرنسا بمناسبة زيارة رسمية.
السيدة الوزيرة مديرة الديوان الرئاسي.
إن تفعيل الفصل 80 ولئن كان لا يطرح إشكالا على المستوى القانوني والدستوري، غير أنه يستوجب وضع خطة عملية متكاملة للإلمام بكل الجوانب والفرضيات (على الصعيد الإعلامي واللوجيستي والميداني والسياسي)، تقتضي عقد جلسات مسترسلة ومتواصلة، بما من شأنه أن يضمن تنفيذ التدابير الاستثنائية المعلن عنها بكل نجاح.
والسلام