من “الرصاص المصبوب” إلى “الصواريخ المرشوقة”: المقاومة تفرض معادلة ردع جديدة
القدس المحتلة ــ الرأي الجديد
يتداول محللون عرب وبعضهم من الغرب، الحديث عن ميلاد معادلة ردع فلسطيني جديدة إثر قصف غير مسبوق لمناطق بتل أبيب وتعليق إقلاع جميع الرحلات من مطار بن غوريون الدولي، تظهر في حسابات المعارك المفتوحة، تطرح تساؤلات حول طبيعة الردود المتهورة للاحتلال.
انتهاكات إسرائيلية
وتأتي هذه القراءة، بحسب مراقبين في ظل مشهد إسرائيلي داخلي معقد يحاول بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، الهروب منه لمواجهات في القدس وغزة، تثبت أركانه المهتزة في الحكم، وقد يجد في هذا القصف شهية جديدة لمزيد من تعزيز موقعه ولو عبر ممر التهور.
وهذا التهور عبر رد عنيف إسرائيلي محتمل، بحسب المراقبين، قد يكون سلاحا ذا حدين للفصائل الفلسطينية.
وتسببت الانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة ومحاولات السيطرة الكاملة عليها، بانتقال التوتر إلى قطاع غزة، واندلاع جولة القتال الحالية، التي بدأت مساء الاثنين الماضي.
ومن أهم الانتهاكات الإسرائيلية التي تسببت بالاحتقان الحالي، صدور قرارات قضائية إسرائيلية بإخلاء 12 منزلًا فلسطينيًّا في حي الشيخ جراح، الذي يعد أحد أحياء القدس من قاطنيها، وتسليمها للمستوطنين اليهود.
وسبق ذلك إغلاق باب العمود في وجه المقدسيين، وتنظيم مسيرة للمتطرفين داخل البلدة القديمة، كانت تعتزم اقتحام المسجد الأقصى.
وردَّ الفلسطينيون على انتهاكات الاحتلال في القدس، بهبة شعبية أجبرته على فتح مدرجات باب العامود وتأجيل صدور القرار بإخلاء المنازل في الشيخ جراح، وإلغاء مخطط اقتحام الأقصى.
خيارات نتنياهو المحدودة
أما حركة حماس في قطاع غزة، فقد قررت التعامل مع الأمر بشكل مختلف، عبر إرساء معادلة ردع جديدة، تجلت بمنح إسرائيل مهلة قصيرة لوقف انتهاكاتها بالقدس، وإلا فإنها ستسخدم القوة العسكرية ضدها، وهو ما كان، حيث قصفت المدن الإسرائيلية بالصواريخ.
ثم تدهورت الأمور بشكل كبير، وغير مسبوق، عقب لجوء إسرائيل لسياسة تدمير الأبراج السكنية بغزة، ورد حركة حماس، بإطلاق عشرات الصواريخ نحو وسط إسرائيل.
وأدى القصف غير المسبوق، الأكبر من غزة وبتاريخ إسرائيل، إلى إعلان الأخيرة، تعليق إقلاع جميع الرحلات من مطار بن غوريون الدولي، وأنباء عن تعليق الدراسة فضلا عن أضرار وخسائر عديدة.
ووسط تجدد قمع المصلين في المسجد الأقصى “بشكل جنوني”، ذهب نتنياهو إلى التعهد بالرد بقوة على القصف.
وتعدّ هذه أول مرة، توجه فيها ضربة بهذا العدد، وفي دفعة واحدة، وهذا تطور مهم، وإذا كان لدى الاحتلال أوراق وحشية (في الرد)، فالمقاومة معها أوراق ردع.
ويقول مراقبون، أنّ إسرائيل في مأزق حقيقي، فحتى إذا ما قررت تل أبيب القيام بحرب برية ضد غزة، فستكون فرصة للمقاومة، وحينها ستذيب التفوق الجوي الإسرائيلي، وقد نشهد أول هزيمة له، لذلك الاحتلال لديه تهيب، سيما وأنه حاول ذلك في 2012، ونتنياهو قرر الانسحاب فالحسابات معقدة..
ولعلّ أقصى تصور له، ضرب الأبراج السكنية، وقد فعلها في 2014، وفي المواجهة الحالية، وكان رد الفعل ضرب تل أبيب”، في إشارة إلى أن التطور المهم للمقاومة، كان رد فعل وليس استراتيجية.
ويعاني الاحتلال من الإفلاس في رد الفعل، رغم امتلاكه ترسانة عسكرية مدعومة أمريكيا بشكل كبير، لكن المقاومة أثبتت قدرتها على الاحتمال والاحتماء، في ظل أنفاق وعمليات تمويه وخطط متنوعة”.
ربما يزيد الاحتلال من وحشيته، وربما يرتكب مجازر، لكن هذا ليس جديدا، فقد قتل في حرب 2014 أكثر من 3 آلاف فلسطيني..
ويؤكد ملاحظون، أن ضربة تل أبيب، من قبل المقاومة، أسست قواعد ردع جديدة، وسط تراجع إسرائيلي بقدرات ردعه ودفاعاته، والمدينة التي صورتها إسرائيل محصنة، اليوم تضرب ويمكن استهدافها في أي وقت..
وضع ردعي جديد
ويذهب الأكاديمي العراقي، لقاء مكي، لإمكانية أن يخلق القصف الفلسطيني “وضعا ردعيا جديدا غير مسبوق”.
وقال مكي، عبر حسابه بتويتر، إن “قصف تل أبيب تطور مهم في مجرى الصراع مع إسرائيل، مهما كانت نتائج المعركة الحالية”.
وقلل من النتائج العكسية تجاه غزة حال ردت تل أبيب، قائلا: “القصف الإسرائيلي سيتسبب بالتدمير، لكنه لن يجلب النصر”، مؤكدا أن “إسرائيل باتت في واقع هزيمة مع انهيار قدرتها الدفاعية”.
كما أكد أستاذ العلاقات الدولية الكويتي، عبد الله الشايجي عبر حسابه بتويتر، أن ما حدث لتل أبيب، يعد “أكبر عملية قصف بدفعة واحدة”، مشيرا إلى أنها سيكون لها تأثير نفسي “أقوى وأخطر” بإسرائيل.
وأكد أن هذا التأثير “نشهده الليلة (الثلاثاء-الأربعاء) مع تعطل المطار وشل الحياة وسقوط إصابات وخسائر مادية”.
وقال إن ذلك القصف “فرض توازن الرعب بين تنظيم مسلح ودولة نووية (أي إسرائيل) تملك أقوى ترسانة عسكرية وتحتكر النووي وتصدر سلاحا لدول العالم وهذا فضح هشاشتها”.
فيما ذكر الباحث الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية، عدنان أبو عامر، عبر حسابه بتويتر، أن “ناحوم برنياع، كبير المحللين السياسيين الإسرائيليين، قال إن حماس حطمت القواعد، بصواريخها نحو تل أبيب، وخلقت وضعا جديدا لا يطاق، وتضع علامة استفهام حول قوة ردع جيشنا”.
وأضاف: “للمرة الأولى في تاريخ هذا الكيان المحتل الغاصب منذ 73 عاما: تتغطى تل الربيع (أبيب) كلها، من أقصاها إلى أقصاها، باللون الأحمر، وهي منظومة الإنذار المبكر (الإسرائيلي)، إيذانا بسقوط صواريخ المقاومة”.
مخيم أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في غزة، قال إن القبة الحديدية الإسرائيلية فشلت في التصدي لكافة صواريخ المقاومة التي تطورت قدرتها العسكرية.
وعن إمكانية تسببها في رد فعل عكسي، رأى أبو سعدة، أن “الشعب الفلسطيني لن يخسر شيئا أكثر فهو تحت الحصار والعدوان، وإسرائيل لن تصمد طويلا”.
وكالات + موقع “الرأي الجديد”