السلطة الجزائرية تمنع المسيرات وتصعّد: الحكومة ترغب في وقف الحراك “المؤرق”
الجزائر ــ الرأي الجديد / العربي القماطي
تغيّر أسلوب تعامل السلطات الجزائرية، مع مسيرات الحراك الشعبي منذ استئنافها في 22 فيفري الماضي، وبلغ التصعيد ميدانيا وإعلاميا أوجه في الأسابيع الأخيرة.
وبات اللجوء إلى عمليات التوقيف والاعتقال دارجا بكثرة في مسيرات الثلاثاء والجمعة، كما أصبحت قوات الأمن لا تتردد في استعمال القوة أحيانا في تفريق المسيرات سواء بالعاصمة أو غيرها من المدن الكبرى.
وانتقل التعتيم الإعلامي الذي كان ممارسا في السابق، إلى هجوم على المسيرات الشعبية واعتبار أنها مخترقة من عناصر إسلامية متطرفة أو موجهة من حركة انفصالية تنشط بمنطقة القبائل.
ونشر التلفزيون العمومي، تصريحات لأشخاص تم تقديهم على أنهم نشطاء اعتادوا المشاركة في المسيرات، يقولون بأن الحراك تغير في مضمونه وشعاراته ولم يعد نفسه الذي كان في الأول.
وسبق ذلك، نشر اعترافات لعناصر في تنظيمات إرهابية أو انفصالية، يتحدثون عن مخططات لاستهداف المسيرات الشعبية بهدف نشر الفوضى في البلاد والاستنجاد بالتدخل الأجنبي.
مظاهر التصعيد
وقال شهود عيان، إن من مظاهر هذا التصعيد، رفع حدة القمع سواء في الاعتداء على الحراكيين في المسيرات بكل أشكال العنف، وكذلك الاعتقال لساعات طويلة، والإبقاء على الكثير لتقديمهم أمام القضاء للمحاكمة، إيداع الناس الحبس والتضييق عليهم بالرقابة، مع تشويههم إعلاميا.
وأضافوا بأنّ الهدف الأول لذلك، هو كسر عزيمة النشطاء في مشروعهم السياسي الرامي إلى الانتقال السياسي، وبالتالي إبعاد مشروع التحول الديمقراطي الحقيقي، وتخويف الناس،
وإرباكهم، وثنيهم عن فكرة النضال السياسي الحقيقي المنتج للديمقراطية، مشيرا إلى أن السلطة تستنفر كل وسائل الدولة للقضاء على الحراك وإنهائه.
ووفق تقديرات اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين – وهي مجموعة رصد محلية – فإن ما لا يقل عن 63 ناشطاً هم قيد الاحتجاز حالياً في الجزائر، 48 منهم أُلقي القبض عليهم منذ فيفري.
ودفعت هذه التطورات حتى المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، روبرت كولفيل، للدخول على الخط، والتعبير عن قلقه المتزايد من الوضع في الجزائر حيث العديد من الحقوق الأساسية، مثل الحق في حرية الرأي والتجمع السلمي، ما زالت “تتعرض للهجوم”، حسب تقديره..
وبحسب منظمة العفو الدولية، التي تمتلك ممثلية في الجزائر، فإن السلطات استخدمت ما وصفته بالقوانين القمعية لمقاضاة عشرات المحتجين السلميين، بموجب تهم مثل “المساس بالوحدة الوطنية” أو “المساس بالمصلحة الوطنية” أو “التحريض على التجمع غير المسلح” أو “إهانة موظفين عموميين” أو “الإساءة إلى رئيس الجمهورية”.
موقف السلطة
في مقابل هذه النظرة، يتحدث الخطاب الرسمي للسلطة، في كل مرة، عن مخاوف من انزلاق الأوضاع، والانقياد وراء جهات مغرضة تريد ركوب المسيرات، هدفها حسبه، إسقاط الدولة.
وتذهب الحكومة، إلى حد وصف الحراك الشعبي بـ “التحراك”، مؤكدة أن من يقف خلف الدعوة له هم أطراف من الخارج، معروفة بعلاقاتها المشبوهة مع دول وأطراف معادية للجزائر.
وتتهم السلطا الجزائرية، من وصفهم بـ “بقايا الحركات الإرهابية والانفصالية التي تهدد وحدة الوطن واستقراره باعتماد شعارات مغرضة لها خلفيات خبيثة”، مشيرة إلى أن الوضع مختلف عن الحراك الأصيل الذي خرج فيه الشعب برمته مطالبا بالتغيير.
وضمن التسلسل المنطقي لهذا الخطاب، أصدرت وزارة الداخلية بيانا تحظر فيه المسيرات دون موافقة رسمية، مع جملة اشتراطات تطالب بتقديم هوية منظمي المسيرة وشعاراتها ومسارها، وذلك بسبب ما تسميه بــ “المسيرات الأسبوعية أصبحت تعرف انزلاقات وانحرافات خطيرة”..
ويربط مراقبون، هذه الموجة من التصعيد بالانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 12 جوان المقبل، والتي يقابلها الحراك الشعبي في عمومه بموقف شديد الرفض لاعتبارها وسيلة يحاول من خلالها النظام تجديد نفسه.
وتعد هذه آخر محطة بالنسبة للسلطة في مسار الإصلاح السياسي، بعد الانتخابات الرئاسية ثم استفتاء الدستور وتغيير قانون الانتخابات، انتهاء بحل البرلمان والتمهيد لانتخابات تعيد بناء السلطة التشريعية.